السوري إلياس جرجي يستحضر بابا نويل وحكايته موسيقيا

لا تغيب موسيقى الميلاد عن الحضور في فترة أعياد الميلاد التي تمتد على مسافة زمنية تربط آخر العام مع بدايات العام الذي يليه، ورغم تنوع مظاهر الاحتفالات فإن أجواء الفرح والمحبة والسلام هي التي تسيطر وتسكن في نفوس الناس خلال هذه الفترة. تحضر شخصية بابا نويل الرجل المسن الذي يوزع الهدايا والفرح بين الناس ليكون رمزا للمحبة والسلام.
دمشق - في أجواء أعياد الميلاد واحتفالات الناس بعام جديد، أقيمت أولى حفلات أوبرا دمشق للعام 2023 في الخامس من الشهر الجاري في أجواء باردة، تحوطها ظروف حياتية خاصة وصعبة يعيشها الناس في سوريا بسبب تبعات الحرب.
وبالتوازي مع الأزمات وحكايات الفقر والبرد التي خلدتها قصص أيام الميلاد وبابا نويل في العالم، حملت الحفلة عنوان “بابا نويل جاي” لفرقة هارموني كوارتيت التي تشكلت من أربعة عازفين: فلوت أول إلياس جرجي وفلوت ثاني ماهر داكشلي وعازفة البيانو ساندي بل نخلة وعازف الإيقاع علي أحمد.
وعلى امتداد ما يزيد عن الساعة من الزمن قدمت الفرقة ملامح خيالية من عوالم الميلاد وأجوائه، لتحضر شخصية بابا نويل بقوة في تفاصيل الحفل. فبين الحقيقة والخيال، وجدت شخصية بابا نويل (سانتا كلوز) التي تنشر في نهاية كل عام البهجة والفرح بين سكان الأرض. وهو الذي يتجول في الليل رغم البرد والظلام، موزعا الهدايا على الأطفال والفقراء والمرضى الذين ينتظرونه من عام إلى آخر لكي يكتبوا له رغباتهم وأمنياتهم على ورقة في جورب عند الباب. ويقوم هو بإحضارها لهم في يوم الميلاد.
بالتوازي مع الأزمات وحكايات الفقر والبرد التي خلدتها قصص أيام الميلاد، حملت الحفلة عنوان "بابا نويل جاي"
يقول البعض إن شخصية بابا نويل الخرافية التي يعرفها كل العالم الآن، هي لشخصية حقيقية لقديس اسمه نيكولاس عاش في مدينة ميرا بين تركيا واليونان في نهاية القرن الثالث ميلادي وبدايات القرن الرابع. كان ابن عائلة مسيحية ثرية، لكنه مع ذلك تربى في ميتم، فعندما حل مرض الطاعون في المدينة مات والداه وكفله عمه الذي نقله إلى ميتم الكنيسة التي كان قسا فيها. بعد وفاة عمه وفي عام 300 ميلادية صار رجل دين في ذات الكنيسة، وبحكم معرفته بعشرات الأيتام والفقراء والمعوزين في الميتم والمدينة، واطلاعه على أوضاعهم وأحلامهم، اختار عندما صار رجل دين وقادرا ماليا أن ينفق هذه الأموال على هؤلاء الفقراء فصار يظهر في الليل ويلقي على باب كل شخص الشيء الذي يتمناه.
علم الناس بأمره وصار يدعى باسم القديس نيكولاس، وطوال ما يزيد عن الألف عام لم تغب هذه الشخصية عن الحضور في الخيال الأوروبي، لكنها كانت في مجالات ضيقة، حتى جاء القرن الثامن عشر حيث نشط الحديث عن هذه الشخصية في أغلب الفنون، خاصة في هولندا، ثم مدينة نيو أمستردام التي تعرف اليوم باسم نيويورك وقد رسم صورته الشائعة رسام الكاريكاتير العالمي توماس ناست لمجلة “هاربر ويكلي” منذ العام 1863 ثم انتشرت في كل أوروبا، وشاعت أيضا في الولايات المتحدة وكندا ومنهما إلى العالم، حيث يحمل العديد من الأسماء.
وفي استحضار لشخصية بابا نويل، والأجواء التي تحيط به في دمشق قدم الحفل، وكان بطله العازف الموسيقي إلياس جرجي، الذي أشاع بعزفه وحضوره معاني موسيقية وإنسانية عميقة.
وتمثل تجربة إلياس جرجي حالة متفردة في المشهد الموسيقي السوري بسبب تمكنه من تعاليم الموسيقى ومن ثم تعليمها رغم العائق البصري.
الفنان طرح في العديد من مقدمات المقاطع الموسيقية أفكارا طريفة تخص قلق الناس وآلامهم في حياتهم اليومية
بدأت تجربة إلياس منذ أن تلقفه الموسيقي الشهير الراحل ومدرب الكورال حسام بريمو ودربه على الموسيقى منذ العام 2000 ثم رعاه الموسيقي ماهر داكشلي وانتسب لمعهد صلحي الوادي للموسيقى وتعلم العزف على آلة الفلوت وتخرج فيه بدرجة امتياز في العام 2009، ثم انتسب للمعهد العالي للموسيقى الذي لم يستطع إكمال تعليمه فيه كونه ذا وضع صحي خاص ولم يستطع المعهد تأمين احتياجات الطالب في حينه، لكن إصرار إلياس على المتابعة في التكوين الأكاديمي الموسيقي جعله أحد أهم العازفين على آلة الفلوت في سوريا وصاحب حضور متميّز حيث شارك في العديد من الفعاليات الموسيقية على امتداد الجغرافيا السورية وهو لا يزال يدرس الآن الموسيقى في دمشق.
تميز حضور إلياس جرجي خلال الحفل بالثقة والطرافة حيث قدم تعريفات في مستهل كل المعزوفات التي قدمها، مستغلا إياها في شرح تفاصيل المعزوفة حينا أو الطلب من الجمهور المشاركة في الغناء والتفاعل مع الفرقة.
وطرح الفنان في العديد من مقدمات المقاطع الموسيقية أفكارا طريفة وعميقة تخص قلق الناس وآلامهم في حياتهم اليومية، فكان حريصا على إشاعة حالة من المحبة والتسامح بين الجميع متجاوزين العوز والاحتياج الذي يعاني منه المجتمع في ظل حالة الحرب التي تحيط بالبلد.
وقال في إحدى المقدمات “عندما كنا صغارا، كانوا يقولون لنا إن الطلاب المجتهدين سيزورهم بابا نويل ويقدم لهم الهدايا، وعسانا نكون في الحفل من المجتهدين لكي يقدم لنا بابا نويل شيئا من السلام والدفء في بيوت الجميع”.

وفي مكان آخر يتمثل دور المسيح في قلوب الناس بالقول “السيد المسيح ولد في ليلية باردة، لكنه علّمنا أن حرارة القلب تجعل الحياة مستمرة وباقية، والأجدر أن ننزع من قلوبنا الحقد والغل وأن نزرع فيها المحبة والسلام والعطاء حتى يعيش الناس في محبة وسلام”.
قدمت في الحفل الموسيقي مجموعة من أشهر أغاني الميلاد عربيا وعالميا، فقدمت أغاني للسيدة فيروز منها “روح زورهن ببيتهن” ومقطوعة رحبانية مستوحاة من موسيقى جورج بيزيه وترتيلة “ملوك المجوس” ثم “جاي الليلة يسوع” لجوليا بطرس. وقدم لماجدة الرومي “بليلة بردانة” وترنيمة ليلة الميلاد.
ومن التراث العالمي المرتبط بمناسبة الميلاد ونشيد الميلاد ونشيد الأجراس، وكان لافتا تقديم بعض هذه الأعمال بتوزيع موسيقي جديد قام به هادي خياط.