"العام زين" يناقش تحديات الهجرة والتفاعل الثقافي بين الريف والمدينة

كوميديا كلاسيكية تبرز أهمية الاستثمار في أرض الأجداد.
الاثنين 2024/04/22
جزء من الواقع المغربي

تمثل القرى والمدن في عالم السينما والتلفزيون مصدرا للإلهام الذي يجذب الجمهور ويثير اهتمامه. من خلال استكشاف هذه البيئات تنمو القصص وتنطلق المغامرات التي تلهم المشاهدين وتثير فضولهم. ومن هذه الأعمال الفيلم التلفزيوني “العام زين” للمخرج يوسف المغربي.

الرباط - انكبت الأفلام والمسلسلات المغربية مؤخرا على مناقشة تيمات الانتقال بين البادية والمدينة كتحولات اجتماعية وثقافية مهمة للأفراد، إذ تعكس هذه الأعمال تحديات الهجرة والاندماج والتفاعل الثقافي بين البيئتين، وتتناول أيضا القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تنشأ جراء هذا التحول، مما يسلط الضوء على تأثيراتها على الفرد والمجتمع على حد سواء، فهذه الأفلام ليست فقط وسيلة للتسلية والترفيه، بل تعتبر أيضا منبرا فنيا يعالج القضايا الحيوية التي تشكل جزءا من الواقع المغربي المعاصر.

وفي هذا السياق يعالج الشريط التلفزيوني “العام زين” للمخرج يوسف المغربي داني يوسف نفس تيمة الصراع بين البقاء في البادية والعمل على زراعة أرض الأجداد وبين الانتقال إلى المدينة من أجل تحقيق أحلام الشباب.

 تدور أحداث الفيلم حول شاب يدعى علي لم يعثر على عمل يناسب شهادة الإجازة التي حصل عليها في اللغة العربية، وهو يملك فقط ما يلبي متطلباته الخاصة، وليست لديه الإمكانات للزواج أو لمساعدة والدية المسنين، إذ تسبب هذا الوضع له في إحباط شديد بات يعتقد أن الهجرة هي فرصته الوحيدة لحياة أفضل، ولتحقيق هذه الغاية لابد من مبلغ مالي كبير لن يحصل عليه إلا إذا باع والده الأرض التي يملكها.

يفكر علي في الأمر ثم يقرر أن يؤجل مشروع الهجرة إلى وقت لاحق، وفي انتظار ذلك ينكب على العمل في أرض والده، إذ تحمل له زيارته القصيرة إلى قريته الكثير من المفاجآت بين النجاح غير المتوقع لمشروعه الصغير وبين قصة الحب غير المنتظرة، إذ يكتشف على أن حب الأرض والوطن لا يقدر بثمن وأن كل شيء ممكن بالإرادة والعمل.

العمل من سيناريو نرجس المودرن، وبطولة كل من ربيع الصقلي، وسلمى صلاح الدين، ومحمد خويي، وفتاح غرباوي، ونزهة بدر، ولغيثة عصفور.

رسالة إيجابية حول قوة الإرادة في تحقيق الأهداف، تسلط الضوء على أهمية الاستمرارية والثقة بالنفس
رسالة إيجابية حول قوة الإرادة في تحقيق الأهداف، تسلط الضوء على أهمية الاستمرارية والثقة بالنفس

ويتمحور السيناريو حول علي الذي يواجه تحديات شخصية واجتماعية كبيرة، حيث يجد نفسه عالقا في وضع اقتصادي صعب لا يمكنه من خلاله تحقيق طموحاته وتطلعاته، إذ يعكس هذا الصراع الواقع الاجتماعي للكثير من الشباب في العالم العربي الذين يواجهون صعوبات في العثور على فرص عمل مناسبة وتحسين مستوى معيشتهم.

ومن خلال تقديم علي لخيار الهجرة إلى المدينة بحثا عن فرص أفضل مقابل البقاء في البادية، يتم استعراض التناقضات الثقافية والاقتصادية بين الحياة في المدن والحياة في البادية، وهذا يبرز الصراع الدائم بين الحفاظ على التقاليد وثقافة البادية وبين استكشاف الفرص والتطور في المدن.

وتظهر رحلة علي تطوره الشخصي والنمو الذاتي خلال تجربته في البادية، من خلال العمل الشاق والتفاني في خدمة أرض والده، إذ يكتشف قيمة الجهد والإرادة في تحقيق النجاح، كما يتعلم أيضا قيمة الوطن والارتباط بالأرض والمجتمع الذي يعيش فيه.

وينقل السيناريو رسالة إيجابية ومحفزة حول قوة الإرادة والعمل في تحقيق الأهداف، مسلطا الضوء على أهمية الاستمرارية والثقة بالنفس في تجاوز التحديات وتحقيق النجاح، وكذلك الانتماء للأرض والمجتمع.

ويضيف السيناريو عنصر الحب غير المتوقع بين علي ورجاء لمسة إنسانية ورومانسية للحبكة الدرامية، حيث يعزز التوازن بين الجوانب الشخصية والاجتماعية للقصة، ويجسد قوة العواطف والعلاقات الإنسانية في تحقيق السعادة.

ويعتبر استخدام اللهجة القروية والإيماءات الطبيعية جزءا لا يتجزأ من تجسيد شخصية علي بشكل أصيل، إذ يتقن الممثل المغربي ربيع الصقلي اللهجة المناسبة والإيماءات التي تعكس خلفية علي القروية وأصوله البدوية بطريقة واقعية وطريفة، ويتمتع بقدرة على التوازن بين العناصر الكوميدية والدرامية بشكل عفوي.

ويظهر ربيع الصقلي موهبة بارزة في التعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر، مراوحا بين المواقف الكوميدية والدرامية، وتضيف القدرة في تجسيد مجموعة متنوعة من المشاعر قوة وإقناعا لأدائه، كما تظهر استجابته المتقنة لميكانيزمات شخصية علي من خلال تفاعله الدقيق مع الأحداث والشخصيات الأخرى، مما يثري القصة بأبعاد جديدة.

ويعكس الإيقاع الزمني للأحداث في هذا السياق إستراتيجية مونتاج متتالٍ قطعي يهدف إلى تحقيق شد انتباه المشاهد وتعزيز فهمه لمغامرات علي، كما يبدأ الإيقاع بشكل سريع لفترة معينة يجذب انتباه المشاهد ويوجهه نحو الحدث الرئيسي مثل طرد علي من العمل، ثم يتباطأ الإيقاع مع تقدم الأحداث عندما يعود علي إلى البادية والعراقيل التي تواجهه، مما يمنح الجمهور الوقت لتفسير الأحداث بشكل معقول.

ويعزز القطع السلس في المونتاج هذا النمط الزمني، حيث يتم تحويل المشاهد بسلاسة من واحدة إلى أخرى دون انقطاع واضح، مما يساعد في تعزيز التدفق المرن للقصة والإبقاء على اهتمام المشاهد.

ويضيف الانتقال بين لقطات العناصر المحيطة بالشخصية إلى السرد، ويساهم في تعميق فهم المشاهد للحالة العقلية والعواطف التي يمر بها علي على سبيل المثال، عندما يعجز عن بيع الطماطم يظهر الوقت وكأنه يمر ببطء فيعزز الشعور بالملل أو التوتر أو الانتظار، وهذا يضيف جوا من التشويق إلى المشهد.

ويستعمل المخرج مجموعة متنوعة من اللقطات، بدءا من القريبة والقريبة جدا لإيصال الحميمية بين علي و رجاء التي لعبت دورها الممثلة سلمى صلاح الدين، والتركيز على التفاصيل الدقيقة في إعداده سلطة الطماطم، إلى اللقطات البعيدة والمتوسطة لتقديم المواقع الواسعة والعلاقات الاجتماعية بين أرضه الزراعية ومصنع الطماطم وخاصة بين علي وابن عمه أحمد الذي جسده الممثل عبدالفتاح غرباوي.

ويستخدم المخرج الكاميرا الثابتة للتركيز على المشاهد بثبات، وخاصة داخل منزل عائلة علي، الكاميرا المتحركة في الطريق لإضافة الحركة. أما بالنسبة للزوايا، فيقدم المخرج مجموعة متنوعة تشمل الزوايا المنخفضة لتعزيز الدراما، والزوايا المرتفعة لإثارة الفضول وبهذه الأساليب، ينجح المخرج في توجيه انتباه المشاهدين بشكل فعال وتعزيز جودة إخراجه لشريط تلفزيوني.

هل الهجرة هي الفرصة الوحيدة لحياة أفضل؟
هل الهجرة هي الفرصة الوحيدة لحياة أفضل؟

إن تيمة البادية والمدينة أضحت استهلاكية بشكل مفرط بسبب بساطتها من جهة، وإقبال الجمهور المغربي عليها من جهة أخرى، وخاصة في الأعمال التلفزيونية والدرامية. ففي الفيلم التلفزيوني “القرية المنسية” للمخرج مصطفى مضمون يتناول مشكلة البطالة عند أوساط الشباب وعلاقتها بحلم الهجرة الذي يراودهم، من أجل تحسين ظروف المعيشة، والبحث عن آفاق جديدة لتطوير الذات.

أما فيلم “الزمان العاكر” فهو دراما اجتماعية للمخرج الراحل محمد إسماعيل يحكي قصة حياة سيدة تعيش في البادية تتمتع بجمال بدوي أصيل، وبعد نزاع مع زوجها تتسلل في جنح الظلام من بيتها القروي بعد أن شتمها زوجها بأنها عاقر، فتهاجر السيدة إلى المدينة عند أخيها الذي يشتغل في أحد الأوراش في منطقة الشمال ناحية تطوان.

والفيلم التلفزيوني “ثمن الرحيل” يحكي عن شاب اسمه الجيلالي الذي يعيش حياة صعبة في القرية ويعاني من ضيق ذات اليد وعدم قدرته على تحقيق أحلامه ويشجعه خاله وكلمات أحد أصدقائه عن المدينة  فيقرر هجر قريته والذهاب إلى المدينة لكي يحقق ما يحلم به  لكنه يصطدم بالواقع المر ويترك الثمن الباهظ الذي يدفعه من أجل أن ينجح.

أما المسلسلات فهناك مسلسل “وجع التراب” للمخرج شفيق السحيمي الذي تدور أحداثه عن أحمد الذي يقرر توريث أراضيه لأولاده الثلاثة، لكن ابنه المهيدي أبى إلا أن يهجر بيت عائلته، فتزوج قريبته السعدية الوارثة إرثا كبيرا، بيد أن ذلك لم يمنعه من ملاحقة قريبته الأخرى التايكة التي فضلت عليه علال العامل بضيعة مجاورة.

وهذا المخرج كل أعماله الدرامية حول تيمة البادية والمدينة منها مسلسل “شوك السدرة” و”العين والمطلية” و”تركية البطاشي” وفيلم “رماد الزريبة” والذي يتحدث عن مجموعة من المغاربة من الجنوب يقررون الرحيل إلى الدار البيضاء، حيث يتصورون أن الحلم يمكن تحقيقه في المدينة، ويتخيلون أن الأموال هناك سهلة المنال، حتى يُصْدمون بالواقع ويكتشفون أن لكل شيء ثمنا بالغ القسوة.

15