الصين تستثمر في أكبر مصنع للبطاريات الكهربائية بالمغرب

ترجم المغرب مساعيه الرامية إلى زيادة زخم قطاع السيارات في الاقتصاد المحلي بالدخول في شراكة مع الصين لبناء مصنع ضخم مخصص لإنتاج بطاريات المركبات الكهربائية، في خطوة تؤكد جدية الحكومة لمواكبة الطفرة العالمية في هذا المجال الواعد.
مراكش (المغرب) – وضعت الحكومة المغربية قدما باتجاه ترسيخ دعائم صناعة السيارات النظيفة، حينما وقعت مع شركة غوشن هاي تيك الصينية مذكرة تفاهم لتشييد أول منشأة في البلاد تنتج البطاريات الكهربائية.
وجاءت الاتفاقية على هامش معرض جيتكس أفريقيا الذي احتضنته مدينة مراكش مؤخرا، ويعد إحدى مبادرات معرض جيتكس غلوبال في دبي، وهو أكبر معرض عالمي للتكنولوجيا والشركات الناشئة المصنف كأفضل معرض عالمي لقادة العالم في المجال التكنولوجي.
وكان وزير الصناعة رياض مزور قد كشف خلال قمة الأعمال الأفريقية – الأميركية في مراكش الصيف الماضي، أن بلاده تتفاوض مع شركات مصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية من أجل إنشاء مصنع بما يناسب قطاع السيارات الحالي وإنتاج الكوبالت.
وبفضل مؤهلاته الكبيرة يسعى المغرب إلى أن يؤكد موقعه كمنصة آمنة وواعدة قادرة على تحفيز المستثمرين على دخول القطاع الذي يضطلع بدور محوري في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، بفعل بنيته التحتية الصناعية وغناه بالمواد المعدنية.
وقدرت الكلفة الاستثمارية للمصنع بنحو 65 مليار درهم (6.5 مليار دولار)، ومن شأنه إحداث ما يناهز 30 ألف فرصة عمل في غضون عشر سنوات.
وتهدف الشراكة التي وقع عليها الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار محسن الجزولي، والمدير العام لشركة غوشن هاي تيك، لي زهن إلى تعزيز التعاون في المجالات المرتبطة بالطاقات المتجددة، واستعمالها أساسا في إنتاج سيارات كهربائية.
وأكد الجزولي في تصريحات إعلامية أن الأهمية التي تكتسيها المذكرة تتعلق بتوطين مصنع سيساهم في دعم سوق العمل، وخاصة في صناعة السيارات، وأن الاستثمارات التي يحتاجها سيتم توفيرها حتى عام 2030.
والشركة الصينية فاعل رئيسي في قطاع الطاقات المتجددة، والتي تعتبر مجموعة فولسكفاغن الألمانية للصناعة أحد أبرز المساهمين فيها.
وتعتزم غوشن هاي تيك الرائدة في قطاع الحركية الكهربائية إرساء منظومة صناعية لإنتاج البطاريات الكهربائية، ومنظومات تخزين الطاقة بالمغرب، الذي يُعد رائدا في المجال وذا صيت عال لدى الشركة، التي انتقته للكثير من الاعتبارات.
وأكد زهن أن تنفيذ أول مصنع لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في أفريقيا بالمغرب يستهدف إرساء منظومة صناعة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الكهرباء.
وأوضح أن المشروع هو نتيجة للعمل الدؤوب بين البلدين. وقال إن “تطوير مصنع لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في أفريقيا الهدف منه هو توفير الإنتاج والتصدير عالميا”.
وأشاد زهن برؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس لقطاع الطاقة المتجددة، التي تمثّل عماد إستراتيجية التحول في مجال الطاقة، ومناخ العمل الآمن للمستثمرين بالبلاد.
وتولي الرباط اهتماما خاصا بالطاقة البديلة، وهي تمثّل عامل جذب لاستثمارات الشركات المتخصصة في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن حصة الطاقة المتجددة ارتفعت إلى 38 في المئة من القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في البلاد بنهاية عام 2022، ليبلغ إنتاجها 4.03 ألف ميغاواط.
40
ألف سيارة نظيفة تستهدف الحكومة إنتاجها سنويا عبر بناء منظومة متكاملة لهذا المجال
ويعد المغرب رائدا على صعيد قارة أفريقيا في إنتاج السيارات مع قطاع مندمج كليا في سلسلة القيمة العالمية، ويتمتع بطاقة يتوقع أن تصل إلى مليون سيارة في السنة. ويتم تصدير 90 في المئة من الإنتاج إلى أكثر من 75 بلدا.
وتراهن الحكومة على أن تصل الطاقة الإنتاجية لقطاع السيارات الكهربائية إلى 120 ألف وحدة خلال ثلاث سنوات، بينما تتراوح قدرته الإنتاجية الحالية بين 40 و50 ألف وحدة سنويا.
وأفاد مزور مؤخرا بأن بلده يعتزم زيادة طاقته الإنتاجية من السيارات إلى مليون سيارة سنويا عوض 700 ألف حاليا، منها 40 ألف سيارة كهربائية، كما أشار إلى أن الأجزاء المصنعة محليا تمثل الآن 63 في المئة من المركبات الموجهة للأسواق العالمية.
ومنتصف مايو الماضي، أعلن المغرب إنتاج أول سيارة محلية الصنع، إضافة إلى نموذج أولي لمركبة تعمل بالهيدروجين، مما يعزز علامة “صُنع في المغرب”، ويدعم مكانة البلد ليكون منصة تنافسية لإنتاج السيارات.
وأكد رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية بالرباط إدريس الفينة لـ”العرب” أن نسبة تطور قطاع السيارات سترتفع في السنوات المقبلة بالمغرب، الذي يسعى لتوظيف الخبرات التي يملكها لمواكبة السوق وجذب استثمارات ضخمة في القطاع.
وقال إن البلد يركز في توجهاته على “الربط بين الاستثمار في قطاع السيارات الكهربائية وصناعة البطاريات، التي تعرف تطورا كبيرا”. وأعلنت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي العام الماضي استهداف ضخ استثمارات بقيمة تصل إلى مليون دولار لتطوير تكنولوجيا صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ويأتي ذلك وسط سعي البلاد نحو تصنيع بطاريات الليثيوم القائمة على معدن الفوسفات، والابتعاد عن بطاريات معادن الكوبالت والنيكل والمغنيسيوم، وهو ما يمثّل مشروعا واعدا مع تميزها بذلك المعدن.
65
مليار درهم الكلفة الاستثمارية للمصنع ومن شأنه إحداث ما يناهز 30 ألف فرصة عمل في غضون عشر سنوات
ويقول خبراء إن البطارية الكهربائية تشكل ثلث تكلفة صناعة السيارة، ما سيمنح المغرب مكانة قوية بهذه السوق في ظل توجه جيرانها في أوروبا نحو وقف العمل بالمركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري عام 2035، والتحول إلى المركبات عديمة الانبعاثات.
وشهد العام الجاري إعلان شركات لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية سعيها للاستفادة من المعادن المغربية في تأمين احتياجاتها. ومن بين هذه الكيانات أل.جي إنيرجي سوليوشن الكورية الجنوبية التي اتجهت إلى المغرب لتأمين إمدادات الليثيوم.
وتعد الشركة الكورية ثاني أكبر مصنع للبطاريات الكهربائية في العالم، وقد عبرت عن اهتمامها بتوفير إمدادات هيدروكسيد الليثيوم من المغرب، عبر توقيع مذكرة تفاهم مع شركة ياهوا الصينية الرائدة في إنتاج هيدروكسيد الليثيوم لضمان إمدادات ثابتة عالية الجودة.
وكانت شركة مناجم للتعدين الحكومية قد اتفقت في يناير 2022 مع شركة التعدين وتجارة السلع جلينكور على إنتاج معدن الكوبالت في مصنع ستتم إقامته بالقرب من مدينة مراكش، ثالث أكبر مدن البلاد من حيث تعداد السكان.
ويعد المغرب، إلى جانب كندا، من أكبر منتجي خام الكوبالت على مستوى العالم. ولديه أحد المناجم النادرة لهذا المعدن، الذي يدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، في قارة أفريقيا. ويبلغ إنتاجه السنوي نحو ألفي طن.