"الشهد المر" دراما إماراتية مشوّقة تعد بجزء ثان

يدور المسلسل الإماراتي “الشهد المر” في فترة الخمسينات من القرن الماضي حول عائلة تعمل في التجارة، مهنة تتوارثها عائلة طارش أبا عن جد. يتولى الابن الأكبر سهيل إدارة هذه الثروة بعد رحيل أبيه ويسعى جاهدا للحفاظ عليها، بينما ينغمس أخوه الأصغر شاهين في نزواته وأطماعه. ولكن ماذا سيحدث بعد وفاة سهيل المفاجئة؟
حملت الحلقات الأولى من المسلسل الإماراتي “الشهد المر” المعروض حاليا على قناة “أبوظبي” تمهيدا مناسبا لما سوف نطالعه خلال الحلقات القادمة، وذلك عبر قصة شقيقين مختلفي الطباع، أحدهما يتمتع بسمعة طيبة، حتى أن أبناء قريته يحكّمونه للفصل في خلافاتهم، والآخر معروف بطباعه السيئة، وينفر منه القريب والبعيد.
لم يجد والدهما بدا من ترك إدارة ثروته للأول مخافة أن يضيعها الآخر، لكن القدر كان له شأن آخر، إذ يفارق الأول الحياة ويبقى شقيقه ليزرع بذور الشر بين الإخوة والأقارب.
و”الشهد المر” مسلسل تشارك فيه نخبة من النجوم والنجمات المتميزات من الإمارات والخليج العربي، بينهم زهرة عرفات وهيفاء حسين وإبراهيم الحساوي وفخرية خميس وحبيب غلوم وعبدالله الطراروة ومنصور الفيلي وإبراهيم سالم وأحمد الأنصاري، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة.
والعمل من تأليف إسماعيل عبدالله، وإخراج البحريني مصطفى رشيد. وصُوّرت مشاهد المسلسل بالكامل في أستوديوهات رأس الخيمة، وهو من إنتاج مؤسسة أبوظبي للإعلام.
ومن خلال الحلقة الأولى للمسلسل نستطيع التعرّف على ملامح الشخصيات المشاركة، ففي صباح أول أيام العيد يرفض شاهين الذي يؤدّي دوره الفنان إبراهيم الحساوي مصافحة غريمه سرور (علي جمال) داخل المسجد، وسط استهجان أهل القرية من تصرفه.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل يدعو شاهين غريمه إلى مباراة بالثيران كرهان. حين يفوز سرور بهذا الرهان الذي اتفقا عليه. يتراجع شاهين عن وعده بل يتشاجران ويوجه كل منهما الإهانة للآخر، وحين يُحكّم أهل القرية سهيل للفصل في ما بينهما يحكم سهيل لصالح سرور، ويأمر شاهين للاعتراف بخطئه، غير أن شاهين يتمادى في صلفه وغروره. ونعرف من السياق أن شاهين هو الشقيق الأصغر لسهيل، هذا الاختلاف في طباع الشقيقين ينعكس على تعامل أهل القرية مع كل منهما.
يتمادى شاهين في تصرفاته وعدوانيته، ويقدم على إحراق بيت غريمه سرور، ولا يكتفي بهذا بل يسعى إلى الانتقام من أخيه الأكبر لانحيازه إلى غريمه، ويتعاون في ذلك مع ابن أخيه طارش. يتّفق الاثنان على إحراق بيت سهيل، وبالفعل ينفذان خطتهما، ويتعرّض سهيل لإصابة شديدة يموت على إثرها.
تأخذنا بقية الحلقات إلى تفاصيل الصراع المحتدم بين شاهين وأهل قريته، ومحاولاته الاستيلاء على ثروة أخيه والسيطرة على زعامة القرية بعد وفاته، ونتعرّف على عقدته الشخصية التي تسيطر عليه جراء شعوره بتفضيل والده لأخيه الأكبر.
هذه الفوارق بين الشخصيات ودوافعها النفسية تبدو كنمط متكرّر بين أكثر من شخصية في المسلسل، نراها متمثلة في زوجتي سهيل: موزة التي تؤدّي دورها الفنانة زهرة عرفات، وشمس (هيفاء حسين) وكذلك في شخصيتي طارش وحمد ابني سهيل.
يُقدم شاهين على تزوير أوراق الملكية التي تُثبت تنازل أخيه له عن ثروته قبل وفاته، وينقسم أهل القرية بين مصدق له ومكذب، غير أن الأحداث تتخذ أبعادا أخرى حين تتصاعد مع مرور الحلقات وتبدأ العديد من التفاصيل في التكشّف.
تدخل حليمة (عايشة عبدالرحمن) على خط الأحداث حين تفضح شاهين، وتخبر الجميع أنه سبق وحاول الاعتداء عليها، فيهدّدها بقتل ابنها عطشان (عبدالله الطراروة) الذي يُعاني من اضطرابات نفسية، ويدعوه أطفال القرية بـ”الخبلان” (المجنون).
ومن هناك تتخذ الأحداث منحى آخر حين يعود حمد ابن سهيل الذي يؤدّي دوره الفنان ياسر النيادي إلى القرية مطالبا بحقه في ثروة أبيه، فيحتدم الصراع بين جميع الأطراف مجددا.
وحظي “الشهد المر” بردود فعل إيجابية على المستوى الخليجي، كما فاز بالتصويت كأفضل عمل درامي خليجي عرض في شهر رمضان المنقضي. وعلى الرغم من العراقيل الكثيرة التي أحاطت بتصوير المسلسل والمرتبطة بانتشار فايروس كورونا، إلاّ أن فريق العمل استطاع التغلب عليها وخرج بصورة جيدة، كأحد أفضل الأعمال الدرامية الإماراتية التي أنتجت خلال السنوات القليلة الماضية
يسيطر على حلقات المسلسل طابع التشويق والإثارة، ونجح مخرج العمل في استحضار أجواء الخمسينات عبر توظيفه للديكور والتجهيزات المصاحبة. كما يحسب للمسلسل استخدامه للغة حوارية سهلة دون استغراق في استخدام اللهجة المحلية الإماراتية، ما ساهم في انتشار العمل خليجيا.
وتميز الفنان السعودي إبراهيم الحساوي في دور شاهين، واستطاع تجسيد هذه الشخصية المحورية بكل ما تتسم به من أطماع وعقد نفسية، وإن بدت بعض تصرفاتها الجامحة في حاجة إلى تبرير أو معالجة أفضل.
ومن بين الأدوار المهمة في المسلسل تبرز شخصية عطشان التي قدّمها ببراعة تحسب له الفنان الكويتي عبدالله الطراروة الذي يجيد التعامل مع مثل هذه الأدوار المركبة. كما تميّزت الفنانة العمانية فخرية خميس في تجسيدها لدور حمدة، وأيضا الفنان الإماراتي حبيب غلوم الذي أجاد تجسيد دور غانم.
ويحسب للمسلسل أنه أتاح الفرصة لعدد من الوجوه الإماراتية الجديدة مثل ياسر النيادي وفؤاد القحطاني وهيا القايدي، وهي وجوه كان لها حضور مميز في السياق الدرامي للعمل، والذي يبدو أن نجاحه قد فتح شهية الشركة المنتجة له التي أعلنت أخيرا عن نيتها إنتاج جزء ثان منه خلال الأشهر القادمة.