الصحافة الفرنسية تربح معركة الدفع مقابل المحتوى مع غوغل

استطاعت الضغوط المتصاعدة في فرنسا إجبار الشركة الأميركية العملاقة غوغل على الاستجابة للقانون الأوروبي ومنح الصحف دعما ماليا، في ظل أزمة خانقة يعاني منها القطاع، وربما تنجح دول أخرى في هذا المسعى، لكن الصحافة العربية عليها إعادة التفكير في تطوير المحتوى واستعادة ثقة القراء لتكون في موضع قوة قبل الدخول في مفاوضات مماثلة مع شركات الإنترنت.
باريس – رضخت أخيرا شركة غوغل الأميركية للقانون الأوروبي “الحقوق المجاورة”، وقررت توقيع عدة اتفاقات مع صحف فرنسية تقوم بموجبها بتسديد مبالغ لقاء استخدام محتوياتها، في أول خطوة من نوعها في العالم، من المرجح أن تشجع دولا أخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة لدعم القطاع المأزوم.
وأعلنت غوغل في رسالة نشرتها الخميس على الإنترنت أنها وقعت اتفاقات فردية مع “عدد من ناشري الصحافة اليومية والمجلات من بينها لوموند، وكورييه إنترناسيونال، ولوبس، ولو فيغارو، وليبيراسيون، وليكسبرس”.
وأضافت أنها تجري “حاليا محادثات مع عدد من الجهات الأخرى في الصحافة اليومية الوطنية والمحلية، والمجلات”.
وبموجب حقوق التأليف هذه، يتحتم على المنصات الإلكترونية دفع بدل لناشري الصحافة، ولاسيما الصور والفيديو، للمحتويات التي تستخدمها.
وقال مدير غوغل في فرنسا، سيباستيان ميسوف، أن “المدفوعات ستعتمد على معايير تشمل حجم النشر اليومي، وحركة الإنترنت الشهرية، ومساهمة الناشر في المعلومات السياسية والعامة”.
ويأتي ذلك نتيجة قانون أقره البرلمان الأوروبي عام 2019 وباشرت فرنسا تطبيقه على الفور، وأعلنت هيئة تنظيم المنافسة الفرنسية، في أبريل الماضي، أنّ على غوغل البدء بدفع حقوق مادية للمجموعات الإعلامية مقابل نشر محتواها. وأمرت الهيئة محرّك البحث العملاق بالتفاوض مع هذه المجموعات بعد رفضه المستمر منذ أشهر الامتثال لقانون حقوق النشر الرقمي الأوروبي الجديد، في قرار صادقت عليه محكمة الاستئناف في باريس.
ورفضت غوغل في مرحلة أولى دفع عائدات للصحافة الفرنسية، ودخلت في اختبار قوة مع هذا القطاع، وبقيت وسائل الإعلام المتعثرة في فرنسا والعالم غاضبة من امتناع غوغل عن منحها جزءاً من الملايين التي تجنيها، من الإعلانات المعروضة مع نتائج البحث الإخباري.
وأشارت فرانس برس إلى أنها، ومجموعات أخرى، قدّمت شكوى ضد الشركة الأميركية إلى هيئة المنافسة في فرنسا، العام الماضي، واتهمتها بالامتناع عن التفاوض بحسن نية لتسوية المشكلة.
من جهتها، دافعت غوغل عن موقفها، لأنه بفضل محركها تحظى المواقع الصحافية بحركة مرور كبيرة وعائدات من الإعلانات الرقمية.
ويبدو أن الضغوط المتصاعدة في فرنسا أجبرت غوغل على الاستجابة للقانون الأوروبي ومنح الصحف دعما ماليا، في ظل أزمة خانقة يعاني منها القطاع.
وأفادت فرانس برس بأن غوغل سعت إلى نزع فتيل الأزمة، وأعلنت أنها ستستثمر مليار دولار في شراكات مع ناشري الأخبار في العالم، لتطوير تطبيق أُطلِق عليه “غوغل نيوز شوكيز”، يبرز التقارير الخاصة التي تعدّها.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة الأميركية سوندار بيتشاي إن غوغل أبرمت عقوداً مع نحو 200 مطبوعة في دول كثيرة، بينها “در شبيغل” و”دي تسايت” و”شتيرن” في ألمانيا و”فولها دي ساو باولو” و”باند” و”إينفوباي” في البرازيل.
ولفتت فرانس برس إلى أن اللائحة تخلو من اسم أي مطبوعة من الولايات المتحدة أو فرنسا، لكن غوغل أعلنت أن الخدمة الجديدة هي جزء من الاتفاق العام الذي توصّلت إليه مع الصحافة الفرنسية.
وتراقب دول أخرى يواجه الناشرون فيها مشكلات مماثلة مع غوغل، تطور المفاوضات، خصوصا أستراليا التي أصدرت قانونا مماثلا يجبر شركات الإنترنت على الدفع للمجموعات الإعلامية، لكنها مازالت تواجه الرفض، غير أن الموقف من المحتمل أن يتغير بالاتفاق الفرنسي مع العملاق الأميركي.
وفي العالم العربي لم يتم تشريع قوانين تحمي المحتوى الإخباري من استغلال منصات التواصل الاجتماعي من دون مقابل، رغم أن الصحف ووسائل الإعلام جميعها تشتكي من هيمنة غوغل وفيسبوك على حصتها من الإعلانات وهي لذلك تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في أزمتها.
وتجري الحكومة المصرية دراسة لإخضاع التجارة الإلكترونية والإعلانات بشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للمنظومة الضريبية، بما يتسق مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، إلا أن هذا التوجه يصب لصالح الدولة وليس للصحافة أو وسائل الإعلام التي تطالب بأن تحصل على نصيب من الإعلانات التي تجنيها غوغل وفيسبوك وغيرها من المنصات الإلكترونية مقابل المحتوى الذي تنتجه.
ويرى متابعون أن الصحافة العربية ليست من القوة بحيث يمكنها مطالبة شركات الإنترنت الكبرى بهذا الإجراء، لأنها أولا لا تستند إلى نصوص قانونية تنصفها وتحفظ حقوق النشر والمحتوى في الدول العربية ما يجعل المحتوى مباحا يتم إعادة تداوله ونشره في مختلف وسائل الإعلام.
وثانيا أن المحتوى الصحافي العربي متواضع، (مع استثناءات قليلة)، تسيطر عليه التبعية السياسية والبيانات الحكومية ولا يحظى بثقة كبيرة لدى الجمهور، ما يعني أن شركات الإنترنت مستعدة للتخلي عنه في حال الدخول في مفاوضات، كما حدث في فرنسا عندما قالت غوغل إنها لن تدرج المحتوى الصحافي الفرنسي على محركها إذا أصرت الصحف على موقفها. غير أن الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية العربية التي تعتمد على المنصات الاجتماعية لزيادة أعداد المتابعين.
وبدأت ملامح التغيير في موقف غوغل منذ أكتوبر الماضي، قبل ساعات من إعلان محكمة في باريس أن على غوغل التفاوض مع المجموعات الإعلامية.
المحتوى الصحافي العربي متواضع، (مع استثناءات قليلة)، تسيطر عليه التبعية السياسية والبيانات الحكومية ولا يحظى بثقة كبيرة لدى الجمهور، ما يعني أن شركات الإنترنت مستعدة للتخلي عنه في حال الدخول في مفاوض
وقالت غوغل إنها اقتربت من إبرام اتفاق مع وسائل إعلام فرنسية، لتعويضها مادياً عن الأخبار التي تنتجها وتظهر في نتائج موقع البحث الأشهر في العالم.
وورد في بيان أصدرته غوغل “أولويتنا تبقى التوصّل إلى اتفاق مع دور النشر ووكالات الأنباء الفرنسية. قدّمنا طلباً للحصول على توضيح قانوني بشأن بعض أجزاء الأمر، وسنراجع الآن قرار محكمة الاستئناف في باريس”.
وجاء في بيان مشترك أصدره سيباستيان ميسوف، مدير غوغل في فرنسا، مع الصحف الفرنسية “نريد دعم الصحافة وضمان استمرار الوصول إلى محتوى عالي الجودة لأكبر عدد ممكن من الناس”.
وحذرت رئيسة سلطة المنافسة إيزابيل دو سيلفا، الخميس “لدينا نظام متابعة في غاية التيقّظ، وسنتثبت بأن تنص العقود الموقعة صراحة على الحقوق المجاورة وتدفع عليها عائدات”.