الصين تقود أكبر تحالف اقتصادي عالمي في آسيا

عززت الصين أنشطتها الاقتصادية بإعلان أكبر تحالف للتجارة الحرة، وهو مكوّن من خمس عشرة دولة آسيوية، ليشمل ثلث الاقتصاد العالمي بهدف زيادة انسيابية حركة البضائع وخفض الرسوم الجمركية في خطوة من شأنها أن تغذي التوتر مع الولايات المتحدة.
بكين- نزلت 15 دولة آسيوية بثقلها في تحالف تجاري ضخم تقوده الصين بهدف تحرير التجارة وإزالة العراقيل الجمركية، حيث تهدف بكين إلى زيادة الإيرادات والتجاوب مع متطلبات فتح السوق والتعددية التي تعد صيغة للازدهار في المستقبل.
واتفقت 15 دولة بقيادة الصين، الأحد، على إنشاء أكبر كتلة تجارية في العالم، تضم ما يقرب من ثلث الأنشطة الاقتصادية في العالم، في خطوة تعزز قوة بكين اقتصاديا وتجاريا في آسيا.
وشاركت في إبرام الاتفاق الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا أو ما تعرف بـ”آسيان” وتضم أندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلند، بروناي، فيتنام، لاوس، بورما وكمبوديا. كما ضم التكتل الجديد اقتصادات الصين، المصنفة كثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.
وجاء توقيع الاتفاق، الذي عُرض أول مرة في 2012، الأحد في ختام قمة افتراضية لقادة دول جنوب شرق آسيا، الباحثين عن إنعاش اقتصاداتهم المتضررة جرّاء تفشي كوفيد – 19. وتمثل الدول الـ15 المشاركة في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حوالي 30 في المئة من سكان العالم، والناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتجارة العالمية.
وجاء التوقيع بعد أكثر من 30 جولة من المفاوضات، التي انطلقت في نوفمبر 2012، بالإضافة إلى عدد من اجتماعات القادة والوزراء المخصصة بين الدول المشاركة. وعقدت القمة الـ37 الحالية للآسيان والقمم ذات الصلة في الفترة من الخميس إلى الأحد عبر مؤتمرات الفيديو.
ورأى محللون أن الاتفاق المبرم الذي يخفض الرسوم الجمركية، ويزيد من انسيابية حركة البضائع بين الدول الموقعة على الاتفاق يعتبر أكبر اتفاق تجاري عالمي من حيث حجم اقتصادات الدول الموقعة. ونقلت وكالة شينخوا عن لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني، قوله إن “توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة يعد انتصارا للتعددية والتجارة الحرة”.
وما زالت الصين حتى اليوم، تواجه عقبات مع الولايات المتحدة بشأن انسيابية السلع بين البلدين، على الرغم من توقيعهما المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في يناير الماضي. وقال رئيس وزراء فيتنام، نغوين شوان فوك “يسعدني أن أقول إنه بعد ثماني سنوات من العمل الشاق، قد وصلنا رسميا إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”.
وأضاف فوك أن الاتفاق يمثل أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم “وسترسل رسالة قوية تؤكد الدور الرائد لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في دعم النظام التجاري متعدد الأطراف، وخلق هيكل تجاري جديد في المنطقة”.
وستفرض الاتفاقية رسوما جمركية منخفضة على التجارة بين الدول الأعضاء، وهي أقل شمولا من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ التي تضم 11 دولة والتي انسحب منها الرئيس دونالد ترامب بعد فترة وجيزة من توليه منصبه. وقال مسؤولون إن الاتفاقية تترك الباب مفتوحا أمام الهند، التي انسحبت بسبب معارضة محلية شرسة لمتطلبات فتح السوق، للانضمام إلى الكتلة.
وللصفقة تداعيات رمزية قوية، تظهر أنه بعد ما يقرب من أربع سنوات من إطلاق ترامب لسياسته “أميركا أولا” لإبرام صفقات تجارية مع البلدان الفردية، ما تزال آسيا ملتزمة بالجهود نحو تجارة أكثر حرية والتي يُنظر إليها على أنها صيغة للازدهار في المستقبل.
والاتفاق الجديد يمثل ثورة للصين، التي تعد أكبر سوق في المنطقة مع أكثر من 1.3 مليار مستهلك، مما يسمح لبكين بأن تصور نفسها على أنها “بطل العولمة والتعاون متعدد الأطراف ويعطيها تأثيرا على القواعد التي تحكم التجارة الإقليمية”، بحسب ما قاله جاريث ليذر، كبير الاقتصاديين الآسيويين في كابيتال إيكونوميكس، في تقرير له. وبعد إعلان جو بايدن خصم ترامب رئيساً منتخباً، تراقب المنطقة لترى كيف ستتطور سياسة الولايات المتحدة بشأن التجارة والقضايا الأخرى. ومن المرجح أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى تعزيز دور بكين المهيمن في المنطقة في مواجهة الولايات المتحدة، التي لم تشارك في الاتفاقية.
ويؤكد قادة الصين أن الانفتاح الاقتصادي خير بلسم لتضميد جراح الاقتصاد العالمي، حيث تفيد تصريحات كبار المسؤولين في مناسبات عديدة بأن بكين ملتزمة بالتعددية، وتسعى لتحقيق التنمية مع بقية العالم بروح الانفتاح والتعاون متبادل المنفعة. وعلى الرغم من أن الوباء قد أجج المشاعر المناهضة للعولمة وغذى الحمائية في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الصين لم تتراجع قط عن قرارها ببناء اقتصاد مفتوح.
الصين ما زالت تواجه عقبات مع الولايات المتحدة بشأن انسيابية السلع بين البلدين، على الرغم من توقيعهما المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري
وتقول تحاليل وتقارير اقتصادية إنه بالإضافة إلى مساعدة نفسها على تحقيق انتعاش اقتصادي سريع، فإن التزام الصين باقتصاد مفتوح قد أدى إلى ضخ زخم جديد في الاقتصاد العالمي المتعثر. ولم تكن الدعوة إلى اقتصاد عالمي مفتوح قط بمثل هذه الإلحاحية في هذه اللحظة الحرجة، حيث ابتلي العالم بأزمة مزدوجة هي الركود الاقتصادي والوباء.
وفي حفل افتتاح الاجتماع السنوي الخامس للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في يوليو الماضي، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على روح الانفتاح والتعاون. وقال شي إن الصين تؤيد دائما التعددية وتلتزم بها، وتسعى لتحقيق التنمية مع بقية العالم بروح الانفتاح والتعاون متبادل المنفعة.
وخلال الفترة من يناير إلى يونيو، ظلت “الآسيان” أكبر شريك تجاري للصين، حيث ارتفعت التجارة بنسبة 5.6 في المئة على أساس سنوي، بما يمثل 14.7 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية للصين.