السيدة واو والسيدة إن

فجأة تحولت "نهديات السيدة واو" إلى حدث يغطي على ما حوله، فالشاعرة المحجبة والمصرة على ارتداء اللباس الشرعي، والتي لم يكن يعرفها سوى نزر قليل من أسرتها أو أصدقائها، صنعت الحدث، وبات اسم مجموعتها الشعرية مثار جدل واسع واهتمام كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، فزحف نحوها طالبو الصداقة الافتراضية والمتطوعون بإشارات الإعجاب، والراغبون في اكتشاف ما ورائيات العنوان ولاسيما أنه جاء مصحوبا بصورة تفسيرية تكشف عن طبيعة الإمكانيات "الشعرية" لصاحبته.
ومن القاهرة، جاءت صورة التونسية مريم الدباغ، وهي تتصدى للكاميرا بتفعيل حقيقي لنهدياتها، حيث ارتدت فستانا دون بطانة صالحة، وبالغت في إظهار مفاتنها أثناء تكريمها في مهرجان غريب وعجيب وغامض يحمل اسم "أوسكار العرب" يتنقل بين الدول، وتنتظم فعالياته في أجواء مثيرة، ويدار من قبل أخوة ليبيين، ويبدو أنه ميّال لتكريم الجميلات حتى لو لم يكن لهنّ أي أثر حقيقي في الساحة الفنية والثقافية.
وفي يوليو 2020، كانت الهيئة العامة للثقافة بحكومة الوفاق الوطني آنذاك، أعلنت اعتماد مهرجان "أوسكار ليبيا" لتكريم المبدعين العرب رسميا.
وقالت إن ذلك يأتي "من منطلق إيماننا بالعمل العربي المشترك، خاصة في مجال الفن والإبداع في الوطن العربي". وقد تبين أن الوزارة صرفت على تلك الدورة 25 مليون دينار، وبلغ ثمن استئجار غرف فندق 200 ألف دينار لليلة الواحدة، وجرى الحفل في كاباريه، فأحاطت به الانتقادات من كل جانب، واعتبر البعض أن الأمر يتعلق بفضيحة حقيقية، فالمهرجان لا علاقة له بالثقافة ولا بالإبداع ولا بالإعلام، وإنما هو مشكّل على أساس واحد وهو ربط العلاقات العامة، واستقطاب الأسماء المثيرة للجدل سواء على التلفزيون أو مواقع التواصل.
وفي أغسطس الماضي، ألغت وزارة الثقافة الليبية اعتماد مهرجان "أوسكار العرب"، بقرار رسمي من الوزيرة مبروكة توغي عثمان، وقد فعلت حسنا، ولكن المهرجان استمر، فالأموال تصبح كثيرة عندما تصرف في غير محلها، وهناك رعاة مستعدون للدفع الباذخ في كل الاتجاهات.
ومنذ أيام، كان مهرجان "الجونة" قد أثار جدلا واسعا ليس بسبب برنامجه أو أفلامه، ولكن بسبب فساتين نجماته ممن تعرضن إلى التنمر الشديد، وكانت الواحدة منهن تجد من المتطوعين من يقيس مساحات العري في ملابسها، ويحدد مسافات البارز من الصدر والسيقان والبطن بالميليمتر، دون التغافل عن تصدير عبارات الاستغفار وإبراء الذمة مما يدور في مهرجانات الأمة.
ولكن في هذا وغيره، قد يصبح الترويج للاسم والصورة، هو الأهم، ولا إشكال في كثرة الناقدين والممتعضين أو في وفرة الشاتمين واللاعنين، فمن يبحث عن الشهرة والنجومية ولو كانت زائفة، مستعد لعمل أي شيء مثير، وكل رد فعل ولو كان عدوانيا يعتبره كسبا، فأن تلفت الانتباه، فأنت جدير بالاهتمام، ولكن الأمر يختلف عندما يتم التعويل في ذلك على كبت المراهقين أو هوس البالغين بالجنس، لأن ذلك يصبح دليلا على أننا أمة مريضة وتحتاج إلى علاج ناجع، ولا شك أن الدواء لا يوجد في نهديات السيدة واو أو السيدة إن، وإنما في الاتجاه إلى التركيز على العقل ولو بالتدريج وبتحمّل الصدمات التي ستواجهنا حتما.