الصدر يقاسم الكاظمي العائد السياسي لقمّة بغداد

إصرار زعيم التيار الصدري على تصدير موقف إيجابي من قمّة بغداد الأخيرة ليس محض صدفة بقدر ما هو جزء من عملية تسويق سياسي أوسع مدى لمقتدى الصدر العائد بقوّة إلى حلبة المنافسة على قيادة العراق، كرجل دولة وصاحب منظور واضح لعلاقات العراق الإقليمية والدولية خلال المرحلة القادمة التي يتوق الصدر إلى قيادتها.
بغداد - انتهز رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر فرصة تسلّط الأضواء على العراق بمناسبة احتضانه مؤتمر “قمة بغداد للتعاون والشراكة” لتسويق نفسه في هيأة رجل الدولة المناسب لقيادة المرحلة، وذلك بعد قراره التراجع عن مقاطعة الانتخابات النيابية المبكّرة المقرّر إجراؤها في أكتوبر القادم، والتي سيدخلها التيار الصدري بهدف محدّد من قبل زعيمه وهو تحقيق أغلبية برلمانية مريحة تتيح له تشكيل الحكومة العراقية القادمة.
وعبّر الصدر، الذي يطمح لحكم العراق مستغلاّ فشل كبار منافسيه من أعضاء العائلة السياسية الشيعية في قيادة البلد خلال المرحلة السابقة، عن تأييده للقمّة التي انعقدت بحضور إقليمي لافت إضافة إلى حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان قد وقف وراء تنظيمها الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وقال في منشور بثّه عبر حسابه في تويتر “إنه يمكن للعراق أن يلعب دورا مهما في استتباب الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن قمة بغداد التي عقدت السبت كانت ناجحة في جمع عدة أطراف.
ويعلم الصدر أنّ تحديد من يتولّى حكم العراق أصبح منذ سنة 2003 رهن توافق ثنائي أميركي – إيراني رغم ما بين واشنطن وطهران من تنافس شديد على النفوذ في البلد، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات.
الخطاب المعتدل لزعيم التيار الصدري موجه إلى الخارج وهادف إلى التخلص من صورة الزعيم الطائفي وقائد الميليشيا
لكنّ النجاح في قيادة البلد وإخراجه من حالة عدم الاستقرار الأمني وإعادة ترميم اقتصاده المتداعي يمرّ حتما عبر ربطه بعلاقات متوازنة مع كبار الفاعلين الإقليميين، وهو ما عمل عليه رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي ويبدو أن الصدر يحاول مشاركته في جني نتائجه واستثمار ذلك في خدمة طموحاته المستقبلية.
وبدا واضحا حرص زعيم التيار الصدري في التوجّه بخطابه إلى الخارج بهدف التخلّص من صورة الزعيم الديني الطائفي وقائد الميليشيا المسلّحة وتقمّص دور رجل الدولة العقلاني، معتبرا أنّ “أجمل ما في قمة بغداد للتعاون والشراكة هو انفتاح العراق الدولي والإقليمي وانفتاحه على الدول العربية، وهي انعطافة في غاية الأهمية من الناحية الاقتصادية والأمنية وفيها دلالات واضحة على أهمية العراق في المنطقة”.
وأضاف “القمة كانت ناجحة في جمع أطراف عديدة ويمكن للعراق أن يلعب دورا مهما في استتباب الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط “.
كما توّجه الصدر بالشكر إلى صالح والكاظمي قائلا إنّ الأخير “كان له الأثر الفاعل في الانفتاح على المحيط الدولي والإقليمي، وبالأخص العربي”.
وتحمل العبارة الأخيرة مؤشرا على عودة الصدر لدعم الحكومة العراقية التي كان قد أعلن إنهاء دعمه لها ضمن قراره السابق مقاطعة الانتخابات متوعّدا بعدم دعم الحكومة الحالية والقادمة.
وكان رجل الديني الشيعي المعروف بتقلّب مواقفه وتناقض قراراته قد استأنف مساعيه للعب دور قيادي في العراق خلال المرحلة المقبلة عندما أعلن الجمعة التراجع عن قراره السابق عدم السماح لتياره بخوض الانتخابات البرلمانية القادمة.
واحتضنت العاصمة العراقية السبت مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة التي اعتبرت مشاركة كل من السعودية وإيران فيها إنجازا بحدّ ذاته يحسب لدبلوماسية صالح والكاظمي، بالنظر إلى ما بين البلدين من تنافر شديد في مختلف المواقف والسياسات.
وأبدت الدول المشاركة في المؤتمر اهتمامها باستقرار العراق ودعمها لجهود حكومته “في تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للآليات الدستورية وإجراء الانتخابات النيابية تحت الرقابة الدولية لضمان نزاهة وشفافية عملية الاقتراع المرتقبة”.
ورحّب زعماء وقادة وممثلو تلك الدول في البيان الختامي للمؤتمر “بالجهود العراقية للوصول إلى أرضية من المشتركات مع المحيطين الإقليمي والدولي في سبيل تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية وتبني الحوار البنّاء وترسيخ التفاهمات على أساس المصالح المشتركة”، مؤكدين “أن احتضان بغداد لهذا المؤتمر دليل على اعتماد العراق سياسة التوازن والتعاون الإيجابي في علاقاته الخارجية”.
وعقدت القمّة في فترة تسود فيها العراقَ حالةٌ من الانتظار للانتخابات البرلمانية التي يعتبرها البعض فرصة أخيرة للتغيير في البلد الذي رزح طوال ثمانية عشر عاما تحت حكم مجموعة من الأحزاب الدينية والفصائل الشيعية المسلّحة ضمن تجربة حكم فاشلة قامت على المحاصصة وسادها فساد كبير وهدر غير مسبوق لموارد الدولة.
ويستشعر زعيم التيار الصدري نفسُه وجودَ فرصة للتغيير يمكنه أن يستفيد منها بتحقيقه فوزا كبيرا في الانتخابات يرتقي به إلى سدّة القيادة في البلاد والتي منعه من الوصول إليها طوال الفترة الماضية كبار خصومه من قادة الأحزاب والفصائل المسلّحة.