الصحافيون الليبيون يتبادلون دور الضحية والجلاد في زمن الانقسام السياسي

وسائل إعلام خاصة خارج ليبيا تغذي أعمال العنف على الأرض وتنحاز لأطراف بعينها.
الاثنين 2019/09/16
محتوى يكلف الصحافيين فاتورة غالية

أفرز الوضع الليبي المعقد، تحديات ومخاطر أكبر على الصحافيين بدءا من انتمائهم إلى مؤسسات إعلامية منحازة لأحد أطراف الصراع، ثم التهديدات على الأرض مع اشتداد حدة المعارك.

طرابلس - بنفس الوتيرة التي يواجه بها الصحافيون الليبيون مخاطر العمل في ظل الانقسام السياسي الحاد والمواجهات العسكرية والحروب الإعلامية، فهم يتعرضون لاتهامات بالمسؤولية عن الانحياز للجهات التي يعملون لحسابها، سواء هذا الطرف أو ذاك، وبالترويج لخطاب الكراهية في البلاد.

ويبدو الصحافيون في ليبيا عالقين بين المعارك على الجبهات والتوجه السياسي لوسائل الإعلام التي يعملون لصالحها، إضافة إلى خطر أعمال انتقامية. خصوصا مع اندلاع المواجهات في مطلع أبريل 2019 بجنوب العاصمة طرابلس وتفاقم الانقسامات.

وفي كل من بنغازي (شرق) وطرابلس (غرب)، توجد وكالة أنباء وتلفزيون حكومي وصحف تحمل الاسم نفسه وكل منها ناطق باسم السلطة التي يمثلها. وتواجه قنوات ليبية تبث من خارج البلاد، أسسها رجال أعمال وأحزاب سياسية، اتهامات بتمويلها من قبل دول محددة لمناصرة طرف على حساب آخر.

وقال محمد الناجم المدير التنفيذي للمركز الليبي لحرية الصحافة (غير حكومي) “بسبب استمرار النزاعات منذ 2014، يعاني الصحافي في ليبيا من عزلة عن ممارسة مهامه بشكل طبيعي”.

وتحدّث عن “32 حالة اعتداء في طرابلس وضواحيها” على صحافيين، مشيرا إلى أن “كل حالة عنف على الأرض” تزيد من “استهداف الصحافيين خاصة مع تصاعد الخطاب الإعلامي”.

وأضاف أن “وسائل الإعلام وخاصة التي تبث من خارج البلاد ضالعة إلى حد كبير في تصعيد خطاب العنف والكراهية، لتغذي بشكل كبير أعمال العنف على الأرض”.

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نهاية الشهر الماضي، إلى استمرار تعرض الصحافيين في ليبيا “للترهيب والاحتجاز التعسفي”.

مناصرة طرف على حساب آخر
مناصرة طرف على حساب آخر

وأكد في تقريره حول ليبيا أنه منذ بداية العام الجاري، سجلت بحق الصحافيين حالة قتل غير مشروع واحدة وأكثر من عشر حالات اعتقال، كما تعرض صحافيان للسجن في شرق البلاد.

من جهتها، ترى الصحافية الليبية جيهان الجازوي أن “الصحافي والمؤسسة يتحملان جزءا كبير من المسؤولية، نظرا لانحيازهما لطرف دون سواه وتبني مواقف سياسية”.

وأوضحت الجازوي التي تعمل في مؤسسة “الوسط” الإخبارية الليبية المتمركزة في القاهرة “على الصحافي عدم اتخاذ مواقف سياسية والامتناع عن إعلانها خصوصا في الوضع الشائك في ليبيا، لأن ذلك سيساهم في تأجيج الصراع وإذكاء حدة الانقسام”.

وأوضحت أن “العديد من مؤسسات الإعلام تعمل بهدف سياسي، وبالتالي يتعرض صحافيوها للخطر”.

وأكد صهيب الخياطي مدير مكتب شمال أفريقيا في منظمة “مراسلون بلا حدود” في التقرير الأخير أن “وسائل الإعلام الليبية تواجه أزمة غير مسبوقة بعدما أجبرت الفصائل المتنازعة الكثير منها على الاصطفاف طوعا أو قسرا”. وأشار أيضا إلى “استعمالها للدعاية”، مؤكدا أن “أطراف النزاع تتحول إلى أداة رقابة على الإعلام”.

وطالبت “مراسلون بلا حدود” السلطة في شرق البلاد التي تمتنع عن منح تراخيص للصحافيين من دون أسباب، بتقديم توضيحات بخصوص إصدارها أوامر بحظر 11 قناة تلفزيونية.

ومن المؤسسات الإعلامية التي صدر قرار منع بحقها بداعي “تبرير الإرهاب” و”تهديد السلم الأهلي”، مؤسسات ليبية تبث خارج البلاد.

وأبرز حادثة في هذا المجال، اعتقال الصحافيين محمد القرج ومحمد الشيباني من طاقم قناة “ليبيا الأحرار” في مايو الماضي أثناء قيامهما بتغطية الوضع في جنوب طرابلس. وقطع الاتصال بهما لقرابة شهر قبل الإفراج عنهما إثر ضغوط قبلية.

ووصل الأمر ببعض الصحافيين الناشطين عبر مواقع التواصل إلى تعطيل حساباتهم عقب تعرضهم للاعتداء، وحتى تغيير أرقام هواتفهم وعناوين إقاماتهم، ما يعكس حقيقة المخاطر التي تواجه عمل الصحافي.

Thumbnail

من جانبها، زعمت حكومة الوفاق الوطني حرصها على تذليل كافة العقبات أمام الصحافيين الليبيين والأجانب الراغبين في تغطية الحرب جنوب طرابلس. وقال عبدالفتاح مهني مدير إدارة الإعلام الخارجي بحكومة الوفاق، إن “أكثر من 150 صحافيا أجنبيا دخل إلى العاصمة منذ بداية الحرب وعملوا بحرية”. لكن هذه الحرية في العمل تقع مهمة حمايتها على عاتق الصحافيين أنفسهم، ولم تبد حكومة الوفاق أي استعداد لتأمين سلامتهم وبالتالي فهم مهددون في كل لحظة بمواجهة المخاطر.

وقال مهني “مهمتنا تقتصر على منحهم كل التراخيص ولكن عملية سلامتهم في مواقع الاشتباك تقع على عاتقهم”.

وأعلن المركز الليبي لحرية الصحافة في تقريره السنوي للعام 2018 – 2019 الذي حمل عنوان “صحافيو ليبيا، طريق مليء بالمخاطر والعُنف”، أن 83 اعتداء طال إعلاميين ووسائل إعلام. وتمثلت هذه الاعتداءات بالقتل والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب، فضلا عن الضرب والاحتجاز والملاحقة القضائية.

ودفعت المخاطر التي تهدد الصحافيين المركز الليبي لحرية الصحافة إلى إطلاق تجريبي لتطبيق “كُن شاهدا” من أجل “التبليغ عن حالات الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافي”، كما قالت وئام العالم منسقة الأنشطة والمشاريع في المركز.

وأوضحت أن “فكرة التطبيق تعود إلى 2016 مع فترة النزاعات وارتفاع وتيرتها، بادرنا بالإسراع في إنهائها”، مشيرة إلى أن أي صحافي ومن خلال “التبليغ الآمن عن الانتهاكات عبر التطبيق يمكن أن يحذر زميله من موقع حدث فيه انتهاك وبالتالي يتجنب الذهاب إليه”.

18