الطقس يقسو

صورة الرجل الستيني في جنوب تونس وهو يقطع ثمرة بطيخ نضجت خلال شهر ديسمبر بسبب تواصل ارتفاع درجات الحرارة وتأخر فصل الشتاء، زادت من شهية التونسيين في إنزال صور ومقاطع فيديو مماثلة تشير إلى هذه “الخربطة” المناخية على صفحات التواصل الاجتماعي.
كثرت وتنوعت المزايدات: هذا يتذوق ثمار التين ليلة رأس السنة، وذاك يأخذ حمام شمس فوق الرمال ثم يعود للغوص والسباحة، وتلك تلعق المثلجات مع صديقها.. ولم يبق لنا سوى مشاهدة دب قطبي يتجول في شوارع العاصمة ويبحث بين المزابل عن قشور البطيخ وعناقيد العنب.
هي بلا شك، ظاهرة مناخية غريبة ومقلقة تجتاح العالم وتُعتبر في نظر العلماء المتخصصين أخطر من كورونا ومن الأزمة الاقتصادية، بل وحتى من الأزمة الغذائية، لكن أناسنا يُحمّلون الطقس – أو أي شيء آخر ما عدا أنفسهم – مسؤولية ما قد يطرأ من أمور سيئة، أمّا الجيد فيعود لهم الفضل في صنعه.. بما في ذلك خرير المياه وزقزقة العصافير ودفء الشمس وصمت الحملان وشموخ الجبال.
وفي هذا الصدد، أكد 84 في المئة من التونسيين أن التغيرات المناخية قد أثرت على حياتهم اليومية، وفق ما كشفت عنه نتائج النسخة الأفريقية الأولى لدراسة أعدها بنك الاستثمار الأوروبي لسنة 2022.
هذا يعني أننا “تفوقنا” على غيرنا من أبناء الكرة الأرضية قاطبة في التأثر بالطقس الذي منعنا من القيام لأعمالنا فاستسلمنا للشيشة والنميمة والخناقات ومن ثمة العودة إلى “الكنكنة”، خاصة وأن برد الشتاء لا يزورنا إلا في الصباح الباكر، ومن بعدها يترك محله للصيف بكل لغوه واسترخائه.
الطقس ومزاجه المتقلب هذا العام تسبب في ما نحن الآن عليه من أزمات، ولولاه لضاهينا كل مجتمعات العالم المتحضر، لكن الرياح خذلت السفن.. ومع ذلك سنعمل في المستقبل القريب على ترويضها وتدجينها.
ذكّرني ادعاء التحكم في الطقس بموقف عشته مع نادل سريع الحركة من الشقيقة مصر في مقهى بغدادي بميدان التحرير: طلبت منه أن يتنحى من أمامي قليلا لأنعم بدفء الشمس في الصباح.
قال النادل “حاضر يا فندم”، وفي الأثناء حلت غيمة فحجبت أشعة الشمس، استمر في مسح الطاولة، وما هي إلا لحظات حتى عادت الشمس. عندها سألني النادل بمنتهى اللباقة “كويس كده يا فندم؟”.. وكأنه هو الذي مسح الغيمة بإسفنجته لتعود الشمس للشروق.
لا شك أن أمزجة الشعوب وأهواءها تشبه حالات الطقس لديها وتقلباته لا بل تتأثر حتى بجغرافيتها وتضاريسها من جبال وبحار وأودية وسهول.
أمّا أن يكون الطقس سببا وذريعة للهروب من بطش السلطة فهذا ما حدث لمزارع فنلندي يقع بيته في منتصف خط الحدود، وكانت الشرطة الستالينية قد خيرته بين الجنسيتين فقال لهم: إن سمحتم.. أحب العيش في فنلندا لأن الطقس فيها أقل بردا.