الشارع والبرلمان في الأردن متحفزان للانقضاض على الحكومة

الرزاز كمن يمشي على الجمر.. بين موازنة خالية من الضرائب وضغوط صندوق النقد الدولي.
الثلاثاء 2019/11/26
أمام اختبار صعب

موازنة العام 2020 تشكّل تحديا كبيرا بالنسبة إلى الحكومة الأردنية في ظل وجود متربصين كثر، وأولهم الشارع المستنفر والنواب الذين يستعدون لموسم انتخابي ويعتبرون النقاشات حول الموازنة الموعودة هي فرصة دعائية لا يمكن تفويتها.

عمان – تشكّل موازنة العام 2020 صداعا مزمنا للحكومة الأردنية التي تجد نفسها مضطرة إلى التوفيق بين سد العجز المالي الذي يناهز 2.4 مليار دولار، وهو رقم مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية، وبين تجنب إقرار زيادات ضريبية جديدة، يصر عليها صندوق النقد الدولي.

وتدرك حكومة عمر الرزاز أن سن ضرائب جديدة سيضعها في مواجهة مع الشارع المستنفر للانقضاض عليها في حال أقدمت على أي خطوة من شأنها أن تزيد من حجم الأعباء المثقلة على كاهله، وقد يجد في الاحتجاجات التي تعصف بالعراق ولبنان حافزا إضافيا للتحرك مجددا.

أحمد البكار: يجب الابتعاد عن الضرائب حتى تصبح هناك حركة تجارية
أحمد البكار: يجب الابتعاد عن الضرائب حتى تصبح هناك حركة تجارية

ويشهد لبنان والعراق منذ أكتوبر الماضي تحركات احتجاجية صاخبة ضد السلطة في كلا البلدين جراء سوء إدارة الأزمة الاقتصادية. وعلى خلاف المرات السابقة تجاوزت مطالب المنتفضين مسألة تحسين الوضعين المعيشي والخدماتي وإيجاد حل لمعضلة البطالة، إلى مطالب ذات صبغة سياسية تدعو إلى تغيير جذري في طبيعة النظام.

ويخشى الأردن الرسمي من أن تطاله عدوى هذه الاحتجاجات وهو الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة لا مؤشرات في الأفق عن قرب معالجتها، وسط محاولات الحكومة تجنب اتخاذ أي إجراءات اقتصادية من شأنها أن تشكّل عود ثقاب.

وسبق أن شهد الأردن في صائفة عام 2017 مظاهرات غير مسبوقة ردا على قانون جديد للضريبة على الدخل، واضطر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حينها إلى التدخل بنفسه عبر إقالة حكومة هاني الملقي وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.

وتبدو حكومة الرزاز حاليا كمن يمشي على الجمر، فهي من جهة تدرك أن خطة ترشيد الإنفاق التي بدأتها منذ أشهر ومحاربة التهرب الضريبي ليسا حلّين كافيين للخروج من مأزق موازنة عام 2020، ومن جهة ثانية هناك مطالب لصندوق النقد الدولي الذي يصر على زيادة أسعار الكهرباء والمياه لرفع الإيرادات المحلية.

وإلى جانب الشارع المستنفر هناك النواب المتحفزون بدورهم لرفض أي خيارات ضريبية، خاصة وأن معظمهم يستعدون لإعادة ترشيح أنفسهم للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها العام المقبل.

وتنتهي الدورة العادية الرابعة والأخيرة للبرلمان الأردني في مايو المقبل، وسط عدم ترجيح حلّه قبل هذا الموعد، حيث أن السيناريو الأقرب هو استمراره إلى حين إجراء انتخابات جديدة في صائفة عام 2020، وهذا سيعني أن النواب سيحاولون استغلال الأشهر التي تسبق الاستحقاق في البحث والتنقيب عن أخطاء الحكومة، ومكامن ضعفها لتصويبها، في محاولة لكسب الرأي العام.

وتشكل النقاشات حول موازنة عام 2019، الفرصة الملائمة بالنسبة إلى أعضاء المجلس النيابي، للتسويق لأنفسهم، وتدرك الحكومة ذلك وهو ما دفعها، في خطوة “ذكية”، إلى إشراكهم في إعدادها.

وفي السابق كانت الحكومات الأردنية، بما في ذلك حكومة الرزاز، تُعدّ الموازنة وتحوّلها إلى مجلس النواب لمناقشتها والمصادقة عليها، ولكن هذه المرة سيكون النواب على بيّنة من خطوطها العريضة وجزء مهم من تفاصيلها قبل أن تصل إلى مقر المجلس.

وقال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب أحمد البكار مؤخرا إنه، وبناء على توجيه ملكي، تم الاتفاق مع الحكومة على مناقشة مشروع الموازنة قبل إرسالها إلى البرلمان، مضيفا أن الأمر لا يعتبر تدخلا في الشأن الحكومي، فاللجنة المالية ليست معنية بتفاصيل برنامج الموازنة، ولكنها تحدد ملامح ما تحتاجه الدولة الأردنية. وأشار البكار إلى أن موازنة الجباية لم تحقق النمو في الأعوام السابقة، وأن هناك حاجة إلى موازنة تحقق هذا الهدف، وهنا يجب الابتعاد عن الضرائب.

وأكد ضرورة تخفيف الأعباء المعيشية عن الناس، وذلك من خلال تحسين الرواتب والأجور. وتابع “هنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار منحنيات بيانية تحدد الفئة التي يجب التركيز عليها، فلا يعقل وجود رواتب بـ220 دينارا ونحن نتفرج”.

وشدد على ضرورة أن تتضمن الموازنة هذه القضايا وإلا فلا قيمة لها. ولفت إلى أن “الماء والكهرباء من السلع الرئيسية يتحمل المواطن البسيط كلفتها، ولن نقبل أن ترفع أسعار الكهرباء والماء على المواطن، ولا يوجد جهة ضاغطة تحدد أولويات الأردن فنحن نحدد أولوياتنا التي تقتطع منها أموالنا”، في إشارة إلى صندوق النقد الدولي.

ويتساءل خبراء اقتصاد، كيف ستتمكن الحكومة من الاستجابة لمطالب الشارع والنواب في الموازنة المقبلة، خاصة في ظل تراجع الدعم الدولي والإقليمي؟ ويقول الخبراء إن رهان الحكومة على سياسة التقشف في الإنفاق قد تسدّ جزءا من العجز، وليس كله.

ويواجه الأردن أزمة اقتصادية منذ سنوات لأسباب بنيوية وخيارات اقتصادية تبنتها الحكومات المتعاقبة، التي كانت تميل إلى الحلول السهلة كالزيادات الضريبية. وتعمقت تلك الأزمة في السنوات الأخيرة مع اندلاع الأزمة في سوريا في عام 2011، وتنامي التهديدات الإرهابية. وقد انعكس ذلك بشكل واضح على قطاعي السياحة والترانزيت اللذين طالما شكّلا متنفسا مهما لاقتصاد المملكة.

ورغم عودة الهدوء خاصة إلى الحدود السورية الأردنية في عام 2018، وافتتاح معبر جابر نصيب، فإن الوضع لم يشهد تحسنا من شأنه أن ينعكس إيجابا على حركة التجارة.

2