الضغوط تجبر صناعة الطيران على مراعاة البيئة

أكدت تقارير عالمية أن شركات صناعة الطائرات بدأت تستجيب بشكل متزايد لضغوط الهواجس البيئية من قبل الرأي العام وأنصار البيئة إضافة إلى المعايير الحكومية المتشددة لخفض الانبعاثات بموجب اتفاقيات حماية المناخ.
لندن - هيمنت الهواجس البيئية على أكبر معرض للطيران في قارة آسيا والمنعقد حاليا في سنغافورة، والذي شهد تقديم استجابات جديدة ومبتكرة من الشركات المصنعة للاستجابة إلى تلك الهواجس.
وظهر جليا أن شركات صناعة الطيران تكثف الجهود لتراعي أكثر البيئة بدفع من ضغوط الزبائن والمسافرين، من خلال عرض نماذج مبتكرة لطائرات نفاثة تصدر انبعاثات أقل وتبدو وكأنها خارجة من فيلم خيال علمي، إضافة إلى طائرات أخرى تعمل على الكهرباء والوقود المستدام.
وتتعرض سمعة الطيران لانتقادات كثيرة في حقبة تختار فيها الناشطة الشابة المدافعة عن البيئة غريتا تونبرغ السفر في مركب مراع للبيئة، ويستعر فيها الانتقاد اللاذع لتزايد الرحلات الجوية في بلدها السويد.
وتشير تقديرات الوكالة الأوروبية للبيئة إلى أن حركة الطيران مسؤولة عن نحو 3 في المئة من إجمالي انبعاثات الكربون المضرة بالبيئة في العالم، في وقت تتزايد فيه الاضطرابات البيئية ويشهد العالم موجات حر قياسية وارتفاعا في عدد حرائق الغابات والعواصف التي يزيد من حدتها ارتفاع مستوى المياه في البحار.
وكانت كلمة “الاستدامة” على كل لسان في سنغافورة في معرض الطيران هذا العام، الذي استخدمت فيه ألواح الطاقة الشمسية للحصول على التيار في أروقة وقاعات المعرض، في وقت تنافست فيه مجموعات صناعة الطيران وشركات الخطوط الجوية على تقديم الوعود باعتماد نهج أكثر استدامة.
إلا أن بعض المدافعين عن البيئة انتقدوا تلك التعهدات والالتزامات معتبرين أنها مجرد “تمويه أخضر”، أي عملية علاقات عامة لن تفيد كثيرا في خفض الأضرار الناجمة عن الكمية الكبيرة من وقود الطيران الذي يستهلك سنويا، والتي تواصل الارتفاع السريع.
وقال بول شتاين كبير خبراء التكنولوجيا في شركة “رولز رويس” البريطانية لصناعة محركات الطائرات لوكالة الصحافة الفرنسية إن “قطاع الطيران يخضع لضغوط كبيرة لتحسين صورته على صعيد الاستدامة”.
وأضاف أن شركات الطيران “تعمل معنا على إيجاد سبل لزيادة توافر الوقود المستدام وكيف يمكن لاعتماد الكهرباء التأثير عليها… وهي تدرس أيضا إمكانية صنع محركات وهياكل أكثر فعالية” على صعيد استهلاك الطاقة.
وكان قطاع صناعة الطيران قد تعهد بخفض انبعاثاته الصافية من الكربون إلى النصف بحلول عام 2050 مقارنة بالمستويات التي كان عليها في عام 2005.
وذهب قطاع الطيران في بريطانيا أبعد من ذلك خلال الشهر الحالي حين تعهد أن يكون عديم الانبعاثات بحلول العام 2050 أيضا.
في معرض سنغافورة للطيران، كشفت شركة صناعة الطيران الأوروبية إيرباص عن نموذج لطائرة طليعية مع أجنحة وهيكل مدمج ومحركين خلفيين.
وأوضحت الشركة أن من شأن هذا التصميم أن يؤدي إلى خفض استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 20 في المئة مقارنة مع الطائرات الحالية ذات الممر الواحد.
وأطلقت الشركة على التصميم اسم “مافريك” وقالت إن أولى تجارب تحليق الطائرة جرت في شهر يونيو من العام الماضي.
وحرصت شركة أي.تي.آر الإيطالية الفرنسية على التأكيد أن طائراتها المجهزة بمحرك يعمل بمراوح توربينية، وهو محرك شائع الاستخدام في الرحلات القصيرة، تستهلك الوقود بنسبة تقل بنسبة 40 في المئة عن الطائرات النفاثة من الحجم نفسه.
وأوضح المدير التنفيذي للشركة ستيفانو بورتولي لوكالة الصحافة الفرنسية “نقيم توازنا بين استهلاك الوقود والسرعة. الطائرة النفاثة قد تكون أسرع بخمس أو عشر دقائق لكنها تلحق أضرارا أكبر بكثير على صعيد التلوث”.
وحصلت خطوات أيضا باتجاه صنع طائرات كهربائية. وأجرت أول طائرة كهربائية بالكامل في العالم من تصميم “ماغنيكس”، أول رحلة تجريبية لها في كندا في ديسمبر.
في المقابل، تطور شركة “سمارت فلاير” السويسرية طائرة هجينة تتسع لأربعة أشخاص على أن تجري أول رحلة لها في عام 2022. وهذه الطائرة تصدر انبعاثات وضجّة أقل فضلا عن كلفة تشغيل أدنى بسبب اقتصاد في استخدام الوقود.
إلا أن المدير في الشركة ألدو موتاناري حذر من أن هذه المشاريع لن تكون سريعة التنفيذ. وأوضح “الضغوط كبيرة وأظن أن القطاع أدرك ذلك لكنه بحاجة إلى وقت للتفاعل ولا يقدر على ذلك في غضون سنة. ينبغي التأكد من السلامة”.
ويعتبر الوقود الحيوي سبيلا رئيسيا لقطاع الطيران لتخفيض انبعاثات الكربون وقد شغلت شركات طيران عدة في السنوات الخيرة رحلات تجارية مستخدمة هذا المصدر.
إلا أن أسعار الوقود الحيوي تبقى أعلى من الوقود العادي وهي تشكل جزءا صغيرا فقط من كمية الوقود التي تستخدمها الطائرات النفاثة على الصعيد العالمي.
ورغم هذه الجهود، يتهم المدافعون عن البيئة قطاع الطيران بالتحرك ببطء شديد رغم بروز أدلة متزايدة على تأثير التغير المناخي المدمر.
وقالت ديوي زلوخ الناشطة في مجال المناخ والطاقة في منظمة “غرينبيس” لوكالة الصحافة الفرنسية إن ” شركات الطيران سوف تحتاج إلى وقت طويل لتصبح مستدامة. والحلول التكنولوجية سوف تحتاج إلى عقود”.