"العاصوف".. ريح التجديد تعصف بالدراما السعودية

مسلسل "العاصوف" أثار ردود فعل متباينة بين رافض ومؤيد لاختراق المسكوت عنه وتعريته، وسط مجتمع سعودي محافظ، لم يتعوّد على مثل هذه النوعية من الدراما الجريئة.
الخميس 2018/06/07
ناصر القصبي يبتعد عن الكوميديا في "العاصوف"

في وقت متأخر من الليل تتسلل امرأة متشحة بالسواد نحو أحد المساجد القريبة وهي تحمل رضيعا بين يديها، وفي تصرف غير متوقع تضع المرأة رضيعها أمام باب المسجد وتختفي.

هذا هو المشهد الأول في المسلسل السعودي المثير للجدل “العاصوف” الذي يعني الريح الشديدة، والمعروض حاليا على قناة “أم.بي.سي”، هو مشهد جريء وغريب أيضا على طبيعة الدراما السعودية المحافظة، غير أن هذا المشهد لم يكن هو آخر المشاهد الجريئة التي تضمنها المسلسل، والذي صدم المشاهد السعودي في حلقاته التالية بعدد من المشاهد الأخرى التي لا تقل جرأة عن ذلك المشهد، نساء سافرات، وامرأة لعوب، وزوجة خائنة، وسارق محترف.. كلها نماذج لشخصيات يرى بعض السعوديين أنها بعيدة عن المجتمع السعودي.

سطوة رجال الدين

يرصد المسلسل طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية في مدينة الرياض خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، قبل ما يعرف بالصحوة الدينية التي فرضت سطوة رجال الدين على الحياة الاجتماعية في السعودية، وقبل التحوّلات الفكرية التي طالت بعض فئات المجتمع في ذلك الوقت.

والمسلسل من إخراج السوري المثنى صبح، وهو مأخوذ عن رواية الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن الوبلي “بيوت من تراب”، ويؤدي دور البطولة في المسلسل الفنان ناصر القصبي، ويشاركه كل من عبدالإله السناني وريماس منصور وحبيب الحبيب وريم عبدالله، ومجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين والخليجيين.

ويؤكد صناع المسلسل أن العمل ليس وثائقيا أو تأريخيا، بل هو عمل درامي تتعرض أحداثه لطريقة تعاطي المجتمع السعودي بكل أطيافه مع بعض الأحداث السياسية الخلافية التي شهدتها تلك الحقبة، ومن بين هذه الأحداث على سبيل المثال مواقف الرئيس المصري جمال عبدالناصر إزاء بعض القضايا العربية وتعاطي أطياف المجتمع السعودي معها.

ريم عبدالله تقدم في "العاصوف" شخصية جهير، حبيبة خالد التي يؤديها النجم ناصر القصبي
ريم عبدالله تقدم في "العاصوف" شخصية جهير، حبيبة خالد التي يؤديها النجم ناصر القصبي

وكان المسلسل قد أشعل جدلا واسعا منذ عرضت أولى حلقاته في رمضان، وأثير الكثير من النقاش حول محتواه، وخاصة المتعلق منه بحركة الصحويين في السعودية، إذ اعتبر البعض أنه يسلط الضوء على الصحويين في السعودية بشكل سلبي، بغرض تقديم التديّن على أنه لا يتعدى حالة طارئة على المجتمع.

وفي بداية الحلقة الثانية على سبيل المثال يظهر “الشيخ سعيد” -الذي يؤدي دوره الفنان فادي صبيح- مع مجموعة من الأشخاص وهم يتناقشون في الطريقة المثلى لإصلاح المجتمع إصلاحا دينيا، حيث يدور الخلاف حول الاتجاه إلى إصلاح الداخل أولا، بينما يرى آخرون ضرورة العمل على إصلاح الخارج أيضا.

كما تظهر خلال الحلقات انعكاسات لما كان يدور على الساحة العربية في ذلك الوقت، بما فيها المد الناصري، والمتمثل في صورة عبدالناصر المعلقة في غرفة “محسن” (عبدالإله السناني)، ويتعرض المسلسل أيضا لعدد من التفاصيل التي كانت خافية على البعض، كبداية ظهور السينمات في السعودية في سبعينات القرن الماضي ثم اختفائها فيما بعد.

يدور المسلسل حول قصة عائلة “سعد الطيان” وعلاقاتها المتشعبة مع الجيران، وتأثرها في الوقت نفسه بالمتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي ثقافيا واقتصاديا وسياسيا. وخلال الأحداث تتكفل والدة ناصر القصبي -التي أدت دورها بحرفية عالية الفنانة ليلى السلمان- بتربية الرضيع الذي عثر عليه أمام المسجد.

قضايا وأحداث

تنتقل الأحداث إلى منزل الأخت “طرفة” (ريماس منصور) الذي يضم “حمود” (حبيب الحبيب) و”جهيّر” (ريم عبدالله) وموضي (مها زين) وإلهام الرشيدي، إضافة إلى مشاركة ممثلين آخرين مثل عبدالله المزيني وحمد المزيني ومحمد الكنهل.

وكلهم اجتمعوا ليتحدثوا من خلال المسلسل عن حقبة مفصلية في تاريخ السعودية، وهي حقبة السبعينات من القرن الماضي التي ظهر في نهايتها نشاط لافت للتيار الديني في ما يعرف بالصحوة الدينية التي فرضت سطوة لرجال الدين على الحياة الاجتماعية في البلاد.

صرح الفنان ناصر القصبي بأن بداية المسلسل ستتسم بطابع اجتماعي حول العلاقات السائدة بين الأهل والجيران، والعادات والتقاليد السعودية، ثم ما تلبث هذه العلاقات البسيطة أن تتشعب وتتقاطع مع الأحداث الكبرى داخل المملكة وفي المنطقة العربية، كالقضية الفلسطينية والحرب مع إسرائيل، وكذلك التحوّلات الكبيرة في ثقافة المجتمع السعودي والتي بدأت بوادرها في الظهور خلال تلك الفترة تحديدا. وكان القصبي قد استبق الهجوم الذي تعرض له المسلسل بتغريدة على تويتر كتب فيها “اللهم اكفني شر المدرعمين المنفلتين، أما الناقدون المعترضون فأنا كفيل بهم”.

ويبتعد الفنان ناصر القصبي بهذا المسلسل عن نهج الكوميديا الذي عرف به منذ ظهوره على الساحة الفنية في السعودية، حيث شارك في العشرات من المسلسلات الكوميدية منذ ثمانينات القرن الماضي، انتقد خلالها العديد من المظاهر السلبية في المجتمع السعودي والخليجي، ولعل أبرز هذه الأعمال السلسلة المعروفة “طاش ما طاش” ومسلسل “سيلفي” بأجزائه الثلاثة، وهو لا يشارك هذا العام في أعمال أخرى غير مسلسل “العاصوف”، إضافة إلى ظهوره في دور شرفي في إحدى حلقات المسلسل الكوميدي “عوض أبا عن جد”.

ولم تقتصر الانتقادات التي وجهت للمسلسل الذي انتهى مخرجه من تصوير الجزء الثاني منه، على طبيعة الأدوار أو المشاهد الجريئة التي احتواها فقط، بل تطرق بعض النقاد أيضا إلى عدد من التفاصيل الأخرى التي رأوا أنها لا تمت إلى فترة السبعينات بصلة، من ذلك ظهور برج الرياض مكتمل البناء رغم أنه كان في طور التشييد حينها، والبضائع الحديثة في محال البقالة وطرز السيارات وأغطية الرأس، وغيرها من التفاصيل الأخرى.

 كما لفت البعض إلى أن المسلسل يصوّر مدينة الرياض كأنها كانت مدينة بدائية ذات طرقات متربة، رغم أن شوارعها كانت معبدة قبل تلك الحقبة. كل هذه الانتقادات دفعت بعض النقاد إلى المطالبة بوقف عرض المسلسل لأنه -حسب قولهم- يشوّه صورة المجتمع السعودي.

16