الصيف قادم

الحرارة الآن - 10 وما زال الشتاء في أوله، لا ثلج ولا غيره، احمدوا ربكم في العالم العربي، فالبرد يقضي على كل أمل في يوم يذكّر بالمشرق ورياح السَمُوم العذبة.
ما تزال أكثر العبارات شهرة في العالم ”الشتاء قادم“ وهي مفتاح المسلسل واسع الانتشار ”صراع العروش“. يمكنك وضعها في أيّ جملة مفيدة أو غير مفيدة، ستعمل بجدارة، حتى إن قلت لطفلك، عليك أن تتحضّر لامتحان الرياضيات فـ”الشتاء قادم“، سيفهم على الفور ما تعنيه من وراء ذلك. ولو كتبت رسالة إلى شركة الاتصالات وشكوت من بطء الإنترنت رغم اشتراكك الشهري باهظ الثمن، وأنه يتوجب عليهم حل الموضوع فـ”الشتاء قادم“، سيفهمون مرادك.
يقولون لك ”العالم قرية صغيرة، وعليك أن تكون مواطناً عالمياً معولماً“ طيب. وفّروا إذاً مناخاً عالمياً فيه كل الفصول في السنة حتى نشعر بما تقولون. من غير المعقول أن ينعم الناس في بقعة من الأرض بهواء يحمل رائحة كروم العنب التي تفرد أذرعها تحت الشمس، بينما يشتعل البدنُ ثلجاً وقشعريرة في بلاد أخرى.
ولا تفهم كيف يذوب الثلج في القطب بسبب الاحتباس الحراري، بينما تنخفض درجات الحرارة في الشتاء إلى مستويات غير معقولة.
وإذ تبدو عبارة مثل تلك، نوعاً من التهديد، يستحسن أن نستخدم ما ينفعنا في مثل هذه المواقف، فنهدّد بما هو واقعي وأكثر إثارة من الدراما، ففي جردة سنوية مذهلة اعتبرت شبكة ”سي أن أن“ أن العام 2021 كان عام تغيّر المناخ بامتياز، تكبّدت البشرية خسائر فادحة فيه، من لويزيانا غرباً إلى مقاطعة خنان الصينية شرقاً. وخلصت إلى هذا إنما بدأ يغيّر الطبيعة حقاً ولم يعد مجرد تحذيرات.
اسمع؛ الفيضانات الهائلة حاصرت السكان وتسبّبت بموتهم في الأقبية المغمورة بالمياه في أميركا، وفي كندا، تم محو مدينة بأكملها بسبب حرائق الغابات، وتساقطت الأمطار على قمة غرينلاند لأول مرة بهذه الغزارة.
وما يستنتجه هؤلاء دوماً ينتهي بأن البشر يتحمّلون المسؤولية عمّا حدث. لكن أيّ بشر؟ نحن أم أصحاب القرار؟
حتى تتصوّر ما أقول، تخيّل أن أعظم دولة في العالم اليوم، قرّرت تقنين استهلاك المياه، وأعني الولايات المتحدة وذلك بسبب المناخ الذي يعدّ الأقسى منذ 126 سنة بعد جفاف نهر كولورادو. وفي أغسطس الماضي تجمّدت بحيرة ميد وبحيرة باول، ووصلت أرقام الخسائر التي تسبب بها إعصار “إيدا“ إلى 60 مليار دولار، وغرقت الشقق السكنية في نيويورك.
ثورة الاتصالات إياها تجعلك منشغلاً بترهّات فيسبوك وتيك توك، ولا تنقل لك مثل هذه الأخبار.
”الصيف قادم“، هذه المرّة.