العادات الأسرية تتيح ديمومة الترابط بين الأجيال

تكتسي الاحتفالات العائلية أهمية بالغة في ضمان النمو العاطفي للأطفال، نظرا إلى أن الطقوس والتقاليد المرتبطة بالاحتفالات مرادفة للراحة والاستقرار والمشاركة داخل الأسرة، فهي تبني وتدعم العلاقات الأسرية على أساس أنها استراحة قصيرة في ظل الروتين اليومي المكتظ. وتعتبر هذه التقاليد لحظات مميزة في حياة كل فرد وخاصة الأطفال، حيث يشعرون بسعادة ورفاهية لا يمكن تفسيرها.
لندن – قال خبراء العلاقات الأسرية إنه بسبب حياتنا المحمومة في كثير من الأحيان، من الصعب التوقّف لقضاء وقت مع العائلة سواء الصغيرة، وخاصة الكبيرة فنحن نعاني دائما من نفاد الوقت، ففي عطلة نهاية الأسبوع، هناك التنظيف والتسوق ودروس الأطفال، وفي النهاية ينتهي الأمر بأفراد العائلة، إلى كونهم زملاء أكثر من عائلة.
تكتسي التقاليد والطقوس الأسرية أهمية بالغة نظرا إلى أنها تضع أسس القيم العائلية كما أنها جيدة للترابط الأسري، وتعتبر طقوس الأسرة مجموعة من السلوكيات القابلة للتكرار وذات أهمية رمزية.
وبينت الخبيرة في علم النفس والباحثة ريبيكا فريزر ثيل أن هذه الطقوس توفر للعائلات شعورا بالهوية والانتماء، وغالبا ما تثير مشاعر قوية وكثيرا ما تستغل لإثارة الموضوعات الهامة ومناقشتها داخل الأسرة.
وأوضحت أن الطقوس العائلية توفر أيضا شعورا بالاستمرارية عبر الأجيال. بمعنى آخر، فهي وسيلة لنقل القيم العائلية والتاريخ والثقافة من جيل إلى آخر.
وأضافت “لعل أفضل مثال على طقوس الأسرة هو تقاليد الأعياد، حيث يمكن أن تصبح الأحداث المحيطة بهذه العادات مثل اختيار التجمع لتناول العشاء مع العائلة الممتدة طقوسا، ولكل أسرة طقوس فريدة من نوعها لعائلاتهم”.
وتابعت “فجمع التفاح في كل خريف مثلا أو استئجار منزل لقضاء عطلة الصيف هما أيضا أمثلة جيدة للعادات العائلية. وقد تكون لبعض الأسر أيضا طقوس لعيد ميلاد كل فرد فيها. ويمكن أن تكون عادية مثل صنع كعكة خاصة مفضلة في عيد ميلاد صبي أو فتاة. يمكن أن يكون أيضًا أمرًا مضحكًا أو نكتة عائلية تصبح تقليدا بمناسبة عيد ميلاد أحد الأشخاص”.
وأشارت إلى أن العديد من العائلات لها تقاليد عريقة، غالبًا ما تنتج أفضل الذكريات التي يعتز بها الجميع ويحاولون إدامتها. وترتبط بعض التقاليد بالتراث الأسري، مثل الذهاب إلى المهرجانات الثقافية المحلية أو طهي وجبة تقليدية في يوم معيّن من كل عام. وهناك عادات أخرى يمكن ربطها بأحداث خاصة، مثل بعض الملابس التقليدية التي تنتقل في حفلات زفاف كل فتاة.
ويمكن أن تتناقض طقوس العائلة مع روتين الأسرة، والتي تحدث أيضًا بشكل متكرر ولكن ليس لها المعنى الرمزي لطقوس الأسرة، التي تعد مهمة للغاية لرفاهية جميع أفراد الأسرة ولهيكل الأسرة نفسه. وغالبًا ما يكون روتين الأسرة ضروريا للحفاظ على وحدتها. ويمكن أن يكون العشاء العائلي كل ليلة جمعة روتينا. كما يمكن لعشاء عائلي في مطعم أنيق لعيد ميلاد الأم أن يكون طقسا أو تقليدا.
وهناك الكثير من الأشياء الممكنة للقيام بها معًا. يمكن تنظيم نزهات لكافة أفراد الأسرة تحاول التوفيق بين جميع الأذواق. وإذا كانت تلك الأذواق تختلف كثيرًا، فلماذا لا يتناوبون على تقديم اقتراحات نشاطات يقترحها كل فرد من أفراد الأسرة؟
ويتيح قضاء أفراد الأسرة الوقت معًا التعرف على بعضهم البعض بشكل أفضل، واكتشاف اهتمامات أطفالهم أو الموضوعات التي تبهرهم. كما يتعلق الأمر بقضاء بعض الوقت للاستماع إليهم، وبذلك يمنح الأب والأم لأنفسهما وقتا لمشاهدة أطفالهم يضحكون ويستمتعون. وبالنسبة للأطفال، إنها فرصة لرؤية أمهم وأبيهم في سياق غير الحياة اليومية المتسارعة ورؤيتهم عندما لا يكونون في عجلة من أمرهم، وليسوا منشغلين بالعشاء والتنظيف والعمل.
العديد من العائلات لها تقاليد عريقة غالبًا ما تنتج أفضل الذكريات التي يعتز بها الجميع ويحاولون إدامتها
وشدد المختصون على ضرورة أن يكون كل احتفال لحظة يتطلع إليها الجميع، سواء كان عيد ميلاد أو عيد ديني أو أي احتفال آخر مهم في كل مجتمع فإن الشيء المهم هو جعل هذا الاحتفال شيئا فريدا في مخيلة جميع أفراد العائلة.
ولا يرتبط إحياء التقاليد والطقوس بالتركيز على كثرة الإنفاق التي ترهق كاهل العائلة، وإنما الهدف الأسمى من ذلك هو الحفاظ على قيمته المعنوية التي تتمثّل في تجمّع العائلة للاحتفال مرة واحدة من حين إلى آخر.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم ترسيخ أهمية لمّ شمل الأسرة والاحتفالات عند الأطفال، لأن ذلك فيه ضمانة للحفاظ على هذه التقاليد عندما يكونون بالغين.
كما أوضح الخبراء أنه لتغذية الذكريات والحفاظ على الصلة بين الأجيال والتأكد من أن تكون جزءا من حياة الأبناء بعد فترة طويلة من نموهم، فإن التقاليد لها أهمية قصوى.
وكلما كبر الأطفال، كلما كانت لديهم اهتمامات خاصة بهم، وأصبح لديهم أصدقاء يلتقون بهم، وأماكن يذهبون إليها، ولديهم وقت قصير بالنسبة لآبائهم وأمهاتهم، الذين يفتقرون أحيانًا إلى الحجج لجذبهم إليهم، وهذا هو السبب في أنه من الجيد الحفاظ على التقاليد.
وتحافظ الكثير من العائلات في كافة دول العالم على بعض التقاليد التي تبدو بسيطة إلا أن قيمتها المعنوية بالغة الأهمية لأنها تحافظ على تماسك الأسرة، مثل اعتياد البعض على تناول الطعام مع أسرهم في يوم العطلة الأسبوعية. كما يعد الاحتفال بعيد ميلاد كل فرد من أفراد الأسرة والأعياد الدينية تقاليد ذات قيمة كبيرة لأنها نادرة وتوفر للعائلات معلما محددا ومعالم وقصصا يسردونها.
ونبه الخبراء إلى أن جميع الذرائع جيدة لقضاء وقت ممتع مع العائلة، بعيدا عن أجهزة الكمبيوتر والمدرب والواجبات المنزلية.
ولتأسيس تقاليد خاصة تكتسي قيمة كبيرة، فرضها الأسلاف بطريقة معينة، إما من خلال الحرص على إدامة التقاليد منذ صغر سن أبنائهم، كما فعل آباؤهم قبلهم، وإما دمج الأطفال في وقت يرون أنه ثمين. ومهما كانت الطريقة، لم تكن تقاليد الماضي لها طابع ديمقراطي أبدا، وهذا الشعور بالالتزام هو بالضبط ما يمنحهم طابعا مقدسا يجعل عمليات الانسحاب منها شبه مستحيلة.
وبطبيعة الحال فالبعض الذين كانوا يجبرون على زيارة الأجداد كل يوم سبت، أو الذهاب إلى الجامع أو إلى الحديقة للمساعدة في الحفاظ على التراث الأسري يدركون أن الأمر ليس دائما ممتعا عند التضحية بيوم عطلة نهاية الأسبوع لفعل شيء لم يكن يرغب فيه. وفي المقابل، يدرك الكثيرون أيضًا أن هذه اللحظات ميّزت طفولتهم بطبيعتها المتكررة، وعندما يصبحون بدورهم بالغين وآباء، غالبًا ما تمثل هذه الأحداث أجمل ذكريات الطفولة.
كما تتميز هذه التقاليد بحضور نفس الأشخاص الذين كانوا أسبوعا بعد أسبوع وسنة تلو الأخرى، جزءا من حياتهم وساهموا في تعليمهم كيف بإمكانهم فهم حياتهم اليومية، مما يتيح لهم الفرصة للاندماج معهم، ومن دون هذه التقاليد، لا يمكن أن تتاح أي فرصة للتواصل معهم، ويواجه معظم الأشخاص الذين أُجبروا على اتباع تقاليد عائلية معيّنة مع تقدمهم في العمر، مثل موت الأجداد والأحداث غير المتوقعة والتغييرات في الحياة التي تنتهي، وحرمانهم من الاتصالات الدافئة مع معارفهم القدامى.
وأشار المختصون إلى أن التقاليد تجعل العائلة موحدة مؤلفة من أفراد سيكون لديهم شيء مشترك، ألا وهو الذكريات الثمينة منذ الطفولة، والتي توضح جيدًا الأهمية التي يوليها كل فرد من أفراد الأسرة للآخرين والتي تعزز الشعور بالانتماء إلى هذه الأسرة التي تمثل الملجأ لكل فرد من أفرادها.