"الصدمة" نموذج إيجابي لبرامج المقالب الرمضانية

برنامج “الصدمة” الذي يعده فريق مصري-إماراتي صورت حلقاته في عدة دول عربية، منها مصر والسعودية والإمارات والعراق ولبنان، وهو يعالج قضايا إنسانية في إطار برامج المقالب.
تناول البرنامج قضايا مثيرة، مثل عقوق الوالدين وتقبل المجتمع لذوي الإعاقة، وإلقاء القمامة في الشارع، وكل هذه المواقف تم تصوير ردود أفعال الجمهور عليها بكاميرات خفية، ثم مصارحتهم عندما يكون التدخل ملحا من فريق العمل.
الجمهور العربي الذي اعتاد على برامج المقالب المفتعلة، قارن بينها وبرنامج “الصدمة”، وجاءت النتائج سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي لصالح “الصدمة” الذي أبكت حلقاته المشاهدين، فحقق نسب مشاهدة عالية.
البُعد الإنساني للبرنامج يراه كثيرون سبب نجاحه، وربما كان عدم الافتعال والعفوية والصدق والإيجابية من جانب الجمهور المشارك دون أن يعرف سببا آخر لـ”الصدمة” بعد أن فقدت المجتمعات الأمل في إصلاح نفوس طغت عليها كافة السلبيات التي لا تمت للإنسانية بصلة.
وأشارت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس (مصر) إلى أن الجمهور العربي بطبعه يميل إلى الأعمال الإنسانية الهادفة، فتجده منجذبا تجاهها ويهتم بمتابعتها، وهي النتيجة التي تقود إليها نسب المشاهدة العالية لتلك البرامج على موقع يوتيوب.
وأكدت لـ”العرب” أن محتوى برنامج “الصدمة” يبرز القيم الإيجابية للشخصية العربية، خاصة أنه اختار تقديم نفس الموقف في بلدان مختلفة وكانت ردود الفعل متشابهة في إيجابيتها، ما يدل على أن القيم متقاربة.
ومن المواقف التي أثارت غضب الأكثرية، مشهد لسيدة عربية تعامل خادمتها الفلبينية بقسوة وعنف أمام الناس، الأمر الذي جعل سيدة من الجمهور تقف وتنصح السيدة التي تهين خادمتها، ثم انخرطت السيدة الناصحة في حالة من البكاء الحقيقي، وفي الخلفية كانت هناك موسيقى خفيفة تتسق نغماتها مع الموقف، ما يأخذ مشاعر المشاهد أو المتلقي إلى عالم من التسامح والرحمة.
محتوى برنامج "الصدمة" يبرز القيم الإيجابية للشخصية العربية في بلدان مختلفة، ما يدل على أن القيم متقاربة
وكانت إهانة الوالدين أكثر قضية أحدثت الصدمة، وأثارت ردود أفعال لدى الكثيرين في مختلف الدول، ما يؤكد قدسيّة الأب والأم في المجتمعات العربية، وكأن التعرض إليهما شيء مستفز لأغلب الناس.
وفي حين كان التعامل مع صدمة “التحرش” أقل استفزازا، وأغلب المارة “لم يحاولوا التدخل” وكان رد الفعل تجاه مشهد التحرش الذي تتعرض له فتاة متشابه في مصر ولبنان والعراق والسعودية سلبيا، باستثناء القليل من الأشخاص الذين بادروا بإنقاذ الفتاة من المتحرش.
وما يعطي برنامج “الصدمة” ميزة خاصة عن غيره، أنه يعد أول برنامج في الوطن العربي يتم تصوير حلقاته في دول مختلفة لقياس ردود فعل المواطن على نفس الموقف في أكثر من دولة ولتحديد الثقافة الأكثر انتشارا وكيفية تعامل المجتمع في كل دولة مع هذه القضايا. وعن الأسباب التي جعلت برنامج “الصدمة” يحقق كل هذا النجاح خلال أيام قليلة من بداية عرضه، وما الذي دعا المشاهد العربي للانجذاب إليه دون غيره والتفاعل مع مشاهده الإنسانية إلى هذا الحد، أشار جمال فرويز استشاري الطب النفسي في القاهرة لـ”العرب” إلى أن “البعد الإنساني لدى البشر موجود لكنه غير ظاهر بسبب الظروف الحياتية، وضرب مثلا على ذلك بقوله يمكن أن نشاهد إنسانا اعتاد السب والشتم والتصرف بسلوك خاطئ، ولكن في المقابل تراه يقدم على إنقاذ قطة من الموت”.
ويوضح فرويز ذلك بأنه نزعة إنسانية داخلية نابعة من الموقف، وهذا ما فعله برنامج “الصدمة”، سواء بالجمهور الذي مثل أمامه الموقف أو مع المشاهدين الذين تابعوه في منازلهم وتفاعلوا معه وتأثروا به عاطفيا.
وكشف استشاري الطب النفسي أن هذه النوعية من البرامج بمقدورها تهذيب الجمهور وترشيد سلوكياتهم، وزرع القيم والأخلاق وترسيخها في نفوس الصغار، بعكس برامج “المقالب” التي تحفل بالكثير من مشاهد العنف والشتائم. وفي الوقت الذي تعرض فيه قنوات “أم بي سي” الفضائية السعودية، برنامج المقالب “رامز يلعب بالنار” الذي آثار استياء شريحة كبيرة من الجمهور لدرجة إطلاق شعار “قاطعوا برنامج رامز”، تعرض نفس القناة برنامج “الصدمة” رغم الفارق الكبير بين البرنامجين، ورد فعل الجمهور الذي أعلن استياءه من البرنامج الأول وتفاعل مع الثاني، وأشاد به على صفحات التواصل الاجتماعي.
وقالت خيرية البشلاوي الناقدة الفنية لـ”العرب” إن المشاهد يملك القدرة على تمييز العمل الجيد من السيء، وما حدث مع برنامج “الصدمة” يؤكد ذلك، بعدما أثبت تعطش الجمهور العربي للبرامج الإيجابية التي تخاطب مشاعره وعواطفه، وتبتعد به عن الخدع والمقالب التي باتت لا تضحكه.
وأوضحت أن برامج المقالب تستقطب مشاهدين رغم ما تحتويه من مشاهد لا تليق بالمجتمعات العربية، ليس لأنهم يعبرون عن إعجابهم بها، لكن لأنهم يحبون نقدها وإن كانوا بشكل أو بآخر يرفعون مؤشرات مشاهداتها، وهذا ما يجعلها تستمر للأسف.
وطالبت البشلاوي الجهات الرقابية بالتصدي لنوعية برامج “المقالب” التي تدعو إلى العنف والسخرية، وتمثل نوعية رديئة للبذخ الإعلامي بإنفاق الملايين من الدولارات بشكل غير مبرر.