العالم يعيش تقلبات مرحلة صعود الهيمنة الآسيوية

واشنطن وبكين: تنافس بين قوة عظمى تدافع عن مكانتها وقوة صاعدة تزاحمها على الريادة.
الخميس 2019/05/30
هل تهدد الصين عرش أميركا

تشهد العلاقات الأميركية الصينية مدا وجزرا، فالحرب التجارية على أشدها ومع ذلك يصل حجم المبادلات التجارية بينهما لنحو 600 مليار دولار، قرابة 500 مليار دولار منها صادرات صينية إلى الولايات المتحدة، وعلى المستوى السياسي قد تجد الصين نفسها تميل في بعض القضايا إلى الموقف الأميركي، وإن سعت لغير ذلك. وتعطي هذه الازدواجية في التعامل صورة عن العالم وما يعيشه من ترابط يضعف حجة المؤمنين بفكرة صراع الحضارات والتوجه شرقا على حساب الحضارة الغربية، وإن كان هناك جانب من الصحة في الحديث عن أفول نظام القطبية مع صعود مراكز قرار دولية أخرى غير تلك الأميركية، وحليفتها الأوروبية.

القاهرة - فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيران أسلحته التجارية الثقيلة على الصين منذ أن أعلن عن زيادة الرسوم على الواردات من الصين، ثم تطور الأمر مع أزمة هواوي، التي هي في الأساس حرب على قيادة تكنولوجيا الجيل الخامس في العالم. هذه الحرب هي جزء من حرب أكبر بين قوة عظمى، تحاول البقاء في قمة الهرم العالمي، وقوة صاعدة تنافسها على تلك الريادة، ونجحت في قطع خطوات هامة في هذا الطريق منذ أن أصبحت الصين القوة التجارية الأولى في العالم بعد إعلانها بأن حجم مبادلاتها التجارية السنوية تجاوز في عام 2013 للمرة الأولى حاجز 4 تريليونات دولار.

واليوم يزداد التوتر بين العملاقين حول كل شيء من التجارة والتكنولوجيا إلى التأشيرات والأمن القومي والمناخ والتسلح ووصولا إلى السباق نحو الفضاء، بل إن الصين تخطت الحدود بعد أن أصبح لها دور سياسي وقرار مؤثر في مناطق استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، ولم تعد تكتفي بدور المتفرج الذي يحضر اقتصاديا فقط.

ويؤكد ذلك جوناثان هيلمان، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، بقوله إن الطبقة السياسية الأميركية لم تعد تؤمن بأن الازدهار الاقتصادي للصين سيجعل منها شريكا مطواعا أكثر.

تبدو الصين، مستقوية بطموح روسي لمنافسة الولايات المتحدة، عسكريا على الأقل، وكأنها تقود التغيير الذي تنبأ به المفكرون ومنظرو رؤى التحول نحو الشرق ونهاية تاريخ العالم في شكله الحالي. من بين المتحدثين عن هذا التحول كيشور محبوباني، وزير خارجية سنغافورة السابق، الذي يطرح رؤية تعتبر أن كل ما يجري في العالم من الحرب التجارية إلى صعود التطرف بمختلف أشكاله، حلقة مترابطة ستقود إلى التغيير.

خارطة الاقتصاد

Thumbnail

يعتقد البعض من الخبراء أن المقصود بصعود الهيمنة الآسيوية مرتبط بالدولة الصينية، باعتبارها القوة الاقتصادية الصاعدة، لكن محبوباني يقول في كتابه “هل الغرب فقد مكانته”، “إن آسيا بدولها المختلفة، بداية من الصين واليابان ومرورا بالهند والنمور الآسيوية ونهاية بدول صاعدة أخرى مثل إندونيسيا وفيتنام، مكونات متشابكة للقرن الآسيوي الجديد”.

وبمراجعة خارطة اقتصاد العالم يمكن الإمساك بأول خيوط هذا التغيير، التي ترسم صورة موازية لصورة القوى الاقتصادية التقليدية في العالم. في هذه الصورة التقليدية تظهر الولايات المتحدة كقائدة لاقتصاد العالم تتبعها الدول الأوروبية، في حين تُظهر الصورة الجديدة الصين كقائدة وتليها دول آسيوية صاعدة. وتتوقع الدراسات هيمنة الدول الآسيوية على قائمة الاقتصادات الكبرى خلال العقد القادم.

 انطلاقا من هذه التطورات، وضع كيشور محبوباني، في كتابه “هل الغرب فقد مكانته”، منظورا جديدا حاول من خلاله تفسير ما يحدث في العالم من تحولات وإرهاصات الانتقال من عصر السيطرة المطلقة للحضارة الغربية إلى قرن آسيوي جديد أو بمعنى آخر تقلبات مرحلة ما قبل صعود الهيمنة الآسيوية.

 يقول محبوباني إن الغرب كان في مقدمة العالم خلال مئتي سنة، لكن الآن “بدأنا نعيش ما يعرف بالقرن الآسيوي، والصين تقع في قلب هذا القرن، والغرب عليه أن يدرك ذلك ويتكيف معه”. ويتوسع وزير خارجية سنغافورة السابق في تقديم أسباب هذا الانتقال، الذي لا يرى أنه ينعكس فقط على مستوى الصعود الاقتصادي، بل أيضا في تفاصيل وأحداث منها الفوضى السياسية وصعود الشعبوية والنزعات القبلية، وحتى تمدد جغرافية التطرف، وهي كلها مقدمات تغيير طبيعية.

مراحل التغيير

كيشور محبوباني: نعيش ما يعرف بالقرن الآسيوي. والصين تقع في قلب هذا القرن
كيشور محبوباني: نعيش ما يعرف بالقرن الآسيوي. والصين تقع في قلب هذا القرن

تؤكد الكثير من الدراسات أن مراحل التغيير الكبيرة في تاريخ البشر تسبقها وتعقبها مراحل متشعبة من عدم الاستقرار، وتظهر في ثلاثة أوجه: الأول ارتفاع وتيرة الحروب والمشاحنات والصدامات والفوضى بين البلدان أو داخليا بين الشعوب، والثاني مرهون بفقدان الأمل في النظم العالمية الحاكمة على مستويات السياسة والاقتصاد والجغرافيا، والثالث يرتبط بمبدأ إرهاصات الحضارات بولادة دويلات أو دول صغيرة الحجم والعدد، لكنها قوية ويافعة تمهد الطريق لصعود حضارة جديدة أكثر قوة وصلابة.

وطبقا لهذه المعطيات يمكن اعتبار مسألة صعود اليمين الشعبوي والتطرف الديني والاحتجاجات التي تتسع في دول كثيرة، وفقدان الأمل في النظام السياسي الليبرالي، كلها من العلامات الدالة على أن الحضارة الغربية تواجه تحديات متعاظمة للبقاء والصمود.

وتحدثت رئيسة قسم التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية كيرون سكينر عن التنافس مع بكين. ووصفته بأنه صراع ضد حضارة مختلفة تحمل أيديولوجيا غير مألوفة. وقالت إنها المرة الأولى التي ستتنافس فيها واشنطن مع طرف قوي كبير لا ينتمي أفراده إلى العرق الأبيض.

لكن، هناك رؤى وقراءات أخرى ترى أن الحديث عن تغيير كبير يعادل ما أسماه فرانسيس فوكوياما بنهاية التاريخ، أمرا مبالغا فيه.

وقالت بسمة الزيني، أستاذة السياسة الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن ربط ما يحدث عالميا من تطورات بفكرة أفول الحضارة الغربية، قضية غير مؤكدة وتحتاج إلى الكثير من التمحيص.

وأضافت الزيني لـ”العرب” أن النظامين الاقتصاديين، الاشتراكي والرأسمالي، برزا بقوة خلال فترات انخفاض النفوذ الأوروبي والصعود الأميركي والسوفييتي، وجاءا كنتاج لفشل النظام الاستعماري الانتقائي الذي تبنته الإمبراطورية البريطانية والجمهورية الفرنسية.

في المقابل، يبدو طرح دالي يانغ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، أكثر واقعية وهو يتساءل عن حالة كوريا الجنوبية واليابان اللتين أسستا اقتصادهما وفقا لنموذج الأنظمة الغربية، طارحا معضلة تصنيفيهما كأنظمة غربية أو آسيوية.

وذكر أن ماركس ولينين هما اللذان قدّما المبادئ التي توجه الحزب الشيوعي الصيني، وهما شخصيتان غربيتان. وأشار إلى أن كارل ماركس ألّف بعض أعماله في المتحف البريطاني أين تدارس كتابات الاقتصاديين والسياسيين.

ولئن اختلفت الرؤى إلا أنها تلتقي أغلبها عند ما وصفه دالي يانغ بـ”المنحدر الزلق” الذي سيجر وراءه سلسلة من العواقب؛ فيما يشير محبوباني إلى أن الذكاء عند مواجهة هذا المنزلق هو “الانبطاح أمام العواصف السياسية والرضوخ لفكرة ظهور هيمنة جديدة كالآسيوية”.

وأوضح أن أوروبا تكيفت نفسيا مع حقيقة أنها لم تعد قادرة على أن تكون قوة عالمية عندما حلت واشنطن محلها، والآن يتعين على الولايات المتحدة التكيف مع أنها لم تعد رقم واحد في العالم.

Thumbnail
6