الشيخ سيف بن هاشل المسكري.. خبرة ودهاء في قراءة الأحداث وبناء العلاقات

الشيخ سيف بن هاشل المسكري مفكر وسياسي ومثقف عماني درس العلاقات الدوليّة، والقانون، والتجارة والاقتصاد في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة.
تولى مناصب سياسية مُهمة عمانياً وخليجياً، وقام بأدوار سياسية بقيت في الذاكرة العمانية، وأسهم في الحياة البرلمانية والثقافية والرياضية العمانية.
مسيرته الممتدة على مدار عقود في العمل بمجالات عدة، وحقيبته المتخمة بالخبرة الدبلوماسية والسياسية والبرلمانية والثقافية والرياضية، جعلته مؤهلاً عن جدارة ليكون قارئاً وخبيراً متميزاً صاحب رؤية جديرة بالاحترام والتقدير في شأن ما يجري من وقائع وأحداث متنوعة، خاصة وأنه حامل “الصندوق الأسود” لكواليس ما جرى في أدق المراحل التاريخية التي مرت بالمنطقة العربية في مجملها، وكانت محوراً أساسياً في ما نشهده من تداعيات ربيعية حيناً وخريفية في أحيان أخرى، وذلك بحسب قول عاصم رشوان، مؤلف كتاب “أوطان آيلة للسقوط: حوارات مع الشيخ سيف المسكري”، وهو الكتاب الذي جمع فيه مجموعة من الحوارات التي أجريت على مدار قرابة ربع قرن مع المسكري.
وقد اعتبر رشوان في مقدمة هذا الكتاب أن الاقتراب من حقيبة الشيخ سيف بن هاشل المسكري مفيدا باعتباره كاشفاً عن مخاطر قد تأتي، وحوادث قد توشك على الوقوع، حيث لن يكون مُفيداً – وفق قوله – البحث حينها وسط ركام أوطان تهاوت، وتفوح من تحتها رائحة الدم والدموع، وتجرّع أهلها مرارة الألم وغصة الندم، حيث تُعيد الحوارات مع المسكري القراءة في سير الأولين كاشفة عورات المتواطئين والمتخاذلين والمتآمرين عند بوابات الخروج الكبير من سياق التاريخ.
◄ حقيبته المتخمة بالخبرة الدبلوماسية والسياسية والبرلمانية والثقافية والرياضية جعلته مؤهلا عن جدارة ليكون قارئا وخبيرا وصاحب رؤية
ولعل تلك الأهمية لحوارات الشيخ سيف بن هاشل المسكري، خاصة أحاديثه عن الأمن القومي العربي ومستقبل التعاون الخليجي، تأتي من كون الرجل تولّى منصب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، خلال فترة كانت حافلة بالتغيرات الدراماتيكية التي كان من أبرزها الغزو العراقي للكويت وتبعاته التي مازال يعانى منها العرب حتى الآن.
فقد شغل الشيخ سيف بن هاشل المسكري منصب الأمين العامٍّ المساعد للشؤون السياسيّة بمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة (1987 – 1993)، وكان عضواً بالهيئة الاستشاريّة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجيّ (1999 – 2007).
وقد عُرف بأنه صاحب تجربة دوليّة عريقة في مجال العمل الدبلوماسيّ؛ حيث عمل كقائمٍ بأعمال سفارة سلطنة عمان في المغرب وقنصلٍ عامٍّ للسلطنة لدى سويسرا، كما عمل كمندوبٍ دائمٍ لسلطنة عمان لدى المكتب الأوروبيّ للأمم المتحدة والمنظّمات الدوليّة المتخصّصة في جنيف.
وإلى جانب ما تمتّع به من خبرات خليجية وعربية ودولية في المجال الدبلوماسي، فقد تمّ اختياره من قبل سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد ليكون عضواً في مجلس الدولة في الفترة ما بين 1998 – 2007. كما تولى سابقا منصب وكيل وزارة السياحة بسلطنة عُمان، وعمل كذلك نائباً لرئيس مجلس الإدارة وعضواً في المجالس الإداريّة لعدد من كُبريات الشركات، من ضمنها البنوك التجاريّة، وقد ساهم كل ذلك في جعله خبيراً بامتياز في العديد من المجالات.
وتأتي مجموعة الحوارات التي تضمنها كتاب “أوطان آيلة للسقوط: حوارات مع الشيخ سيف المسكري”، لمؤلفه عاصم رشوان، والصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر، لتُسلّط الضوء على حقائق قد تبدو غائبة عن الكثيرين نكشف من خلالها عن تفاصيل الغواية الكبرى التي انتهت إلى إطلاق شرور الفتنة النائمة من قمقمها لتبلغ الحرث والنسل وتجعل من الأوطان هياكل آيلة إلى السقوط ممزقة نسيجها الاجتماعي منتهكة لكل المحرمات.
قراءات متأنية
رأى عاصم رشوان، تلك الحوارات بمثابة متابعات لمراقب ظلّ يرصد ما يجري في سلطنة عمان ومنطقة الخليج وما حولها لأكثر من ثلاثين عاماً تارة عن بُعد وأخرى عن قُرب، كانت كلها مشحونة بالأحداث التي غيّرت وجه المنطقة، ولا تزال تواصل تغييره وربما تغيير خرائطه السياسية والاجتماعية.
وقد جاءت حوارات المسكري لترصد ما جرى ويجري، ونستقرئ ما هو آت، حيث انطلق عاصم رشوان في كتابه “أوطان آيلة للسقوط: حوارات مع الشيخ سيف المسكري”، من قراءات متأنية لحوارات متعددة ومتنوعة أجراها هو وآخرون، ونشرتها وسائل الإعلام المختلفة، المحلية والخليجية والعربية، مُعيداً قراءتها من جديد متجولاً في ثنايا أفكارها، محاولاً تحليلها واستنطاقها علها تبوح ببعض من المسكوت عنه، فجاء الكتاب بمثابة محاولة جادة لرصد الواقع، و اجتهاد دؤوب لاستقراء المستقبل.
ولم يتوقف الشيخ سيف بن هاشل المسكري عن قراءاته الصائبة في الغالب للمشهدين الخليجي والعربي حتى بعد خروجه من منصبه الرفيع في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، ولم يغمض عينيه عن الواقع المحلي باعتباره نسخة متكررة إلى حد بعيد من الصورة العامة للمجتمعات العربية، وظل هو “الحاضر الغائب” عند كل حدث أو أحداث قد تفاجئ الجميع بها، بينما كان هو من أوائل من حذروا من وقوعها منذ سنوات خلت.
وتستند رؤية الشيخ سيف بن هاشل المسكري للمستقبل إلى معلومات وتحليلات علمية محدّثة باستمرار قد لا يجد نظراؤه في العمل السياسي والدبلوماسي متسعاً من الوقت للاطلاع عليها.. يَضاف إلى ذلك أنه صاحب سمات شخصية نادرة.. وابتسامة تخفي وراءها قدراً وافراً من الدهاء والذكاء مجتمعين. يتقن بالفطرة فن التعامل مع الآخرين على اختلاف طبائعهم ومشاربهم. ويعرف جيداً كيف يكسب الخصوم ولا يخسر الأصدقاء. قليل الكلام، يعرف جيدا متى يصمت ومتى يتحدث.
في كواليس السياسة الدولية
بدأ الشيخ سيف بن هاشل المسكري حياته العملية موظفاً في المراسم بوزارة الخارجية العُمانية، مرافقاً لوفود رسمية عديدة ورؤساء دول وحكومات من أبرزهم الرئيس الإيطالي جيوفاني ليوني الذي منحه وساماً بدرجة ضابط في الجيش الإيطالي. كما كان ممثلاً للخارجية في لجنة احتفالات العيد الوطني التي كان يرأسها حينذاك ثويني بن شهاب الممثل الخاص للسلطان قابوس، وكان من أعضائها نايف عبيد السلامي ممثلاً للشرطة، يستقبلون الوفود الإعلامية أيضاً حين كان فهد بن محمود آل سعيد وزيراً للإعلام والثقافة ووكيله حسن سعيد، وفي ما كان عبد العزيز بن محمد الرواس رئيساً لمكتب الإعلام في ظفار.
تمكن الشيخ المسكري من اكتساب اللغة الفرنسية حيث التحق بأحد المعاهد لدراستها، ما أهّله حينها للقيام بمهمة الترجمة في ما بين وزير الدولة للشؤون الخارجية حينها قيس بن عبدالمنعم الزواوي والوزراء الزائرين الذين يتحدثونها، خاصة الأفارقة، ثم ابتعث إلى جامعة أكسفورد لمدة سنة لدراسة العلوم السياسية والقانون الدولي والتجارة الدولية بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية.
بقي في الديوان العام لوزارة الخارجية بمسقط حتى بدايات عام 1980 حين تم ترشيحه لتولي شؤون السفارة العمانية في الرباط، الأمر الذي مثّل نقلة نوعية مهمة في حياته العملية، فقد كانت علاقة البلدين يشوبها نوع من الفتور نظراً إلى أن عمان أرسلت سفيراً لها في الرباط شبيب بن تيمور بينما بقيت المغرب لعدة سنوات من دون أن تفتح سفارة لها في مسقط التي قررت تقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى قائم بالأعمال بالنيابة.
وقد أظهرت رحلته إلى المملكة المغربية قدراته الفائقة في صناعة العلاقات القوية مع مراكز القرار، واستثمارها في خدمة المصالح العُمانية العليا، مشكلة انطلاقته النوعية في العمل الدبلوماسي.
وعاد الشيخ سيف بن هاشل المسكري، إلى مسقط، وفي اليوم الثالث من عودته إلى الخارجية استقبله وزيرها يوسف بن علوي الذي ارتبط معه حينها بعلاقة متميزة لم تكن من منطلق الرئيس والمرؤوس، وتولى المسكري رئيس دائرة العلاقات الثنائية بدائرة الشئون العربية بوزارة الخارجية.
وفي تلك الفترة كان هناك زخم سياسي على مدار الساعة تقريباً، حيث الحرب العراقية – الإيرانية، وبدايات تأسيس مجلس التعاون الخليجي وجهود المصالحة مع اليمن الجنوبي ولجنة الحدود الفنية.. كل هذه القضايا كانت تتطلب بذل الكثير من الجهد للمتابعة عن قرب، كما أنها ساهمت في اقترابه اللصيق من كواليس السياسة الخارجية العمانية.
وخلال فترة مسؤوليته عن ملفات العلاقات الثنائية، ظل قريباً من الوزير بن علوي، دائماً يسافر بصحبته في كل اجتماعات مجلس التعاون، كما كان عضواً في اللجنة الفنية للحدود بحكم موقعه وكذلك في لجنة التفاوض مع اليمنيين برعاية كويتية.
الانتقال إلى جنيف
وذهب الشيخ سيف بن هاشل المسكري، إلى جنيف مندوباً دائماً للسلطنة لدى الأمم المتحدة بدرجة مستشار حيث كان أول عماني في هذا الموقع الذي شغله تونسي الجنسية، فقد سبق للسلطنة الاستعانة بمجموعة من السفراء من تونس ومصر والمغرب.
ومرة أخرى يعود المسكري إلى ديوان عام الخارجية ليبتعث من جديد إلى جنيف، لكن هذه المرة مندوباً دائماً بدرجة سفير، وخلال هذه الفترة رأس مجموعة سفراء مجلس التعاون في جنيف التي كانت بالتناوب.
◄ تولى مناصب سياسية مُهمة عمانياً وخليجياً، وقام بأدوار سياسية بقيت في الذاكرة العمانية، وأسهم في الحياة البرلمانية والثقافية والرياضية العمانية
وجاءت متابعة المسكري ومشاركاته المتواصلة في المؤتمرات التي تعقد بمقر الأمم المتحدة في جنيف، لتجعل فهمه للقضايا الدولية أكثر عُمقاً.
وبعد انتهاء فترة عمله في مجلس التعاون الخليجي عاد إلى ديوان عام وزارة الخارجية العمانية رئيسا للدائرة الإعلامية، ثم تم اختياره وكيلا لشؤون السياحة في وزارة الصناعة والتجارة، وكان هذا هو المنصب الأول من نوعه في سلطنة عمان تمهيدا طبيعيا لإنشاء وزارة للسياحة في سلطنة عمان، وقد وضع المسكري آنذاك أول إستراتيجية عمانية للسياحة.
والى جانب العمل الدبلوماسي والسياسي والبرلماني، شغل مناصب عامة من بينها رئيس اتحاد كرة القدم ورئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العماني.
وينتمي المسكري إلى واحدة من القبائل العمانية المعروفة بانتشارها ما بين السلطنة وسواحل شرق أفريقيا، حيث كان والده – الشيخ هاشل بن راشد المسكري – من أبرز قادة الحركة الثقافية والتنويرية العربية في زنجبار، وهو مؤسس ورئيس تحرير مجلة “الفلق” التي كانت تصدر في أربعينات القرن الماضي في زنجبار باللغة العربية.