السينما المصرية تبحث عن جمهورها بأفلام الأبطال الخارقين

يمثل الشباب فئة واسعة من جمهور السينما في مصر وهو ما يدعو شركات الإنتاج إلى مواكبة تطلعاته، إذ لم تعد الأفلام الكوميدية التقليدية تجتذب هؤلاء، ما يتطلب تجديدا شاملا قد يكون في الاتجاه أكثر إلى أفلام الأكشن المعاصرة بقصص مشوقة وتصورات مختلفة وأبطال غير مألوفين.
القاهرة - تبحث شركات الإنتاج المصرية عن فك شفرة تراجع الحضور الجماهيري إلى دور العرض السينمائية، حيث لاحظت وجود أفلام لا يحضرها أحد ويضطر صناعها إلى سحبها سريعا كي لا تتفاقم خسائرهم، وسط انتقادات تتعلق بعدم جودة المحتوى الفني، ما كان دافعا نحو التفكير في تقديم أفلام “أكشن” تسير على خط السينما الأجنبية التي تجذب قطاعا كبيرا من الشباب والمراهقين.
واعتقد هؤلاء المنتجون أنهم وجدوا ضالتهم في تقديم أفلام تتناول حكايات عن أبطال خارقين للعادة.
الشخصيات الخارقة والكوميديا
من المقرر عرض فيلم “تاج” بطولة وتأليف المطرب تامر حسني قبل أيام قليلة على عيد الأضحى، وتدور قصته حول مدرس موسيقى يكتشف بالصدفة أنه يمتلك قوة غريبة ليصبح بعد ذلك بطلا خارقا، ويشارك في بطولة العمل دينا الشربيني وساندي ومحمد أبوداوود وأحمد بدير وهالة فاخر وبيومي فؤاد وإخراج سارة وفيق.
قاربت الفنانة ياسمين صبري على الانتهاء من تصوير فيلم “دليلة”، وتدور قصته حول شخصية سيدة “سوبر هيرو”، وهو أول فيلم يمزج بين الأكشن والخيال العلمي تقدمه الفنانة المصرية التي اعتادت الظهور في الدراما من خلال أدوار رومانسية.
يتضمن الفيلم تقديم شخصيات تعرض لأول مرة في السينما المصرية تتجاوز إمكانياتها الحدود الطبيعية، وتجسد صبري شخصية “دليلة” التي تتحول من الضعف إلى القوة، ويسعى المخرج بيتر ميمي نحو تقديمها ضمن سلسلة “المستضعفون” التي قدم منها من قبل فيلم “موسى” بطولة كريم محمود عبدالعزيز وفيلم “الهرم الرابع”.
ظهرت ياسمين في إعلان مبدئي يروج للعمل يحمل صورة تخيلية من وحي الفيلم، وهي تمتطي دراجة بخارية وتغطي وجهها بقناع من الجلد، بعد أن تدربت على مشاهد للفنون القتالية مع مدربين مصريين وأجانب.
خطوات السينما المصرية تبرهن أن شركات الإنتاج باتت على قناعة بضرورة الخروج من سياق الأفلام الكوميدية المستهلكة
وأعلن الفنان المصري أحمد فهمي البدء في التحضير لفيلم “الرجل العناب” الذي يجسد فيه دور بطل خارق، وجرى تقديم الفكرة في مسلسل حمل الاسم نفسه، عرض منذ عشرة أعوام، بطولته وشيكو وهشام ماجد، ودارت أحداث المسلسل الذي حقق جماهيرية في ذلك الحين حول شاب مهووس بالأبحاث العلمية يكتشف تركيبة من مشروب العناب تحول الشاب البسيط إلى بطل خارق، ويواجه الرجل العناب الكثير من الصعوبات في إطار كوميدي ليصبح بطلا شعبيا متفوقا على كل القوى الأخرى.
لا تنفصل اهتمامات السينما المصرية عن توجه معلن لشركة “سينرجي” التي تعمل داخل إطار الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، نحو إنتاج عدد كبير من الأعمال تلعب بطولتها شخصيات خارقة، تماشيا مع التطور الهائل في هذه النوعية من الأفلام، وأنها تنوي تقديم أول بطل عربي خارق في السينما العربية بمواصفات عالمية.
ترتبط الشخصيات الخارقة التي تقدمها الأفلام المصرية بالجوانب الكوميدية وتبقى المؤثرات البصرية والتطورات التكنولوجية الهائلة المستخدمة في تقديم هذا النوع من الأفلام مسألة صعبة بالنسبة لشركات الإنتاج التي تواجه خسائر على مستوى الأعمال السينمائية، ومن الصعب عليها ضخ الملايين من الدولارات لتقدم عملا واحدا يمكنه ألا يجذب الجمهور في نهاية الأمر.
وتجد شركات الإنتاج المصرية نفسها بين خيارين، إما أن تقدم أفلاما بإمكانيات هائلة وقصصا قادرة على مجاراة ما تقدمه السينما العالمية كي تخاطب عقول الشباب التي تنجذب إلى هذه الأفلام المعروضة بدور العرض في مصر، أو أن تتجه نحو تقديم أعمال خفيفة ذات طابع كوميدي يطغى على غالبية الأعمال التي عرضت السنوات الماضية، أو تقدم نماذج لأبطال خارقين، ويشكل ذلك بديلا مناسبا لجذب فئات من الجمهور التي طالما ارتبطت بالأفلام الكوميدية.
تبقى فرص النجاح في التركيز على خيار الأفلام الخارقة كبيرة، لكنها بحاجة إلى مجازفة مادية، فالمحتوى الذي يريده الشباب يجب أن يكون مصحوبا بمضمون محلي مصري ينافسها، وأثبتت التجربة أن تقديم السينما المصرية أفلاما تحمل جودة فنية عالية يجذب شريحة كبيرة من الجمهور بأطيافه المختلفة.
ويمكن قياس ذلك على فيلم “كيرة والجن” الذي عرض منذ نحو عام، بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز، وحقق نجاحا جماهيريا لافتا في تاريخ السينما المصرية، على الرغم من أن العمل حمل بعدا تاريخيا، وبدا بعيدا عن اهتمامات الشباب.
جمهور الشباب
قال الناقد الفني أحمد سعدالدين إن حكايات الأبطال الخارقين تجذب فئة الشباب في المرحلة العمرية بين 16 و30 عاما، وهؤلاء يشكلون الجزء الأكبر من جمهور السينما في الوقت الحالي، بالتالي فإن شركات الإنتاج قامت بإجراء دراسات حول اهتماماتهم وتبين لها أن هذه النوعية من المحتويات تشكل أحد عناصر الجذب.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تقديم هذه الأفلام يخدم رغبات عدد من نجوم الصف الأول ممن يخشون الدخول في منافسة صعبة وتقديم أعمال حول البطل الشعبي الذي حقق فيها الفنان محمد رمضان نجاحات مهمة.
كما أن هذه الأعمال قد تحظى بانتقادات واتهامات بالترويج للبلطجة والعنف في المجتمع، ويصبح البديل تقديم قصص عديدة لأبطال خارقين، وهو ما يعد حلا مناسبا.
وأشار سعدالدين إلى أن تقديم نسخ عربية من الأفلام الأجنبية يجذب قطاعات كبيرة من الشباب ترتبط بالسينما الغربية، ويكمن التحدي
في كيفية تنفيذها وجودة العمل وما تسفر عنه خطة الشركات المنتجة، وسوف تكون كاشفة لأي درجة يمكن أن تستطيع تقديم سلسلة من الأعمال البديعة أم أن الأمر يقتصر على تقديم عمل أو اثنين.
وحضرت أعمال الأبطال الخارقين مرات قليلة في السينما المصرية في العقد الأخير، وقدم الفنان كريم محمود عبدالعزيز عام 2021 فيلم “موسى”، ودارت أحداثه حول بطل مصنوع من بقايا الحديد يسعى إلى القضاء على قوى الشر ومساعدة الضعفاء.
وعلى مستوى الدراما قدمت الفنانة إيمي سمير غانم مسلسل “سوبر ميرو” عام 2019، وظهرت فيه كفتاة تتمتع بقوة خرافية تستخدمها لمواجهة الأشرار ومساعدة المحتاجين.
تبرهن خطوات السينما المصرية على أن شركات الإنتاج باتت على قناعة بضرورة الخروج من سياق الأفلام الكوميدية المستهلكة والبحث عن أفق يعيد صياغة علاقة الجمهور بالسينما، واللعب على وتر الحاجات النفسية للشباب، حيث يحاطون بمجموعة من الصراعات وينتظرون رؤية محتوى فني يحقق العدل والحق والخير، ولعل ذلك ما كان سببا في اللجوء إلى تقديم هذه النوعية من الأفلام التي شاعت في السينما العالمية فترة طويلة.
ويحظى الأبطال الخارقون بشغف خاص عند الجمهور العربي، وينتظر هؤلاء رؤية بطل خارق يتمكن من الانتصار على الشر ونصرة الضعفاء وتحقيق السلام بينهم، ما يجعل هذه الأفلام التي قدمت في السينما العالمية تحقق عوائد مالية كبيرة، وبقيت محفورة في أذهان المشاهدين عبر حقب زمنية مختلفة، مثل السلاسل الشهيرة “سابيدر مان” و”باتمان” و”سوبر مان” و”مستر أميركا” وغيرها.