السيارات ذاتية القيادة جاهزة.. فماذا عن تصرفات البشر؟

توشك السيارات ذاتية القيادة أن تتحول إلى حقيقة واقعية، والخطوة المقبلة هي الأتمتة الكاملة، إلّا أنّ هذه النقلة تواجه صعوبات لن يكون من السهل تجاوزها. ولكي نفهم لماذا يصعب إنتاج سيارة تقود نفسها، علينا أن نراقب كيف يعبر الأفراد الشوارع.
لوس أنجلس (الولايات المتحدة) - العالم على أرض الواقع يعدّ مكانا معقدا، يصعب فيه السير على قائدي السيارات من البشر، فما بالك بالسيارات الروبوتية التي ما زالت في بداية طريق تعلم القيادة.
وإذا أخذنا المدن الأميركية مثالا، نجد أن المشاة في لوس أنجلس ينتظرون الإشارة الخضراء لعبور الطريق، بينما في مدينة بيتسبرغ أو شيكاغو فلا تتوقع أن تتوقف سيارة لأن شخصا خطا إلى داخل منطقة عبور المشاة. وفي مدينة بالو ألتو نجد أنه إذا خطا شخص بقدمه ليعبر الشارع، فغالبا ما تتوقف السيارة القادمة على الفور انتظارا لعبوره.
وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أن حركة المرور وقوانينها والعادات المرتبطة بها تختلف من مدينة إلى أخرى، وكذلك توجد أنماط مختلفة من الأعراف المرورية، وهذا التنوع المتعدد في شوارع المدن في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بل وفي العالم، هو أحد الأسباب في أن السيارة ذاتية القيادة ليست جاهزة حتى الآن للانطلاق في الشوارع.
نبضات من ضوء
في قلب التحدي تكمُن صعوبة استنساخ الإدراك البشري للرؤية والصوت، وحتى مع أحدث تكنولوجيا للتعرف على الصورة فإنّ أجهزة الكمبيوتر تعاني من أجل القيام بنفس الأداء البشري التلقائي: إدراك التغيرات الصغيرة التي لا حصر لها والتي تحدث على الطريق في أيّ لحظة، ولكن لحسن الحظ يمكن أن تستخدم أجهزة الكمبيوتر مدخلات أخرى، مثل الموجات اللاسلكية (من خلال الرادار) أو الليدارز، وهو تحديد المدى عن طريق الضوء أو الليزر، وهي تكنولوجيا استشعار عن بُعد مرئية باستخدام نبضات من الضوء، عادة ما تكون أشعة ليزر وتُحسَب عن طريقها المسافات أو خصائص الأهداف المرصودة.
ونقل عن ماريك مارتنيز، أستاذة المركبات الآلية والتفاعل البشري من جامعة أيندهوفن للتقنية في هولندا، أن “السائق البشري يجب أن يتهيأ للسيطرة على السيارة في مواقف معينة؛ مثل التعامل مع أعمال صيانة الطرقات، في حين تحتاج السيارة أيضا إلى القدرة على مراقبة السائق”.
وقالت مارتنيز “نحتاج إلى أنظمة تفهم قدرات البشر وتتوقع تصرفاتهم، لتتمكن من الاختيار الصحيح؛ بين التحكم الآلي أو تنبيه السائق. فإذا كان السائق متعبا أو غير منتبه، على السيارة اتخاذ الإجراءات المناسبة”.
وقال الدكتور جون داناهر، المحاضر في القوانين المتعلقة بالآثار المترتبة على التقنيات الحديثة، من جامعة أيرلندا الوطنية في غالواي، إن “كثيرا من اختبارات السيارات ذاتية القيادة أجريت في بيئات سهلة نسبيا. ولا بد من إثبات تفوقها على السيارات العادية، من ناحية الأمان، وإظهار قدرتها على التعامل مع مواقف أصعب”.
وكانت المفوضية الأوروبية قد نشرت عام 2020 تقريرا مستقلا يتعلق بقضايا سلامة المركبات ذاتية القيادة وأخلاقيات نشرها في الشوارع، وتنظيم القطاع ورسم خطة للتعامل معها.
حتى مع أحدث تكنولوجيا للتعرف على الصورة فإنّ أجهزة الكمبيوتر تعاني من أجل القيام بنفس الأداء البشري التلقائي
ومع ذلك تعتقد شركة “أرجو.أيه آي” للذكاء الاصطناعي، أنها على وشك حل هذه المشكلة المعقدة، وبما يكفل السلامة لطرح خدمة سيارة أجرة يقودها الروبوت عام 2022. ولتحقيق هذا الهدف تقوم باختبار وتدريب أجهزة الاستشعار وبرامج الكمبيوتر المدمجة بالسيارة، في سبع مدن في نفس التوقيت، مع التركيز المكثف على المناطق المدرجة جيدا على الخرائط والتي تسميها شبكات “جيونيتس”.
واستثمرت شركتا فورد وفولكسفاجن قرابة أربعة مليارات دولار في شركة “أرجو.أيه آي”، سواء نقدا أو مقابل حقوق الملكية الفكرية.
وتعتزم فورد البدء اعتبارا من عام 2022، في طرح التاكسي الروبوتي في إطار السيارات التي تنتجها، وهو نوع من سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي يمكن طلبها بالهاتف. وهذه السيارات مزودة بتكنولوجيا شركة أرجو بالشراكة مع شركة غير معلنة، لخدمات سيارات الأجرة التي يطلبها الركاب بالهاتف، ومن المرجح بدء الخدمة في ميامي أو أوستن بولاية تكساس، أو في كل من المدينتين في ذات الوقت.
وساعد بريان سالسكي مؤسس شركة أرجو ورئيسها التنفيذي، الشركات على طرح تكنولوجيا الروبوتات تجاريا بجامعة كارنيغي ميلون، كما عمل ببرنامج غوغل للسيارات ذاتية القيادة قبل بدء شركة أرجو نشاطها في 2016.
ويدرك سالسكي أن المستثمرين يريدون الانتقال إلى حيز التسويق بأسرع ما يمكن، كما يدرك أن هناك أموالا كثيرة جاهزة للاستثمار في هذا المجال.
اختبارات جادة
تشير التوقعات الخاصة بسوق السيارات ذاتية القيادة على المستوى العالمي، إلى أن قيمة السوق ستبلغ 60 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
غير أن سالسكي يعلم أن طرح هذه النوعية المتقدمة من السيارات بشكل سريع للغاية، يمكن أن يتسبب في نكسة لهذه الصناعة الوليدة، إذا ما اعتقد الجمهور أن التقنية المستخدمة فيها ليست آمنة.
وقال سالسكي في مقابلة أجرتها معه مؤخرا صحيفة “ذا تايمز” في بالو ألتو، “إننا نريد نظام القيادة الذاتية في ظل بيئته المحسوسة، أن يكون قادرا على التنبؤ بتصرفات الأطراف الأخرى المشاركة في حركة المرور والمتواجدة حول سياراتنا، وذلك من أجل خلق محيط من السلامة حولها”.
وطرحت شركة واحدة حتى الآن خدمة حقيقية للتاكسي الروبوتي ذاتي القيادة في الولايات المتحدة، وهي شركة “وايمو” التابعة لغوغل والتي بدأت في 2019 إدارة الخدمة، في الشوارع التي يمكن التنبؤ بمجريات حركة المرور بها نسبيا في ضواحي مدينة فيونيكس.
غير أنه لا توجد أي شركة بخلاف أرجو تجري اختبارات جادة ودقيقة في مدن عديدة، وهي تجري اختبارات على السيارات وهي منطلقة وعلى متن كل سيارة اثنان من السائقين المدربين على اختبار السيارات، في مدن ميامي وأوستن وبيتسبرغ وديترويت وبالو ألتو وواشنطن، إلى جانب ميونخ بألمانيا.
وهذه المدن متنوعة بما فيه الكفاية لكي تقدم قاعدة راسخة وموثوقا فيها من المعلومات، حول المناطق الحضرية ذات الكثافة المرورية، والتي يمكن في النهاية تطبيقها على مدن أخرى في مختلف أنحاء العالم، وهي معلومات لا تتعلق فحسب بالقوانين والجغرافيا والطقس وإشارات المرور وأنماط حركة المرور، ولكنها تتعلق أيضا بالسلوك البشري.
ويعد تطوير تاكسي ذاتي القيادة في المناطق الحضرية المزدحمة، عملية أكثر صعوبة مقارنة ببرمجة السيارات لكي تصبح ذاتية القيادة على الطرق السريعة بين الولايات الأميركية، أو في الضواحي النائية، غير أن هذه المناطق المزدحمة هي التي تعد السوق الطبيعي للتاكسي الروبوتي.
ويتضمن تدريب التاكسي الروبوتي عمليات أكثر من مجرد التعرف على الشوارع، وعلى إشارات المرور أو على السيارات والشاحنات، فينبغي على السيارات ذاتية القيادة أن تتشارك في الطرق مع المشاة وراكبي الدراجات والأسكوتر الكهربائي وألواح الزلاجات، وغيرها من الوسائل المتواجدة وسط حركة المرور. وثمة مشكلة أساسية لتحقيق السلامة تواجهها السيارة ذاتية القيادة وهي التعرف على نظيرتها من السيارات، وأيضا على المكان الذي ستتوجه إليه والخطوة التالية التي ينبغي عليها اتخاذها.
أما المسألة المتعلقة بإمكانية تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2022، فيقول سالسكي إن الجدول الزمني الذي وضعته شركة فورد “معقول”.
ويستدرك قائلا “لكنني كنت واضحا على الدوام في ما يتعلق بالتوقيت الذي يمكن فيه طرح خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة، إنها ستكون جاهزة عندما تكون جاهزة”.
من جانبه أكد إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، أن سيارة تسلا ذاتية القيادة ستصبح حقيقة واقعة قريبا. وسلط رجل الأعمال الملياردير الضوء على القضية المعقدة المتمثلة في جعل الذكاء الاصطناعي الحقيقي يعمل بشكل صحيح، وأضاف “القيادة الذاتية تتطلب الكثير من الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي”.