الطاقة الشمسية تنقذ مناطق في سوريا من نقص الكهرباء

كللي (سوريا) - في شمال غرب سوريا وضع خالد المصطفى والمزارعون الآخرون ألواحاً عملاقة لتوليد الطاقة الشمسية وسط حقول مزروعة بالطماطم واليقطين، بعدما أنهكت سنوات الحرب الطويلة البنى التحتية للخدمات، ومن بينها قطاع الكهرباء.
في محافظة إدلب تتوسط ألواح الطاقة الشمسية الحقول الزراعية أو المخيمات العشوائية للنازحين التي تنتشر في كل مكان، كما تتمركز أيضا فوق أسطح المنازل في المدن الكبرى وحتى فوق أسطح المستشفيات، بعدما شجع غياب الكهرباء على اعتماد الطاقة البديلة نظراً لفوائدها وكلفتها المنخفضة.
يقول خالد بينما يقف وسط أرضه الزراعية في بلدة كللي القريبة من الحدود التركية “كنا نستخدم مولدات الديزل، لكن ذلك سبّب لنا معاناة جراء انقطاع المحروقات أو ارتفاع أسعارها، فقررنا أن نشتري ألواح الطاقة الشمسية”.
في حقول البلدة تتراصف الألواح مثبتة على قواعد حديدية. وتعاون عشرون مزارعاً نهاية عام 2019، من بينهم خالد، على شراء نحو مئتي لوح مع قواعدها بكلفة أربعة آلاف دولار.
بالطاقة التي تولّدها الألواح يشغّل المزارعون مضخات الري التي تمكّنهم من توفير المياه لمساحة تقدّر بأكثر من ثلاثين دونماً، إلى جانب استخدامها لسحب المياه من بئر في البلدة.
ووفرت هذه التقنية على المزارعين عناء تكبّد أي مصاريف إضافية وسمحت بتأمين جزء كبير من احتياجاتهم الطاقيّة.
الطاقة الشمسية مريحة للمزارعين الذين يؤكدون أهميتها نظرا لفوائدها وكلفتها المنخفضة حتى في حضور الكهرباء
ويقول خالد “الطاقة البديلة مريحة للمزارع، حتى لو عادت الشبكة الكهربائية ستكون الطاقة الشمسية أوفر من الكهرباء”، لاسيما مع بدء شركة خاصة استجرار الكهرباء من تركيا المجاورة.
وتوقفت السلطات السورية، بعد سيطرة الفصائل المقاتلة والمعارضة على محافظة إدلب صيف 2015، عن إمداد المنطقة بالكهرباء وخدمات أخرى قبل أن تتعرض محطات التحويل والشبكات للتخريب والنهب، ناهيك عن القصف خلال سنوات من المعارك الطاحنة.
واعتمد السكان خلال السنوات الأخيرة على الاشتراك في مولدات خاصة يملكها متمولون أو قوى محلية في المنطقة الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى متحالفة معها.
لكنّ شحّ المحروقات حيناً وارتفاع أسعارها حيناً آخر أجبرا السكان على التوجه إلى خيار الطاقة الشمسية.
ويقول مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا إن “إنتاج الطاقة الشمسية حقق قفزة منذ أن تراجعت حدّة المواجهات المسلحة وبات الوضع في معظم البلد أكثر استقرارا”. وقد صار يشكّل “بديلا صالحا في السياق السوري” مع “أشعة الشمس الممتازة”، فيما “جزء كبير من شبكة الكهرباء في المدن والأرياف مدمّر”، حسب المصدر نفسه.
ولا يحصل “ما لا يقل عن تسعين في المئة من السوريين على تغذية بالتيار بشكل مستقر ومتواصل”، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة بعد عشر سنوات من نزاع مدمر استنزف الاقتصاد وبناه التحتية.
وفي مناطق سيطرة الحكومة السورية التي تعاني من ساعات تقنين طويلة خصوصاً خلال الصيف يتمّ رفد الشبكة العامة بمشاريع كهروضوئية في عدد من المناطق، آخرها الشهر الماضي في محافظة طرطوس.
ويلجأ الأفراد والمؤسسات العامة، كالجامعات مثلاً، إلى هذا الخيار تزامنا مع إطلاق القطاع الخاص عدة مبادرات في هذا الإطار.
في بلدة كللي يعتمد زكريا صنو (47 عاماً) على الطاقة الشمسية لمدّ منزله بالكهرباء، ما يمكّنه من شحن هاتفه وتشغيل البراد ومروحة هوائية تخفف ارتفاع درجات الحرارة صيفاً.
ويقول لفرانس برس “منذ عشر سنوات حرمنا نظام بشار الأسد من الكهرباء (…) فاستخدمنا المولدات التي تشتغل بالديزل والبنزين”، موضحاً أن هذا الخيار “كان مكلفاً”.
ويضيف “بحثنا عن حل بديل وتعرفنا على ألواح الطاقة الشمسية، فاشترينا لكل بيت لوحين أو ثلاثة، بما يسدّ حاجته إلى تشغيل الغسالة والبراد وفوانيس الإنارة، وصارت تكفينا”.
داخل محله في مدينة الدانا المخصص لبيع مختلف أنواع ألواح الطاقة الشمسية يروي عبدالحكيم عبدالرحمن أن “المبيعات ازدادت بنسبة 300 في المئة بين 2018 و2021”.
ويقول التاجر الذي يبيع ألواحا مستوردة من تركيا المجاورة وألمانيا والصين “اعتدنا سابقاً بيع ألواح للمنازل أو مشاريع صناعية لا تحتاج أكثر من عشرين إلى 25 لوحاً. لكن حالياً نوفرها لمشاريع زراعية، يحتاج أصغرها إلى مئة لوح على الأقل وقد يصل الأمر إلى 500 لوح”.
وكشف استطلاع للرأي أجرته مجموعة من الباحثين ونشرته مجلة تابعة لجامعة بريطانية في 2020، شمل 120 أسرة في منطقتي إدلب وإعزاز في شمال سوريا، أن ثمانية في المئة من هذه الأسر تستخدم الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للكهرباء.
ويستخدم 33.8 من المستجوبين الألواح بشكل خاص لتوفير الإنارة وتشغيل التلفزيون وشحن الكمبيوترات المحمولة.
ويستخدم عدد من المستشفيات هذه التقنية أيضاً، بالإضافة إلى المولدات.
ومنذ العام 2017 ساهمت مبادرة “شمس سوريا” المنبثقة عن اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة -وهي منظمة غير حكومية تُعنى بتقديم المساعدة الطبية لضحايا الحرب في سوريا- في تجهيز مستشفيين بألواح شمسية (480 لوحة شمسية في الأول، و300 في الثاني). وقدمت مساعدة تقنية لنحو أربعين مركزاً صحياً اتبع المسار ذاته.
وقال مؤسس المبادرة طلال كنعان “باستخدام الطاقة الشمسية يمكن تغطية ما بين ثلاثين وأربعين في المئة من استهلاك المستشفى للطاقة”.
وفي حالة نقص الوقود الذي غالباً ما يأتي من مناطق متنازع عليها ويخضع لتجاذبات سياسية، قد تكون منظومة الطاقة الشمسية كافية لتزويد “أقسام المستشفى الحساسة، وهي أقسام العناية المركزة وغرف العمليات وأقسام الطوارئ”.