السينما المصرية تضبط بوصلتها على السوق السعودية

السينما المصرية منفتحة منذ نشأتها على الأسواق العربية، ولكن ذلك تراجع في العقود الأخيرة، بينما وجدت الأفلام المصرية انتعاشة مؤخرا في الإقبال المتزايد عليها في الأسواق الخليجية، وخاصة منها السوق السعودية التي تشهد حركية سينمائية غير مسبوقة. هذا الواقع الجديد فرض على السينمائيين المصريين توجهات مختلفة لها تحدياتها.
القاهرة - تتجه السينما المصرية لتصبح أكثر ارتباطاً بالأسواق العربية الصاعدة، بعد أن حققت شركات الإنتاج عوائد مرتفعة بفعل الانتشار الذي حققته في السوقين السعودية والإماراتية، ما انعكس على قرارات منتجي الأفلام الذين ضبطوا بوصلتهم على نجوم شباك التذاكر في القاعات العربية، والاهتمام بقضايا يطغى عليها الجانب الكوميدي الذي يجذب شريحة كبيرة من الجمهور في دول الخليج.
وتعبر أفلام موسم منتصف العام الدراسي حاليا عن هذا التحول، إذ شهدت خمسة أفلام من بين 12 فيلمًا قدمتها السينما المصرية تواجدا للفنان بيومي فؤاد الذي حقق شعبية في السوق السعودية وتربع العام الماضي على عرش الأكثر جذباً في شباك التذاكر عبر مشاركته في خمسة أفلام أيضا، أبرزها “شوجر دادي” الذي نجح في إزاحة فيلم “فاست إكس” للنجم العالمي فين ديزل ليتصدر عوائد السينما السعودية وقت عرضه.
أهمية السوق الخارجية
تميزت أفلام هذا الموسم بغلبة الجانبين الكوميدي والترفيهي بعيداً عن المحتوى الجاد، وبدت مشاركة الفنان بيومي فؤاد جلية في أفلام: “
أبونسب” و”عصابة عظيمة” و”أنا وابن خالتي” و”في غز الضهر” و”الإسكندراني”، والأخير الوحيد الذي يفتقر للصبغة الكوميدية المباشرة، ما يعبر عن تأثير السوق العربية على شركات الإنتاج المصرية التي تراجعت عن تقديم أفلام رومانسية بعد أن شكلت سمة في أفلام الشتاء بالتزامن مع احتفالات عيد الحب.
ونقل بعض المنتجين المصريين مكاتب عملهم إلى الرياض مؤخرا، كما أن عددا من الأفلام التي يجري الإعداد لها حالياً، منها “الفيل الأزرق” الجزء الثالث، سيتم تصويره في السعودية، وهو أمر من المتوقع أن يتزايد خلال الفترة المقبلة، ما دفع شركات إنتاج إلى مطالبة الحكومة المصرية بتقديم تسهيلات لدعم الصناعة وتسهيل تصاريح التصوير وتقليل الضرائب والرسوم، حرصًا على استقرار الصناعة.
يأتي ذلك في وقت تقتنع فيه شركات الإنتاج بأنه من دون الاعتماد على التسويق الخارجي فإن إنتاج السينما في مصر سوف يواجه عثرات أكبر، لأن العوائد الدولارية من الأفلام عند طرحها في دور العرض أو تلك التي جرى تسويقها للمنصات العربية تسهم في دعم النشاط الفني، ما ينعكس على عدد الأفلام المزمع عرضها هذا العام، ويصل عددها إلى 50 فيلماً، مقارنة بـ35 فيلماً العام الماضي.
غير أن البعض من النقاد يرون أن الأساس الذي يجب أن تنطلق منه الأفلام المصرية هو السوق المحلية التي تشكل القوة الضاربة بالنسبة إلى إيرادات الأفلام تاريخيا.
يقول الناقد الفني عصام زكريا إن السينما المصرية لديها ارتباط بالسوق العربية، وهو أمر له إيجابيات وسلبيات، لكن من الصعب التعويل فقط على إنتاج السينما المحلية، وإن الاعتماد على الأسواق الداخلية فقط قد حقق نجاحاً في الدول التي يصل عدد سكانها إلى أكثر من مليار مواطن مثل الصين والهند، شريطة وجود دور عرض سينمائية كثيفة وهو وضع لا يتحقق في مصر.
ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن “السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يسعى منتجو الأفلام المصرية لتقديم محتوى فني بلغة إنسانية عالمية قادرة على الوصول إلى أكبر قدر من الأسواق، أم أن الهدف الوصول إلى منطقة جغرافية محددة خلال فترة زمنية معينة وعبر وجوه وأشخاص معروفين؟”.
الأفلام المصرية حققت في السوق السعودية أضعاف إيراداتها في مصر، وقد انعكس ذلك على طريقة تفكير المنتجين
ويشير إلى أن السينما المصرية تسلك الطريق الثاني، ما يفسر حالة التململ التي أصابت الجمهور السعودي مع تكرار وانتشار فنان مثل بيومي فؤاد في الجزء الأكبر من الأفلام خلال العامين الماضيين، فقد حدث ما يشبه التشبع، وهو ما يدل على أن السينما المصرية تسير بلا خطط لضمان الاستمرار والتواجد بشكل قوي في الأسواق العربية، وبعض المنتجين ينتظرون ما تطلبه السوق العربية بلا خطة واضحة.
ويتساءل زكريا “في حال حدث تشبع للوجوه المصرية الأكثر انتشاراً في السوق السعودية، وهي بيومي فؤاد ومحمد ثروت وعلي ربيع، هل هناك خطة لتقديم آخرين يمكن أن يشكلوا عاملا مهما في شباك التذاكر هناك؟ وهل هناك نوعيات أخرى من الأفلام المصرية بخلاف الكوميديا قادرة على جذب جمهور السوق العربية؟ وهل هناك إدراك لوجود أسواق أخرى يمكن أن تصبح محورا لتسويق الأفلام المصرية؟”.
ويشدد في حديثه لـ”العرب” على أن “شركات الإنتاج لا تملك إجابات عن هذه الأسئلة وقد يكون ارتباطها بالسوق الخليجية مرحليًا، في ظل عدم دراسة كافة الأسواق العالمية، والاستسهال الذي يجعل بعض المنتجين يقْدمون على تقديم أفلام بعينها لضمان تحقيق عائد تجاري دون التفات إلى صورة السينما المصرية ومستقبلها”.تنظر شركات الإنتاج المصرية إلى النجاحات التي حققها قطاع السينما في السعودية من إيرادات وصلت إلى ثلاثة مليارات ريال عبر 51 مليون تذكرة، منذ افتتاح دور عرض في المملكة عام 2018، وبلغ عدد شاشات العرض أكثر من 620 شاشة، وتجاوز عدد دور السينما 69 دارا، بسعة تجاوزت 64 ألف مقعد، في أكثر من 20 مدينة سعودية، بواسطة أكثر من سبعة مشغلين.
النجاح الفني والتجاري
حققت الأفلام المصرية في السوق السعودية أضعاف إيراداتها في مصر، وانعكس ذلك على طريقة تفكير المنتجين الذين يحاولون مراعاة الذوق الخليجي، وما يشجعهم أن السعودية متعطشة لتجربة مشاهدة الأفلام في دور العرض السينمائية، بجانب قلة عدد دور العرض في مصر وانخفاض أسعار التذاكر مقارنة بدول الخليج.
وتبدو شكاوى شركات الإنتاج من تراجع إيرادات السينما المصرية ومعاناتها من مشكلات بسبب نقص الدولار تفسيرا للاتجاه نحو السوق الخليجية، لكنه أمر غير مبرر لأن قطاع الإنتاج السينمائي يعتمد على العنصر البشري والموهوبين ولا توجد حاجة إلى استيراد مواد خام لا تتوفر بسبب مشكلات شح الدولار، بينما شركات الإنتاج تقول إنها تسهم في تعزيز العوائد المالية لمصر بالإيرادات الخارجية التي تكون بالعملة الصعبة.
ويؤكد الناقد الفني رامي المتولي أن جذب السوق الخليجية لشركات الإنتاج مسألة إيجابية، لأن الفن المصري يتم تقديمه بنفس الشكل والرؤية التي يتم عرضها في الداخل، وأن سيطرة نجوم بأعينهم على شباك التذاكر في تلك الدول ومراعاة ذلك في الإنتاج عملية منطقية، فالنجاحات التي تحققها الأفلام في الخليج تشجع على وضع خطط تسويقية تتماشى مع الاحتياجات، ما ينعكس اقتصادياً على الصناعة المصرية.
ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن “المنصات الخليجية لها متطلبات لا بد أن يلبيها الفن المصري، والنجاح الفني والتجاري يرتبط بوجود شريحة واسعة من الجمهور، ولا توجد موانع من تسويق هذه الأعمال بشكل مغاير في الداخل والخارج وعبر المنصات، ما يفضي إلى ضمان تحقيق عائد مادي يغطي كلفة إنتاج الفيلم على الأقل”.
ويلفت رامي المتولي إلى وجود قصور في عملية التسويق، وإذا جرى الاعتماد على وجوه بعينها لتحقيق عوائد مادية فذلك يعبر عن نجاح فردي للنجوم الذين حجزوا موقعهم على صدارة شباك التذاكر في بعض الدول العربية، ولا يعبر عن خطة من غرفة صناعة السينما أو اتحاد المنتجين المصريين، وأن عددا قليلا من شركات الإنتاج كيانات كبيرة تجتهد بمفردها لتحقيق عملية تسويقية ناجحة.
وتبني شركات الإنتاج المصرية خططها على توسيع دائرة السوق السعودية بوجه خاص، ومن المقرر إنشاء 350 دار عرض سينمائي بأكثر من 2500 شاشة عرض بحلول عام 2030، بحسب هيئة الإعلام المرئي والمسموع في السعودية.