الصين تعرقل خطط تصنيع السيارات الكهربائية في مصر

تسببت خلافات نشبت بين القاهرة وبكين في عرقلة الاستراتيجية القومية المصرية لتوطين صناعة المركبات الكهربائية في مصر بعد رفض شركة دونغفينغ موتور الصينية خفض سعر المكون الرئيسي المستخدم في تصنيع هذا النوع من السيارات، بصورة تمكن القاهرة من إنتاجها وطرحها بسعر تنافسي في الأسواق.
القاهرة - تعثرت المفاوضات بين شركتي النصر للسيارات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام المصرية ودونغفينغ الصينية بشأن تصنيع المركبات الكهربائية، رغم الخطوات الإيجابية التي اتخذتها القاهرة بتوقيع اتفاقيتين مع بكين في يناير الماضي.
واستغرقت المفاوضات وقتا طويلا بسبب الجائحة، ثم باء الاتفاق التجاري المرتبط بالمكونات المستوردة التي تضم المحرك والبطارية ووحدة التحكم وبعض الكماليات، بالفشل.
وهذه العثرة تأتي جراء رغبة الشركة الصينية في رفع أسعارها بالتزامن مع المتغيرات التي طرأت على سوق صناعة السيارات، الذي يشهد ارتفاعات سعرية لشح إمدادات الرقائق الإلكترونية.
وكان من المخطط طرح أول سيارة كهربائية في مصر مطلع 2022 تحت اسم إي 70، وأعلنت الشركتان في بيان عزمهما على الانتهاء من إنشاء خط الإنتاج في الربع الثاني من العام الجاري لإنتاج 25 ألف مركبة سنويا، لكن ذلك لم يتحقق.

حسين مصطفى: فض الشراكة خطوة إلى الوراء ولا بديل سوى الشركات الصينية
وحتى تمهد لتسويق المركبة محليا، استوردت القاهرة 13 سيارة كهربائية من طراز إي 70 كاملة الصنع من دونغفينغ، لإجراء اختبارات عليها في الشوارع المصرية.
وقام وزير قطاع الأعمال هشام توفيق بجولة حية بالسيارة الكهربائية في شوارع مصر رفقة الإعلامي شريف عامر في يوليو الماضي، لتوضيح مزاياها للجمهور.
وارتكبت الحكومة خطأ بإعلانها تفاصيل السيارة ومواصفاتها قبل أن توقع عقودا رسمية ملزمة مع الشركة الصينية، لأن ذلك خلف صورة خادعة للرأي العام، إذ فوجئ الجمهور بأن ما تم توقيعه مذكرة تفاهم ولم يرق إلى مرحلة العقود الرسمية.
وشرعت وزارة قطاع الأعمال في التواصل مع بعض المكاتب الاستشارية الألمانية المتخصصة، للبحث عن شريك جديد في مجال تصنيع السيارات الكهربائية.
وبالتزامن مع ذلك، نفت الوزارة أن يكون فشل المفاوضات مع دونغفينغ جاء بهدف تصفية شركة النصر للسيارات المصرية أو التخلي عن فكرة إنتاج المركبة.
وأطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي ما يسمى “الاستراتيجية القومية لتوطين صناعة المركبات الكهربائية والصناعات المغذية”، ووجه بتوطين تلك الصناعة في مصر من خلال تعميق التصنيع المحلي والتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة.
وتقوض الخلافات مع بكين خطة القاهرة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر عبر السيارات، وكذلك قدرتها على منافسة المغرب في صناعة السيارات الكهربائية.
ويتنافس البلدان في الوقت الحالي على التحول إلى مركز إقليمي لتصدير المركبات الصديقة للبيئة، حيث تسعى القاهرة إلى أن تكون بوابة تصديرية لها إلى قارة أفريقيا والأسواق المتاخمة، لكنها لم تخط خطوة كبيرة في هذا المجال، عكس المغرب الذي يعزز وجوده تدريجيا في هذه الصناعة الآخذة في النمو.
ووصف حسين مصطفى، المدير التنفيذي لرابطة مصنعي السيارات سابقا، خبر تعثر مفاوضات تصنيع السيارة الكهربائية، بـ”المؤسف وخطوة إلى الوراء بعد تقديمها للجمهور، وأن الحكومة لن تقلع عن تصنيع المركبات الكهربائية إطلاقا”.
وقال في تصريحات لـ”العرب” إنه “لا بديل سوى الصين لأنها أكبر الدول تصنيعا للسيارات الكهربائية، وتتوافر بها مستلزمات التصنيع، وتضم أكثر من نصف عدد المركبات الكهربائية في العالم، فضلا عن أن أسعارها الأنسب للسوق المصرية”.
ولا ينبغي أن يطغى عامل السرعة في البحث عن شريك أجنبي جديد على عامل الجودة أو تكلفة الإنتاج، حتى يكون سعر السيارة مناسبا للمستهلك ولتنجح الحكومة في تفعيل خطة توطين المركبات الكهربائية ونشر ثقافة اقتناء ذلك النوع من السيارات.

جمال القليوبي: دونغفينغ رفضت نقل التكنولوجيا وزيادة المكونات المصرية
وتهدف القاهرة من وراء تصنيع وانتشار السيارات الكهربائية إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في السيارات، لاسيما أنها تستورد قرابة 40 في المئة من احتياجاتها من المشتقات النفطية سنويا والتي تبلغ قرابة 80 مليون طن.
وأشار مصطفى إلى أن فض الشراكة مع الجانب الصيني يبدد الخطط والمواصفات التي أعلنتها الحكومة للجمهور، بدءا من سعر السيارة الذي تراوح بين 18.5 ألف دولار و25 ألف دولار، ولا يمكن التنبؤ بسعر المركبة دون معرفة الشريك الجديد ومواصفات السيارة التي تستهدف الحكومة تصنيعها.
ومن المتوقع أن يتأخر ظهور السيارة الكهربائية الجديدة إلى ما بعد العام المقبل، لأن الحكومة المصرية قد تبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات وخطط التصنيع مع شريك أجنبي جديد، ولم يتم اختياره حتى الوقت الراهن.
وفتحت مصر باب الاستثمار في محطات شحن السيارات الكهربائية أمام رجال الأعمال والشركات أخيرا، قبل تعثر مفاوضات إنتاج أول سيارة كهربائية محلية الصنع، وتأمل في تنفيذ خطة طموحة تستهدف تأسيس نحو ألف محطة شحن في العديد من المناطق الحيوية قبل نهاية العام الجاري.ويجب أن تواصل الحكومة تجهيز البنية الأساسية اللازمة لتشغيل المركبات الكهربائية سواء محطات الشحن أو مراكز الخدمة، والتي تتم بالشراكة مع مستثمرين أجانب، إذ يعد ذلك مسارا أساسيا يختلف عن تصنيع السيارة.
وتعتمد الحكومة بشكل أساسي على الشريك الأجنبي في تصنيع السيارة الكهربائية، إذ كان الاتفاق مع الشركة الصينية على تصنيع 50 في المئة من المواد الأولية والكماليات، وتمثل مساهمة المكون المصري نفس النسبة.
وتستهدف السلطات من مشاركة الشركات الأجنبية نقل الخبرات والتكنولوجيا المستخدمة في ذلك الوافد الجديد للوصول بنسبة المكون المحلي في السيارة الكهربائية إلى 80 في المئة خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر بعد بدء الإنتاج، وهي استراتيجية تنتهجها مصر لتعميق التصنيع المحلي.
وقال جمال القليوبي، أستاذ الطاقة بالجامعة الأميركية في القاهرة، لـ”العرب” إن “أسباب تعثر المفاوضات بين الجانبين غير المعلنة، هي رفض بكين نقل الخبرات والتكنولوجيا إلى السوق المصرية، وكذا زيادة المكون المصري في تلك المدة، ولا يقتصر الأمر على سعر المكون المستورد فقط”.
ويخالف هذا النمط التناغم بين وزارة الكهرباء المصرية وشركة روس آتوم الروسية عند تدشين مفاعل الضبعة النووي، إذ تم الاتفاق على أن تبلغ نسبة المكون الروسي في الوحدة الأولى من المفاعل نحو 75 في المئة مقابل 25 في المئة للمصري، ثم تزيد في بقية الوحدات لتصل إلى 85 في المئة من المكون المصري و15 في المئة من الروسي، ورحبت موسكو بذلك.
وأوضح القليوبي أن مصر لديها القدرة على تصنيع غالبية مكونات الأجزاء المستخدمة في السيارة الكهربائية عبر مصانع تقوم بتأسيسها بمشاركة القطاع الخاص المحلي لإنتاج السيارة في البلاد، لكن يتطلب ذلك وجود عنصر بشري أجنبي لديه خبرة بذلك المجال الجديد.
ويقف عدم وفرة الرقائق الإلكترونية بأنواعها المختلفة عائقا أمام مصر للاعتماد على نفسها في تصنيع السيارة الكهربائية، إذ يؤدي ذلك إلى ضغوط على العملة الأجنبية في البنوك ويقود إلى طرح السيارة بسعر مرتفع، علاوة على تأخر طرحها في الأسواق.