"الشرقي والغربي" دراما عن الطبقية والصراعات الاجتماعية في المغرب

إخراج رصين وأداء تمثيلي قوي أظهرا تحكم العائلات في مصائر أبنائها.
الاثنين 2025/03/17
خلافات بين العائلات وصراعات على الجاه والنفوذ

يأتي مسلسل “الشرقي والغربي” الذي يعرض خلال رمضان الحالي ليصور البعض من مظاهر الاختلاف الطبقي داخل المجتمع، حيث يركز على قضايا عائلات فقيرة وأخرى ثرية والصراعات بين الأجيال، إلى جانب قضايا سكان القرى والمشكلات النفسية، ونجح في إظهارها جميعها بطاقم من الممثلين المبدعين رغم وقوع السيناريو في المبالغة أحيانا.

تدور أحداث مسلسل “الشرقي والغربي” للمخرج المغربي شوقي العوفير حول صراع بين عائلتين متناقضتين، إذ تتشابك المصالح الاجتماعية وتتصاعد التوترات بين أفرادها. العمل من تأليف سامية أقريو ونورا الصقلي، ويشارك في بطولته كل من نسرين الراضي، حسن فولان، حنان الإبراهيمي، عبدالله ديدان، عبدالله شكيري، ونورا الصقلي.

تبرز الحلقات العشر الأولى للمسلسل فكرة الصراع بين العائلتين المتناقضتين الظاهرة في عنوان “الشرقي والغربي”، إذ يتجسد التوتر الاجتماعي في اختلاف الطبقات الاجتماعية والتقاليد المتعارضة في بعض قرى المجتمع المغربي، عندما تتحكم العادات والتقاليد في اختيار شريك الحياة وتحدد مصير الأفراد، وهي مواقف شائعة في العديد من العائلات المغربية التقليدية، مثل رفض العائلتين لعلاقة الحب بين الشاب والفتاة نتيجة اختلاف الطبقات الاجتماعية، وهذا يمثل الصراع الاجتماعي القائم على قضايا الميراث العائلي والنظرة التقليدية للزواج والعلاقات، وغالبا ما يكون بسبب السعي للحفاظ على سمعة العائلة وتقوية الروابط مع عائلات أخرى تعتبر ذات نفوذ أو مكانة أعلى.

وتلعب العائلة دورا محوريا في تشكيل قرارات الأفراد، ومع أن المسلسل يعرض ذلك بأسلوب متطرف لكنه يبرز الواقع الذي يعيش فيه الكثيرون، عندما تظل العائلة المصدر الأساسي للنفوذ والسيطرة في اتخاذ القرارات الحاسمة مثل الزواج والميراث.

الإضافة الرائعة في هذا العمل كانت بروز الوجوه الشابة بأداء قوي إذ استطاعت تجسيد شخصياتها بمهنية وإقناع

ويصور المسلسل تجارة الكوكايين كمصدر رئيسي للثروة والنفوذ في عائلة إسماعيل الشرقي، وهو ما يتناقض مع القيم الاقتصادية الطبيعية في البوادي، فتجارة المخدرات في المجتمع المغربي حتى وإن كانت مشكلة حقيقية في بعض المناطق، يبقى أسلوب طرحها في المسلسل مبالغا فيه يشوه أصالة البوادي والقرى المغربية.

وفي خضم المشاهد نجد فكرة التفاوت الاقتصادي بين العائلتين “الشرقي والغربي” التي توضح الاختلافات الطبقية في المجتمع المغربي، فالعائلات الثرية غالبا ما تتمتع بنفوذ اجتماعي قوي، بينما العائلات الفقيرة تظل تعاني من التهميش والصراعات اليومية، مثل شخصية مليكة الغربي التي تقاتل من أجل الحصول على احتياجات أساسية مثل المياه والموارد الزراعية.

وتطغى على المسلسل العديد من مشاهد الفساد الاقتصادي والإداري، حيث نرى تشابك المصالح الشخصية مثل علاقة عميد الشرطة مصطفى زوج مليكة الغربي بالأموال غير المشروعة، هذه النقطة تبين هشاشة السلطة أمام قوة المال في بعض المناطق المغربية التي تشهد تجاوزات فساد أو استغلال للموارد من قِبل البعض بهدف تعزيز مصالحهم الشخصية على حساب الآخرين.

وتظهر الشخصيات في المسلسل مكبوتة نفسيا، فتخلف نزاعات مستمرة بين أفراد عائلة الشرقي وعائلة الغربي، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية وعاطفية مشوهة اجتماعيا، خاصة مع شخصية عبلة التي تواجه ضغوطا نفسية كبيرة بسبب تعرضها للاغتصاب وهو مشهد غير مقنع حقيقة ويبدو مقحما، جعل المسلسل يبدو وكأنه مسلسل أو فيلم هندي، كالحب المحرم والصراع مع أفراد عائلتها، والتأثير النفسي الناتج عن هذه الصراعات المؤدي إلى عواقب خطيرة، مثل تعاطي المخدرات أو الانتحار كما يظهر مع شخصية مهدي الغربي.

ويتمثل أحد الجوانب النفسية الهامة في المسلسل في محاولة بعض الشخصيات تحديد هويتها في إطار توقعات المجتمع، مثل شخصية خدوج زوجة إسماعيل الشرقي، ويظهر ذلك في صراع الشخصيات حول مكانتها الاجتماعية والكيفية التي يجب أن تتصرف بها لكي ترضي المجتمع، سواء كان ذلك من خلال طريقة الزواج أو العمل أو حتى الاختيارات الشخصية للأذواق، ويؤدي كل ذلك إلى خلل في حياة الشخصيات داخل المجتمع.

pp

ويمر العديد من الأفراد في المسلسل بتطورات شخصية كبيرة نتيجة للصراعات المستمرة التي يواجهونها مثل شخصية يعقوب ابن إسماعيل الشرقي الذي يمثل جيلا شابا يتمرد على قيود عائلته، ويعاني من خلافات عائلية، وهذا يضعه في صراع داخلي بين رغباته الشخصية ومتطلبات العائلة، وأيضا شخصية عبلة التي تعيش مشاعر مختلطة بين الحب والخيانة العائلية، بينما يحاولان إيجاد توازن بين رغباتهما الشخصية في الحب والحرية وبين الواجبات العائلية والضغوط المجتمعية.

وتم تقديم مشاهد مصانع الكوكايين في المسلسل بأسلوب مبالغ فيه، أقرب إلى حبكات الدراما الهندية منها إلى الواقع المغربي، فتصوير هذه المصانع وكأنها إمبراطوريات قائمة بذاتها داخل القرى المغربية يتنافى مع طبيعة المجتمع المحلي، إذ إن قضايا الاتجار بالمخدرات بهذه الطريقة لا تتخذ هذا الطابع الضخم والأسطوري، وهذا الطرح يسيء إلى صورة البوادي المغربية التي تتميز بتقاليدها العريقة وارتباطها القوي بالأرض والزراعة، وليس بمثل هذه الأنشطة الإجرامية المصورة بطريقة أقرب إلى الخيال الهندي منها إلى الواقع.

"الشرقي والغربي" يجسد التوتر الاجتماعي في اختلاف الطبقات والتقاليد المتعارضة في بعض قرى المجتمع المغربي

وافتقر مشهد الاغتصاب وطريقة تجسيده في المسلسل إلى الحساسية الاجتماعية والثقافية، إذ تم تقديمه بأسلوب درامي مقحم لا يخدم الحبكة بقدر ما يسعى إلى إضفاء صدمة مفتعلة على الأحداث. مثل هذه القضايا رغم خطورتها ليست بالظاهرة الطاغية في المجتمع المغربي بالشكل الذي طرحه المسلسل، وهذا يجعل المشهد يبدو مفروضا على القصة بدلا من أن يكون جزءا عضويا من تطور الشخصيات، ويبرز افتقار العمل إلى التوازن في تناوله للمواضيع الاجتماعية الحساسة، ويضعف من مصداقيته لدى المشاهد المغربي.

ويتميز مسلسل “الشرقي والغربي” بإعداد دقيق للممثلين وكاستينغ ناجح ورؤية إخراجية متقنة للمخرج المغربي شوقي العوفير الذي اعتمد على أسلوب سينمائي أكثر من كونه دراما تلفزيونية، ويتجلى ذلك في ترتيب المشاهد واستخدام اللقطات ذات الفضاء السينمائي خاصة في مشاهد شخصية لطفي الذي لعب دوره الممثل عبدالله شاكيري بأداء قوي، ومشاهد دس الكوكايين داخل شركة كبيرة متعددة الخدمات، كما أن الإيقاع البصري أو السرد الدرامي منح المسلسل طابع الأسلوب السينمائي.

وقدم جميع الممثلين أداء مقنعا سواء في أدوار عائلة الشرقي مثل عبدالله ديدان، ونورا الصقلي، وحسن فولان، ونسرين الراضي، وعبدالله شاكيري، أو في أدوار عائلة الغربي التي تألق فيها كل من عزيز الحطاب، وسامية أقريو، والهاشمي بن عمر، وحنان الإبراهيمي، ومالك أخميس، بينما الإضافة الرائعة في هذا العمل كانت بروز الوجوه الشابة بأداء قوي ومبهر، مثل نهال سلامة في دور عبلة، وأشرف مسياح في دور يعقوب، وأيمن رحيم في دور مهدي، إذ استطاعوا تجسيد شخصياتهم بمهنية وإقناع، جعلوا المشاهد يصدق خرافة الكوكايين والاغتصاب.

وشوقي العوفير هو مخرج مغربي من أصول تازية ويعيش في فرنسا، ويعتبر من الأسماء البارزة في الدراما المغربية، حيث شارك في أعمال مثل مسلسل “سر المرجان”، وقدم فيلمه السينمائي “عطاتوا ليام”، ويمتلك سجلا حافلا في إخراج المسلسلات والأفلام، مثل “بغيت حياتك”، “سبع ليالي”، “باب البحر”، و”بنكالو”. كما أخرج مسلسل “نجمة وقمر” و”سوبر ماركت”، بالإضافة إلى فيلم “هوى يا هوى”، وأضاف أيضا لمساته الإخراجية المميزة في فيلم “Hors Jeu” ومسلسل “عطاتو ليام”، وهو مخرج ذو رؤية فنية واضحة ويعد من المبدعين الذين يساهمون بشكل كبير في إثراء المشهد الفني المغربي.

14