السيتكومات المغربية.. نسب المشاهدة العالية لا تعكس جودة المحتوى الفني

انقلب فنُّ كوميديا الموقف في الإنتاج الرمضاني المغربي على صانعي هذا النوع من الفنون وجعل الجمهور يسخر من مواضيع باهتة لا ترقى إلى مستوى ذوق شعب هزلي بطبيعته.
الرباط - يشهد العالم العربي وخاصة المغرب خلال شهر رمضان من كل عام إطلاق سلسلة كبيرة من البرامج التلفزيونية والمسلسلات والأعمال الهزلية “السيتكوم”، إذ تُعد هذه الفترة من العام وهذه البرامج التي تبث خلالها فرصة ذهبية لعرض الإبداع والمواهب، وتعكس أيضا الهوية والقيم الثقافية للمجتمع. ومع ذلك، فإن استغلال المال العام في إنتاج هذه الأعمال ومنها السيتكوم يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة ومثيرة للجدل.
شهدت الساحة التلفزيونية المغربية في الفترة الأخيرة زخما متزايدا في إنتاج السيتكوم، ولكن في الوقت نفسه، ظهرت مشكلة واضحة في جودة المحتوى المقدم، فمن بين السيتكومات التي بثت خلال شهر رمضان الذي انقضى منذ أيام، عرضت العديد من الأعمال التي تفتقر إلى التميز الفني، وتكاد تكون خارجة عن إطار الجودة المتوقعة من المشاهدين المغاربة.
ورغم وجود ميزانيات ضخمة تُخصص لإنتاج هذه البرامج، فإن النتيجة النهائية لا ترقى دائمًا إلى المستوى المأمول، ويُعزى ذلك في الغالب إلى عدة عوامل، منها الاهتمام بالجانب التجاري على حساب الجودة الفنية، وضغط الزمن في عملية الإنتاج، وعدم وجود رؤية فنية واضحة، إذ تكمن المشكلة الرئيسية في استغلال المال العام في هذا السياق، حيث يتم تخصيص ميزانيات كبيرة من المال العام لإنتاج برامج تلفزيونية، دون أخذ في الاعتبار الجودة الفنية والإبداعية، وهذا يؤدي إلى تحول البرامج التلفزيونية إلى مجرد وسيلة للتسلية دون أن تضيف قيمة فنية أو ثقافية تذكر.
وتعتبر المسلسلات الكوميدية أو ما يعرف بـ”السيتكوم” أحد الفنون الأكثر شعبية وشهرة في التلفزيون المغربي من حيث الإنتاج، إذ إنها المهيمنة بين فترات الإفطار ضمن جدول البث. وفي التسعينات من القرن الماضي عرف التلفزيون المغربي كوميديا الموقف أو السيتكوم، بأعمال مثل “عائلة السي مربوح” و”أنا وخويا ومراتو” لسعيد الناصري و”سير حتى تجي” و”لالة فاطمة” للراحل سعدالله عزيز وزوجته الراحلة خديجة أسد.
ويبرز السيتكوم أيضا كقوة ثقافية هائلة تسخر من المجتمع المغربي بالمواقف الكوميدية الهادفة. وفي رمضان 2024، شاهدنا مواضيع لا ترقى إلى مستوى الجمهور المغربي، الذي بات يشكل قاعدة جماهيرية ناقدة للشأن الفني ويختار بعناية ماذا يشاهد ولماذا يشاهد ومن أجل ماذا يشاهد.
ورغم تسارع الإنتاج التلفزيوني المغربي في هذا النوع من الفن، إلا أن هذا الأخير لم يصل إلى ذلك المستوى الذي بلغته السيتكومات الأولى في بدايتها، فرغم التقدم التكنولوجي على مستوى الصورة وتقنيات التصوير تبقى الكتابة رديئة في هذا الصنف، وكأنها كتابة لتلاميذ صف السادس الابتدائي، لم تصل حتى إلى محاولة دراسة الواقع الاجتماعي المغربي وميولاته وجماليات الأنواع التلفزيونية التي يحبها بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية والسياسية.
نأخذ على سبيل المثال اللغط الأخير حول سلسلة “ولاد إيزة” للمخرج إبراهيم الشكيري التي تحكي قصة الأرملة القوية إيزة، إذ كرست حياتها لتربية ابنها، لكن تتبدل الأوضاع عقب وصول ابنها الثاني مراد وزوجته من فرنسا. والعمل من تأليف أمين إسماعيل، ودنيا بوطازوت، ويشارك في الأداء كل من دنيا بوطازوت، فتاح الغرباوي، سكينة درابيل، أحمد الشرقي، سارة بوعابد وعبدالحق صالح.
وتظهر هذه السلسلة فاقدة للأصالة، حيث تقدم الحلقات بطريقة سطحية وخالية من أي قيمة فنية أو مضمون تعليمي. ليست المشكلة فقط في فكرة السيناريو، بل في تنفيذه أيضا، إذ إن الشخصيات والديكور واللباس والمواقف تتبع نمطية سطحية خالية من الابتكار، كما يتم التعامل مع مواضيع حساسة بطريقة ساخرة ومقززة، مما يتنافى مع تقديم الفن النبيل والاحترام للجمهور.
ولا يعد هذا النوع من الأعمال الفنية سوى استثمار سطحي لأموال ضرائب الشعب المغربي، حيث يتم تقديم محتوى فني هزيل يعكس ضعف الإبداع والتفكير النمطي في المجتمع، كما أن استخدام نفس الوجوه من الممثلين في كل سنة يثير الاستياء، ويُلمس فيه أداء تمثيلي “بريكولي”.
وفي الجهة المقابلة هناك سيتكومات هادفة مثل سلسلة “صلاح وفاتي” التي تدور أحداثها في حلقات منفصلة ومتصلة حول مغامرات زوجين دائمي الشجار والمشادات الكلامية، وتحدث بينهما مفارقات كوميدية. العمل من إخراج محمد أمين الأحمر، وتأليف كل من عبدالعالي لمهر ويوسف الرقاب، ويشارك في الأداء كل من عبدالعالي لمهر وفدوى طالب.
كما نجد أن سلسلة “سي الكالة” للكوميدي المغربي باسو، التي تعرض على قناة اليوتوب، أفضل بكثير من السيتكومات التي تعرضها القنوات الوطنية، لا من حيث المحتوى الهادف الذي يساهم في توعية الشعب فقط بل أيضا من حيث طريقة الإخراج والأداء التمثيلي للفنان محمد باسو.
ومن خلال اللغط الذي عرفته السيتكومات وبعض المسلسلات الدرامية هذه السنة، فقد بات من المهم جدا أن تتدخل الجهات المسؤولة لوقف تدني مستوى الإنتاج الفني في القنوات التلفزيونية المغربية، كما يجب عليها أن تعيد الثقة إلى المشاهدين من خلال تقديم أعمال فنية ذات جودة وقيمة ترفيهية وتثقيفية تناسب ذائقتهم الرفيعة.
◙ النهوض بالأعمال الدرامية والكوميدية التلفزيونية في المغرب خلال شهر رمضان يتطلب تحولا جذريا في النهج الإنتاجي والإبداعي
فإذا لم يتم رفع مستوى الإنتاج الفني وتقديم أعمال ذات جودة عالية، فإن الجمهور سيتجه نحو منصات أخرى مثل اليوتوب ومنصات شاهد وغيرها لاختيار ما يروق له، لذلك يجب على الجهات المعنية العمل بجدية لتحفيز الإبداع والتميز في صناعة البرامج التلفزيونية المغربية، وتوفير البيئة المناسبة لنمو هذا القطاع الحيوي.
فلا يجب أن ننسى أن السيتكومات الكوميدية المغربية التي تعرض في رمضان تعتبر مصدرا للترفيه ولمرح المشاهدين، إذ إن هذه البرامج تمثل لحظات من الهروب من الروتين اليومي الرمضاني ويمكن للناس التخلص من التوتر والضغط والابتسام مع أحداث طريفة تحدث في عوالمهم الخاصة.
كما تعمل السيتكومات الكوميدية على توفير منصة للتعبير عن قضايا اجتماعية بشكل يجعلها أكثر قابلية للقبول والفهم، فهي تتناول قضايا مثل العلاقات الإنسانية، والتفاعل بين الأفراد في المجتمع والثقافة، والتنوع بطريقة طريفة ومشوقة، مما يسهل على الجمهور فهم تلك القضايا بشكل أعمق.
ولكن هذه الأعمال هي أيضا ليست مجرد ترفيه، بل هي أداة فعّالة لنقل رسائل اجتماعية وتحقيق تواصل أفضل بين الأفراد في المجتمع. كما تعمل هذه البرامج على إضفاء البهجة والفكاهة على حياة الناس وتعزز التفاهم والتسامح في المجتمعات، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للعديد من الأشخاص.
وعليه إن النهوض بالأعمال الدرامية والكوميدية التلفزيونية في المغرب خلال شهر رمضان يتطلب تحولا جذريا في النهج الإنتاجي والإبداعي، إذ يجب أن تكون الأعمال الفنية عبارة عن مرآة تعكس الهوية الثقافية والاجتماعية المغربية الأصيلة بشكل إيجابي وبناء، كما ينبغي أن تسعى الأعمال الفنية إلى تعزيز القيم الإنسانية الجامعة وتعزيز التفاهم والتعايش بين الأشخاص بمختلف الثقافات والخلفيات.
ومن الضروري التوقف عن إنتاج الأعمال التلفزيونية التي تخلو من القيمة الفنية والإبداعية، والتي لا تساهم في تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي للمجتمع المغربي، بدلا من ذلك، ينبغي على المنتجين والكتاب والمخرجين أن يسعوا لتقديم أعمال تلفزيونية تتمتع بمستوى عال من الفنية والجودة، وتستند إلى قصص ملهمة ومحتوى غني يعكس تنوع المجتمع المغربي، وكذلك لا تخدم أجندة قوانين سيداو ولا تطبل إلى الثقافات الغربية والأوروبية فتاريخنا لا يشبه سيداو وصناعها.