العاهل المغربي يدعو إلى تسريع استكمال تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة

أسدى العاهل المغربي الملك محمد السادس توجيهاته باستكمال تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة بهدف دعم التنمية المستدامة في المملكة، في خطوة يرى مراقبون أنها تمثل خيارا إستراتيجيا في ترسيخ المسيرة التنموية للمغرب بكل أبعادها.
الرباط - دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تسريع استكمال تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة، وسط تأكيد على ضرورة اعتماد مقاربة شاملة في هذا المجال، فيما تنبع هذه التوجيهات من حرص ملكي على أن تلعب كافة الأقاليم دورا بارزا في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.
وبحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وعبدالوافي لفتيت وزير الداخلية، ركز الملك محمد السادس على تحدي الإجراءات الفعلية للميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وتفعيل اختصاصات الجماعات الترابية لاسيما منها المجالس الجهوية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية على المستوى الجهوي والمحلي، تنفيذا لمقتضيات دستور المملكة، إلى جانب تحدي ربط المسؤولية بالمحاسبة، والارتقاء بدور المجالات الترابية لجذب الاستثمار المنتج، وقدرة الجهات على ابتكار آليات تمويلية جديدة، والتصدي لبعض الأزمات والتكيف مع التحولات التي يفرضها واقع اليوم وتأثيرات الغد.
وأوضح العاهل المغربي أن كسب رهان التنمية، والقطع مع الأنماط التقليدية للتدبير، يأتي من خلال إقرار واعتماد آليات الحوكمة والديمقراطية والمشروعية والفعالية، وتعزيز مبادئ الأخلقة ومحاربة الفساد، من خلال تطوير فلسفة الرقابة والمحاسبة، إعمالا للمبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتهدف هذه النسخة، المنظمة تحت الرعاية الملكية من تنظيم وزارة الداخلية بشراكة مع جمعية جهات المغرب، إلى القيام بوقفة تقييمية تشاركية لحصيلة تنزيل هذا المشروع، سواء في ظل الولاية الوظيفية السابقة أو الولاية الحالية، ولاسيما في ما يتعلق بتفعيل التوصيات المنبثقة عن النسخة الأولى للمناظرة، المقرونة بالرغبة في البناء على التراكمات، وإعمال الذكاء الجماعي لتحديد متطلبات التنزيل التدريجي لهذا المشروع.
وفي مداخلة لها دعت مباركة بوعيدة، رئيسة جمعية جهات المغرب، في الجلسة الافتتاحية للنسخة الثانية من المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة، الجهات إلى الاضطلاع بمهامها وممارسة اختصاصاتها على النحو الأمثل، بهدف تفعيل رهان التنمية وتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة، وأن المرحلة الحالية من الجهوية المتقدمة يجب أن تكون مرحلة التفعيل لكسب رهان النهوض بالتنمية المجالية.
ويرى الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أن “تجربة الجهوية بالمغرب حققت العديد من المكاسب، من أبرزها، تعزيز اللامركزية: من خلال تمكين الجهات من إعداد مخططاتها التنموية الخاصة، وإطلاق مشاريع إستراتيجية شملت مجالات البنية التحتية، التعليم، الصحة والتأهيل الاقتصادي، إلى جانب تحقيق نوع من التضامن الترابي بين المناطق الغنية والفقيرة، وإن كان ذلك يحتاج إلى المزيد من التفعيل.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “رغم هذه الإنجازات، فإن مشروع الجهوية لا يزال يواجه تحديات تتطلب التدخل الفوري، منها التمويل المستدام لضعف الموارد المالية لبعض الجهات الذي يشكّل عائقا أمام تنفيذ مشاريعها، إلى جانب الحوكمة الترابية من خلال ضرورة تعزيز الكفاءة والشفافية في إدارة الموارد، وأيضا تحدي التنسيق بين المركز والجهات لضمان تكامل السياسات العمومية وعدم تضاربها.”
منظمو المناظرة يرون أن تجربة الولاية الجهوية الأولى شكلت مرحلة تأسيسية في مسار الجهوية المتقدمة
واعتبر إدريس الفينة أن “تحدي إشراك الفاعلين المحليين سواء من القطاع الخاص أو المجتمع المدني في صياغة خارطة طريق الجهوية المتقدمة في نسختها الثانية ضرورة ملحة لتعزيز التنمية التشاركية”، مبرزا أن “تقييم تجربة الجهوية بالمغرب ليس مجرد عمل تحليلي، بل خطوة لتوجيه هذه التجربة نحو النجاح الكامل، لتحقيق التنمية المستدامة والمندمجة التي يتطلع إليها المغاربة.”
ويرى منظمو المناظرة أن تجربة الولاية الجهوية الأولى شكلت مرحلة تأسيسية في مسار الجهوية المتقدمة، لتزامنها مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل مجالس الجهات، واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وإصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي يعد دعامة أساسية لإنجاح هذا المشروع.
وبخصوص تحدي قدرة الجهات على ابتكار آليات تمويلية جديدة، أكد الملك محمد السادس على ضرورة بلورة أشكال تمويلية أخرى من شأنها تخفيف الضغط المالي على الجهات والجماعات الترابية الأخرى، مشيرا إلى أن هذا التحدي يسائل الفاعلين الترابيين عن مدى تفعيل النموذج الجديد للميزانية المحلية القائم على النجاعة، من جهة، وعن الانفتاح على أنماط تمويلية جديدة تتيحها اليوم البيئة التشريعية المؤطرة للمالية المحلية، من جهة أخرى.
وفي ما يتعلق بالتصدي لبعض الأزمات والتكيف مع التحولات التي يفرضها واقع اليوم وتأثيرات الغد، أوضح العاهل المغربي في رسالته الموجهة للمشاركين في المناظرة، أن مختلف الجهات قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية التي تتوزع من حيث منشأها بين طبيعية واقتصادية وبيئية، مضيفا أن من شأن هذه التحديات، التي غالبا ما تتسم بطابعها المفاجئ وبعدم إمكانية التنبؤ بها، أن تقوض الجهود التنموية إذا لم يتم التصدي لها على النحو وفي الوقت الملائمين، وأنه يتعين على الجهات أن تبادر إلى تعزيز قدراتها على الاستباق والتكيف والتعلم المستمر، بدل التمسك ببرامج عمل تفتقر للمرونة.
وقال عمر مورو، رئيس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، إن “الممارسة العملية لاختصاصات مجالس الجهة خلال تسع سنوات أبانت عن الفرص والتحديات الأساسية التي يتوجب علينا التعامل معها، كل من موقعه، من أجل كسب هذه الرهانات، وأن التنمية المنتظرة من الجهوية المتقدمة، تُقاس أساسا بمدى تحقيق وتنفيذ المخططات والبرامج والمشاريع التي يتم اقتراحها والتداول بشأنها في مجالس الجهات على أرض الواقع.”