السينما الإيرانية مرآة مشروخة في وجه النظام

السينما الإيرانية ليست فقط جميلة فنيا، بل شجاعة أخلاقيا. إنها تمشي على حد السكين، لكنها تفعل ذلك بكرامة وإصرار.
الأربعاء 2025/06/25
جعفر بناهي، المتمرّد الذي صوّر أفلامه بكاميرات مخفية

قد ينظر البعض من العرب تحديدا والمسلمون بصفة خاصة إلى الفنون على أنها “تفاهة”، لا جدوى منها، لكن حقيقة إن أردت أن تعرف حال شعب أو دولة فانظر إلى ما يقدم فيها من فن، شاهد ما يصوره مخرجوها من سينما ومسلسلات وستتكشّف أمامك حقائق كثيرة.

قد تنبئك الأفلام بأن بلدا يصير نحو تغييب شعبه وإلهائه عن صراعات كبرى، ربما بلد آخر يزرع سلوكيات غريبة عن شعبه ليرتقي به أو ليصرفه عن الكلام في ما يهمه فعلا، ستجد سلطة أخرى تضيّق الخناق على كل مبدع كي لا يضع إصبعه على بيت الداء، كي لا يصرخ فيه “أعطني حريتي أطلق يدي،” أو ينادينا شعب من بعيد “نحن نسجن، لسنا في سجون بأربعة حيطان وسجانين، نحن مسجونون بتعاليم دينية واجتماعية وسياسية لا يسمح لنا مجرد التفكير فيها ومناقشتها.”

في إيران، هذا البلد الذي يتعاطف معه العرب اليوم فقط لأنه يحارب “عدوا صهيونيا” – رغم أنه لطالما كان عدوا لهؤلاء العرب أنفسهم ويسعى لبسط نفوذه عليهم ولزعزعة استقرار دولهم – تكشف السينما الكثير، بل هي ربما القوة الناعمة الوحيدة التي لا تخدم دولتها وإنما تكشف ما يحصل على أرض الواقع، فهي وحدها من تتحدى السلطة لتصطف إلى جانب الشعب، لتقول “إننا نختنق، أنقذونا.”

حتى “تشات جي بي تي” لو سألته سيجيبك “وُلدت السينما الإيرانية من رحم المعاناة، لا كترفٍ فني، بل كسلاحٍ ناعم، يخترق جدران الرقابة ويكشف ما تحاول السلطة ستره.”

رغم قبضة النظام الحديدية، اختار مخرجون إيرانيون أن يصوغوا وجع الناس على الشاشة، أن يبوحوا بما لا يُقال. يكفي أن تشاهد ما صوره عباس كياروستمي، في أفلامه مثل “طعم الكرز”، الذي فكك فيه معنى الموت والانتحار في بلدٍ لا يسمح فيه حتى بالتفكير بالموت خارج الإطار الشرعي له، كأنه يقول “ليس من حقك أن تختار الموت، ابق هنا ونحن نأخذك إليه على مهل.”

انظر إلى سينما جعفر بناهي، المتمرّد الذي صوّر أفلامه بكاميرات مخفية، وكلما منعه النظام من ذلك ابتكر حيلة جديدة، حتى أنه صار يبلغ السلطات بمكان تصوير الفيلم، ليراقبوه مباشرة، وهو في الحقيقة يخدعهم ويرسل فرقا ثانية لتصور في أماكن أخرى.

لقد صور “هذا ليس فيلما” داخل شقته وهو تحت الإقامة الجبرية. يصفه “تشات جي بي تي” بأنه كان “يحمل الكاميرا كمن يحمل شظية في قلبه.”

بناهي، رغم السجن والاعتقال والمنع من السفر استمر في صناعة سينما عن الحياة الواقعية في إيران، و”كأن السينما قد أصبحت صلاته الوحيدة”.

مثل بناهي كثيرون، ساروا على الطريق ذاته، لمحوا النور في آخرها فسعوا نحوه وتشبثوا بحقهم في حياة قوامها “الاختلاف” والاختلاف سنة كونية و”لن تجد لسنة الله تبديلا.”

المخرج أصغر فرهادي هو الآخر رسم لوحة دقيقة عن مجتمع تمزّقه التقاليد والصراعات الطبقية، وبين السطور “كان هناك نقدٌ عميق للسلطة التي تشقّ الناس نصفين: بين ما يريدونه وما يُسمح لهم به.”

يختصر لي “تشات جي بي تي” كل ذلك بأن يقول “ليست السينما الإيرانية فقط عدسة على الواقع، بل هي مرآة مشروخة تعكس الشقوق في وجه نظامٍ يخاف الكلمة والصورة. إنها مقاومة ناعمة، لكنها أصدق من الرصاص، لا ترفع شعارات، بل تحكي قصصا تفضح ما يُخشى قوله جهرا.”

لن يقف هنا، بل هو يقول لكم “رأيي؟ السينما الإيرانية ليست فقط جميلة فنيا، بل شجاعة أخلاقيا. إنها تمشي على حد السكين، لكنها تفعل ذلك بكرامة وإصرار. وهذا ما يجعلها من أقوى أنواع السينما في العالم اليوم، لأنها وُلدت من القهر، لكنها تصرّ على الحلم.” فهل لك أيها القارئ رأي فيها؟

18