الشركات الاقتصادية شريان حياة الإعلام الفلسطيني وسبب أزمته

حركة حماس توجّه بعدم نشر الإعلانات في الصحافة المستقلة.
الثلاثاء 2021/01/26
الأزمة تطال الجميع

تعتبر الشركات الاقتصادية المصدر الرئيسي لتمويل وسائل الإعلام الفلسطينية عبر الإعلانات ورعاية البرامج في الإذاعة والتلفزيون، لذلك فإن الضربة القاسية التي وجهها فايروس كورونا للاقتصاد انعكس صداها مباشرة على الإعلام والصحافيين في القطاع الخاص.

رام الله – تتعرض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية إلى أزمات مالية خانقة أدت إلى تسريح العشرات من الموظفين جراء جائحة كورونا التي أصابت الاقتصاد في معظم الدول، فقد أفلست الكثير من الشركات الصغيرة وحاصرت المتوسطة منها، وبالتالي لم تعد الإعلانات ضمن أولوياتها.

وتعتمد وسائل الإعلام الفلسطينية على الخدمات الإعلانية كمصدر أساسي للتمويل. وفي شهر مارس 2020 أوقفت العديد من الشركات إعلاناتها في وسائل الإعلام، وألغت شركات أخرى الاتفاقات السنوية التي تنتظرها وسائل الإعلام، فأحدث هذا خسائر مادية كبيرة تضاف إلى خسائر الرعايات للتغطيات الإعلامية والبرامج خلال فترات عيد الفصح وشهر رمضان، والتي كانت تساهم بتغطية أشهر من الموازنات السنوية.

وأكد شريف حج علي، مدير التواصل في المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية “مدى”، أن “الأزمة المالية الناتجة عن جائحة كورونا عصفت بالإعلام الفلسطيني“.

وأشار إلى أن “وسائل الإعلام الفلسطيني تعتمد بشكل رئيسي على الإعلانات التجارية كمصدر دخل رئيسي، غير أن غالبية الشركات أوقفت إعلاناتها إثر سياسة الإغلاقات التي فرضها كورونا”.

ويتوالى تسريح الصحافيين والموظفين في مؤسسات إعلامية فلسطينية، والاثنين أعلن 17 صحافيا، في الفضائية التابعة لجامعة النجاح الوطنية (غير حكومية)، في مدينة نابلس (شمال)، انتهاء عقودهم، بعد مسيرة مهنية حافلة.

وكانت إدارة الجامعة قد بررت القرار في بيان بأنه يأتي جراء الأزمة المالية الناجمة عن جائحة كورونا. وأشارت إلى أنه تقرر تحويل الفضائية إلى تلفزيون محلي وإذاعة، وإعادة هيكلة العاملين فيها، وتم إغلاق مكاتب الفضائية في باقي المحافظات الفلسطينية.

وسبق أن أعلن 11 صحافيا في إذاعة “أجيال”، برام الله انتهاء عملهم بالإذاعة بعد شهور من المعاناة المستمرة من ضيق الحال وقلة الأعمال، بسبب ما تمر به المناطق الفلسطينية من إغلاقات وحظر تجوال.

ويقول صحافيون يعملون في عدد من وسائل الإعلام المحلية، إنهم يتلقون أنصاف رواتبهم منذ بداية الجائحة، غير أنه لا أمل يلوح بالأفق لنهاية قد تعتبر سعيدة لهذه الأزمة.

600 صحافي يعملون في المؤسسات الإعلامية الخاصة في وجه العاصفة بسبب تداعيات وباء كورونا

وأفاد فراس الطويل، أحد العاملين السابقين في “أجيال”، أن إدارة الإذاعة دفعت بجميع العاملين للاستقالة والحصول على نهاية الخدمة، بخصم 10 في المئة من مستحقاتهم باتفاق مع العاملين، لإعادة هيكلة الإذاعة. وتابع “ما جرى في ما بعد أنه تم الاستغناء عن الجيل القديم، وإبرام عقود جديدة مع زملاء شباب”.

وأضاف “دُفعنا للاستقالة وتمت التضحية بنا، عملت وبقية الزملاء منذ بداية جائحة كورونا حتى نهاية العام 2020 بنصف راتب، على أمل الخروج بالإذاعة التي تعد بيتنا الثاني إلى بر الأمان”.

ومنذ عام 2008 عمل الطويل مقدم برامج في إذاعة “أجيال”، ويعد واحدا من أبرز الأصوات فيها. وقال الطويل “الصحافة الفلسطينية هي الخاسر، ولست أنا كشخص”. وأفاد نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبوبكر، أنه تنبأ بأزمة مالية تعصف بعدد كبير من وسائل الإعلام الخاصة.

وأرجع ذلك إلى الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الفلسطيني إثر جائحة كورونا، والتحول الذي طرأ على الترويج للمنتجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا عن الكثير من الوسائل السابقة من إذاعات وجرائد ومجلات وتلفزيونات.

ووقع أبوبكر العام الماضي اتفاقا مع وزارتي العمل والإعلام في الحكومة الفلسطينية، لعدم تسريح الصحافيين من عملهم وضمان رواتبهم أو دفع 50 في المئة منها، على أن تبقى حقوقهم مصونة بعد تحسن الحال.

ويعقد أبوبكر سلسلة اجتماعات دورية مع ممثلي القطاع الاقتصادي والحكومة ومالكي وسائل الإعلام. كما بيّن أنه طلب من الحكومة الفلسطينية إعفاء المحطات الإذاعية والتلفزيونية من رسوم الترددات السنوية، لاستثمار المبلغ كرواتب للعاملين.

وأشار إلى أن “قطاع الإعلام الخاص يوفر فرص عمل لنحو 600 صحافي، وأن استمرار الأزمة يعني أن الإعلام الفلسطيني في وجه العاصفة، وأنه يواجه أزمة كبيرة، نأمل حلها”.

Thumbnail

ويطالب أيضا ممثلو وسائل الإعلام الفلسطينية بإلغاء كافة أنواع الضرائب ومنح كل مؤسسة إعلامية قامت بتسديد ما عليها من ديون فترة سماح، والعمل على مساعدة وسائل الإعلام في المصاريف التشغيلية من موظفين ومصاريف تنقل واتصالات وكهرباء وإنترنت، لاسيما أن كافة أنشطة وبرامج وسائل الإعلام أصبحت خدمية.

ومنذ مارس الماضي، أعلنت الحكومة الفلسطينية سلسلة إغلاقات وإجراءات لمواجهة فايروس كورونا، بينها الإغلاق الشامل. وفي أكتوبر الماضي، توقع البنك الدولي انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 8 في المئة خلال 2020، تحت تأثير أزمتي جائحة كورونا وتعطل تحويل عائدات المقاصة من إسرائيل، وتباطؤ اقتصادي بدأ في 2019.

وقال البنك في تقرير له “بعد 3 سنوات متتالية من نمو اقتصادي يقل عن 2 في المئة، أثبت عام 2020 أنه صعب للغاية حيث يواجه الاقتصاد الفلسطيني ثلاث أزمات تشد كل منها الأخرى”.

وحسب البنك الدولي، الأزمات الثلاث تتمثل في “تفشي جائحة كورونا، وتباطؤ اقتصادي حاد، ومواجهة سياسية أخرى بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، عطّلت تحويل إيرادات المقاصة”. وبشأن الوظائف، ذكر التقرير أن 121 ألف شخص فقدوا وظائفهم في الربع الثاني من 2020 مع تفشي الجائحة.

غير أن الأسباب السياسية تلقي بثقلها على وسائل الإعلام بشكل كبير، لاسيما في قطاع غزة، إذ تقوم الأجهزة الأمنية التابعة لحماس بتوجيه الشركات الكبرى بضرورة عدم بث نشاطاتها ورعاية برامج في وسائل الإعلام المستقلة، وعدم نشر أي إعلانات فيها حتى لا يتم كسب أي دخل مالي لها، بالإضافة إلى حالة الفوضى والصراعات والحروب في عدد من الدول العربية، ما أدى إلى  صرف الكثير من التبرعات إلى جهات أخرى بعيدا عن الإعلام، فكانت توجه الأموال لإنقاذ حياة المتضررين في الدول العربية التي تئن تحت وطأة الصراع.

وقال الإعلامي عرفة البنداري المختص في الشؤون العبرية “لا أعتقد أن الأزمة المالية يمكن أن تكون السبب الرئيسي في غلق تلك المؤسسات، فهناك إجراءات إدارية وتنظيمية يمكن اتخاذها لتقليص النفقات والتغلب على الأزمة المالية كإعادة الهيكلة أو اندماجات مع كيانات أخرى”.

وأضاف “أعتقد أن حماس تعمل عن قصد لغلق المؤسسات الإعلامية من أجل المزيد من إحكام السيطرة على القطاع، لتحجيم الدور ودمجه في صوت واحد فقط لضمان المزيد من السيطرة عليه، وخروج صوت واحد يعبر عن آراء حماس الرسمية فقط ولا يتطرق إلى معاناة المواطنين في الشارع”.

18