الصلح خير.. ولكن

جميل الصلح الذي وقع بين الحراش والرويسات، في سهرة تلفها روحانيات رمضان الفضيل، وهما ليستا داحس والغبراء، ولا تغلب وبني شيبان، ولا صلح الحديبية، هما ضاحيتان الأولى بالعاصمة الجزائر والثانية في ولاية ورقلة، شحنتا أنصارهما إلى درجة حرق الأخضر واليابس، بمناسبة لقاء كروي برسم منافسة القسم الثاني من الدوري الجزائري لكرة القدم.
وظهر مسؤولو الفريقين والملحقون بهم والأعيان والوجوه الرسمية، يتبادلون العناق والقبل والابتسامات، وكأن الذي حدث منذ أسابيع بين أنصار الفريقين أمر هين، وفوق ذلك ترسل الإشارات إلى أياد إجرامية في الخارج تريد إشعال الفتنة والعنصرية والجهوية بين أبناء الوطن الواحد.
هذه الشماعة على واقعيتها باتت أسطوانة مشروخة غير قابلة للتصديق، وكان الأجدر الاعتراف بالحقيقة، وهي أن جزءا من العنف الاجتماعي السائد، هو هذه اللعبة وهؤلاء المسؤولون الذين يديرونها، لأن حملة الكراهية وخطاب العنصرية كان سببُها خطابا عنيفا ومتطرفا، حوّل الأنصار إلى قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار ليس على الفريقين فقط، بل على جزء من البلاد.
أي خطوة للصلح بين المتخاصمين يشجعها الخيرون والعقلاء، لكن ما معنى الصلح إذا لم تضرب أسباب الخصومة المفضية إلى العنف وإلى خطاب الكراهية والجهوية، ولم تتم معاقبة وردع المتسببين فيها.
لقد ضربت مصالح الأمن بيد من حديد الأبواق التي حولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى وكر يشتغل على نقل كرة القدم من المدرجات والمستطيلات الخضراء إلى الشوارع والضواحي، لكن الجذور ما زالت على حالها، فهي تتخاصم وتحرق الدنيا متى أرادت وتتصالح متى أرادت.
أحداث ملعب الرويسات ليست الأولى في تجليات العنف الرياضي والاجتماعي، ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها أحداث مماثلة أفضت إلى الموت والإعاقات والمواجهات، ومع ذلك ما زالت الظاهرة بعيدة عن الأولوية السوسيولوجية والنفسية والتشريعية، وفي كل مرة تتم تغطيتها بصلح قد يهدئ الحادثة، لكنه لا ينهي العنف الذي أفرغ اللعبة من سحرها، وبات مصدر قلق اجتماعي.
كرة القدم لعبة شعبية، وسحر لتخدير الناس، لكن لن تكون وسيلة للسلم والاستقرار الاجتماعيين كما يفكر البعض في دوائر القرار، لأن رائحة الفساد والممارسات المشبوهة وحتى المحظورة، باتت تزكم الأنوف حتى في الأقسام الدنيا للدوري.
والكثير من النوادي ظاهرها كرة القدم، لكن باطنها مشروعات متداخلة للوبيات نافذة في هذه المدينة أو تلك الضاحية، ولذلك يدفع أصحابها ومسيروها بالأوضاع إلى كل الخيارات، من أجل مصالح معينة قوامها الفساد والتوظيف الخفي والمشبوه للعبة.
قبل الحراش والرويسات تصالحت الشلف ووهران، العاصمة وقسنطينة، سطيف وتيزي وزو، لكن العنف يتطور ويتمدد، خاصة مع خطاب الشوفينية، عبر إعلام رياضي تعيس، وشبكات تواصل اجتماعي متاحة للجميع، وحبوب مهلوسة تغزو المجتمع.
صحيح المسألة معقدة ومتشابكة، لكن الشماعة التي علق عليها مسؤولو الحراش والرويسات أحداث العنف وخطاب الجهوية والكراهية، لا تملك الأزرار المناسبة لحمل دورهما في تأجيج وشحن بذور فتنة بدأت بين ضاحيتين، وانتهت إلى سكان ورقلة والعاصمة، وكان الأجدر بهما الاعتراف بمسؤوليتهما والاعتذار للجزائريين، كما كان حريا بالمؤسسات الرسمية الضرب بيد من حديد في إدارة الفريقين، كما ضربت المدونين الذين جنوا على أنفسهم بعد الغسيل الذي تعرضوا له.
وإذا كان هناك من يترصد مثل هذه الوقائع في الخارج، فذلك ليس سرا، لكن من منحوهم الفرصة هم من على تلك الشاكلة من مسؤولين ومسيرين مستعدين لحرق الأخضر واليابس من أجل نتائج مباراة كروية في الظاهر، ومن أجل أغراض ومصالح في الباطن، وحينها لم يكن لديهم حس وطني وتقدير للعواقب.