الشركات المغربية تخطط لتوسيع الاستثمار في الأمن الرقمي

تجمع أوساط قطاع الأعمال والتكنولوجيا في المغرب على حتمية تكثيف الشركات المحلية لاستثماراتها في كل ما يتعلق بالأمن السيبراني مما سيعزز مكانتها داخل الاقتصاد بعدما اتخذت مشاريع الرقمنة مسارا متسارعا لتحقيق الإيرادات والأرباح في ظل ما خلفته الجائحة.
الرباط – يحث قطاع الأعمال والشركات وخاصة الصغيرة والمتوسطة في المغرب الخطى من أجل وضع أسس جديدة تساعدها على مواجهة الثغرات الرقمية التي تعترض أنشطتها التجارية عبر الإنترنت والتي تزايدت خلال فترة الجائحة.
ويؤكد الفاعلون في الاقتصاد المغربي والمسؤولون على حماية البيانات على أهمية تعاون شركات قطاع الأعمال في المجال الرقمي خاصة وأن معظم معاملات القطاعات المتداخلة بالتجارة الخارجية تعتمد قدرتها التنافسية على أدوات تكنولوجية.
ويتفق محللون وخبراء المعلومات أنه لا توجد شركة في العالم لديها مناعة رقمية تامة أمام الهجمات السيبرانية، لكن القراصنة من روسيا أو الصين على سبيل المثال يتسهدفون عادة شركات ثرية مثل الكيانات الأميركية ويجبرونها على دفع فدية. أما الشركات الصغيرة مثلما هو الحال في المغرب فتبدو أقل اهتماما.

أعنوز عبدالحق: ثمة اتجاه عام لتوفير المزيد من الحماية لقطاع الأعمال
وأعطت قيود الإغلاق فكرة شاملة بشأن حتمية أن يتسلح قطاع الأعمال بخطة تتضمن تعزيز كفاءة أدواتها الرقمية لتكون نواة صلبة تحمي تجارتها من الاختراقات الإلكترونية.
وأبرز رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي عمر السغروشني الشهر الماضي أن مجال حماية البيانات يسهم بشكل كبير في توفير فرص العمل في كافة جهات البلاد، لاسيما من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتختص العديد من الشركات العاملة في السوق المغربية مثل “ورتنيت” في تقديم خدمات في مجال الرقمنة من خلال الاتفاقيات وابتكار حلول جديدة من أجل حماية المعطيات وتقديم المواكبة الضرورية لمنظومة الشركات العاملة في مجموعة من القطاعات.
واعتبر أعنوز عبدالحق الباحث في قانون الأعمال والتجارة الإلكترونية أن ثمة اتجاها عاما بالبلاد لتوفير المزيد من الحماية للمؤسسات وشركات القطاع العام تحديدا ضد المخاطر العالمية المتزايدة والتي تستهدف اختراق الأنظمة المعلوماتية.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “تلك الخطوات ستكون تعزيزا للثقة في الشركات وأيضا دعم الاقتصاد الرقمي وبشكل عام ضمان استمرارية الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية”.
ويرى خبراء الاقتصاد الرقمي أن الشركات التي تفشل في حماية معلومات العملاء تؤدي إلى إضعاف أرباحها والتأثير سلبا على ثقة المستثمرين فيها لسنوات.
ومن هذا المنطلق يشددون على وجوب إقناع الشركات التجارية بأهمية الأمن الرقمي كجزء أساسي من أعمالهم خاصة مع الانتقال السريع نحو الاقتصاد الرقمي الذي يعرفه المغرب والذي يعد حافزا رئيسيا لمواجه الاختراقات الإلكترونية التي تواجهها الشركات.
وأكد المصطفى ربيع مدير مركز اليقظة ورصد الهجمات الإلكترونية بالمديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات استهداف أجزاء استراتيجية من الاقتصاد المحلي. وقال إن “الهجمات الإلكترونية التي استهدفت الشركات كانت أكثر حدة من التي استهدفت الأفراد”.

نادية العراقي: الوباء جعل الاستثمار في الرقمنة مهما لتمكين الشركات
وعزا ربيع ارتفاع وتيرة الهجمات الإلكترونية خلال ندوة عقدت بالرباط مؤخرا حول موضوع “الأمن السيبراني: أية حماية في عالم تتزايد فيه الرقمنة؟” إلى لجوء الشركات إلى العمل عن بعد بينما لم تكن مستعدة بشكل مناسب ما سهل اختراقها من طرف قراصنة الإنترنت.
ووفقا لتقرير المخاطر العالمية لعام 2021 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يحتل المغرب المرتبة 34 عالميا للدول المستهدفة بالهجمات السيبرانية والثالث من حيث الهجمات على أنظمة التحكم الصناعية.
ويقول نوفل سعود المدير العام لشركة ديل تكنولوجيز في المغرب وشمال غرب أفريقيا إن الشركات التي لم تستثمر ما يكفي في تعزيز أمن أنظمتها المعلوماتية لا تستطيع منع الهجمات الإلكترونية، وأن الكيانات التي سبق لها أن تعرضت للهجمات هي من يستثمر أكثر في الأمن السيبراني.
وبحسب الإحصائيات الرسمية شهد المغرب في فترة الحجر الصحي مع استخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل مكثف، أكثر من 13 مليون هجوم إلكتروني حيث استهدفت الشركات بشكل أكثر حدة.
ويؤكد عبدالحق على ضرورة اهتمام الشركات المغربية بمجال حماية المعطيات والاستثمار فيها، في عالم يتجه نحو التحول المباشر إلى البيانات والمعلومات.
وأشار إلى أنه من الضروري أن يكون هذا التحول مصحوبًا بمستوى عال من الوعي ومجموعة قوية من القوانين والممارسات الجيدة للاستفادة من هذه التقنيات بشكل أفضل.

نوفل سعود: الكيانات التي تعرضت لاختراق تستثمر أكثر في الأمن السيبراني
ولأهمية حماية معطيات الشركات في ظل رقمنة الاقتصاد المغربي، أوضح أحمد العمومري الكاتب العام لقطاع إصلاح الإدارة بوزارة الاقتصاد أن الرقمنة تعد أمرا أساسيا للتنمية خاصة وأن الحكومة قامت بعدة إنجازات في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة.
وللتأكيد على أهمية الأمر اعتبرت سلمى بناني مديرة شركة وايف ستون المغرب المتخصصة في التحول الرقمي والأمن السيبراني أن “الأمر شبيه بالاستثمار في الإعلانات”.
وأشارت إلى أن الميزانية الحكومية السنوية لهذا الباب ينبغي ألا تقل عن 10 في المئة من الموازنة المخصصة لتكنولوجيا المعلومات مع إقرار مخطط يمتد على خمس سنوات لتطوير هذا المجال أكثر.
ووفق مؤشر ديل العالمي لهذا العام، فإن 63 في المئة من الشركات من أصل ألف منشأة حول العالم تم إجراء استطلاع حولها غير قادرة على مطابقة اللوائح المعمول بها في النشاط القطاعي.
وأظهر الاستطلاع أن نحو 61.2 في المئة من العينة أكدت أنها غير قادرة على مواجهة هجوم إلكتروني على أنظمتها المعلوماتية.
ورغم هذا المعطى فقد أكد عدد من المهتمين بالأمن الرقمي أن أغلبية الشركات المغربية لا تخصص موازنة كافية للاستثمار في هذا المجال، بذريعة ضرورة وجود عائد للاستثمار.
وأكدت نادية العراقي المديرة العامة للوكالة الوطنية للموانئ أن الجائحة أحدثت تحولا جذريا في مجال العمل والذي تطلب من الأوساط الاقتصادية الإسراع في ضمان استمرارية نشاط القطاعات الإنتاجية وهو ما يجعل الاستثمار في الرقمنة اليوم مهما من أجل تمكينها اقتصاديا.
ويتوقع باحثون من المنتدى الاقتصادي العالمي أن تولد رقمنة الاقتصاد العالمي نحو مئة تريليون دولار من الأرباح للشركات والمجتمع بحلول عام 2025.
ولكن ذلك قد يفتح طرقا جديدة يمكن من خلالها لقراصنة الإنترنت والجهات الفاعلة الخبيثة الأخرى مهاجمة الشركات الحساسة باستغلال العيوب في دفاعاتها والتأثير على عملها محليا ودوليا.
وفعليا، يشكل الأمن السيبراني تحديا رئيسيا للحكومات والشركات والمنظمات، وقد زادت الشركات المغربية موازناتها على صعيد أمن تكنولوجيا المعلومات بنسبة 11 في المئة منذ العام 2016، مقابل 4 في المئة كمعدل في العالم.