السودان يواجه سيناريو عودة معضلة الديون الخارجية

ضاعف الغموض الذي يكتنف مستقبل السودان بعد التعقيدات التي شابت الأوضاع السياسية في البلاد مؤخرا حالة عدم اليقين بشأن الديون المتخلفة عن السداد، والتي تعتبرها جهات مقرضة اختبارا حاسما لمدى قدرة الخرطوم على الصمود أمام هذا المطب من أجل إنعاش الاقتصاد العليل.
الخرطوم - يواجه السودان سيناريو عودة معضلة التخلف عن تسوية الديون التي كان قد اتفق مع المانحين الدوليين على سدادها في ظل الاضطرابات السياسية الأخيرة، وهو ما يجعل البلد في موقف أكثر تعقيدا لتحريك عجلات النمو المتوقفة.
ويتصاعد منسوب التحذيرات داخل الأوساط الاقتصادية من أن شبح مشكلة تعثر الديون الخارجية بات يلوح في أفق الاقتصاد السوداني المشلول أصلا، عقب تلميحات من الجهات الدائنة بعدم الإيفاء بالوعود التي قطعتها مسبقا.
والسودان الذي قطع شوطاً في مفاوضات جدولة وإعفاء ديونه الخارجية خلال العامين الماضيين أعادته الأحداث السياسية مؤخرا إلى المربع الأول.
واعتبرت الولايات المتحدة، التي ساعدت الخرطوم في العودة إلى النظام المالي الدولي عقب شطب اسم البلد من قوائمها للإرهاب، أن ما يجري من تطورات في البلد سيفقده أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات.

خالد التيجاني: الديون باتت تخضع لتقدير من لهم مصلحة في إنقاذ اقتصاد البلد
وأشارت إلى أن ذلك يضع على الأقل 19 مليار دولار من إعفاءات الديون في خطر، منها ما هو لدول نادي باريس، والمبلغ ذاته لدول من خارج النادي مثل الكويت والسعودية والصين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الأسبوع الماضي إن “واشنطن عقلت بالفعل تمويلات للسودان بمقدار 700 مليون دولار”.
وسابقا بذلت واشنطن جهودا في تخفيف الديون الخارجية التي تثقل كاهل الخرطوم، من خلال قرض تجسيري لتسوية 1.2 مليار دولار متأخرات مستحقة على السودان للبنك الدولي في يناير الماضي.
والبلد الفقير يئن تحت ديونه منذ عقود، وتشكل القروض التي تخلف عن سدادها للقطاع الخاص جزءا صغيرا من ذلك العبء.
وتشير التقديرات إلى أن ديون السودان تبلغ حوالي 60 مليار دولار تمثل فيها الفوائد قرابة 28 مليار دولار، التي تخلفت الخرطوم عن سدادها منذ وقت طويل.
وكان ستوارت كالفيرهاوس رئيس أبحاث الديون السيادية والدخل الثابت في مؤسسة إكسوتكس قد قال في مذكرة نشرت في 2019، حينما بدأ الحديث عن إمكانية مساعدة الخرطوم من قبل المانحين الدوليين على نفض غبار الديون، إن “الدين العام الخارجي للسودان يبلغ حوالي 51 مليار دولار”.
ويُعتبر تخفيف عبء الديون من أهم الخطوات لفتح أبواب التمويل لمشاريع إنتاجية أهمها التركيز على البنى التحتية، التي تتطلب أموالا كثيرة، وتُعد القاعدة للنهوض بجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة والتجارة والطاقة والتعدين وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
وانضم السودان في أواخر يونيو الماضي إلى مبادرة صندوق النقد الدولي لتخفيف ديون الدول الفقيرة “هيبيك”، وهو ما سمح بإعفاء البلاد من ديون بنحو 23.5 مليار دولار مستحقة لدائنين.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد التيجاني أن ربط إعفاء الديون الخارجية للسودان بالأحداث السياسية الراهنة من قبل الدول الدائنة أمر يخضع لتقديرات الأطراف التي لها مصلحة في إنقاذ الاقتصاد السوداني.
إلا أن التيجاني رفض في حديثه مع وكالة الأناضول أن تتعامل مؤسسات التمويل الدولية بذات نهج الدول الدائنة كون هذه الكيانات اقتصادية وليست سياسية على الرغم من أن هذا الجانب قد يكون له وقع على الدول العالقة في جبل الديون.
وقال إن “السودان التزم ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية التي بموجبها تم انضمامه إلى مبادرة الدول المثقلة بالديون (هيبيك)”.
وشكلت موافقة صندوق النقد على إدخال السودان ضمن مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون خطوة حاسمة نحو مساعدة البلد على دفع عملية تطبيع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية مع المجتمع الدولي لإنقاذ اقتصاده العليل.
وأوضح التيجاني أن عدم التزام هذه المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بوعود المساهمة في تخفيف ديون السودان يعتبر نكوصا عن التعهدات التي قطعوها مسبقا.
وفي يونيو العام الماضي وقعت الحكومة الانتقالية مع صندوق النقد على برنامج المراقبة الذي يعمل على مراقبة اشتراطات المؤسسة المالية الدولية على الحكومات وتقييمها بعد عام، للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن المليار دولار.
واشترط الصندوق على الخرطوم في ذلك الوقت الإقرار بجملة من الإصلاحات، من أهمها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ، وهو ما بدأت الخرطوم في تنفيذه على مراحل منذ بداية العام الجاري.
وبحسب التيجاني فإن الصناديق الدولية لم تضع في اعتبارها المواطن السوداني البسيط الذي دفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها الحكومة الانتقالية للحصول على دعم من المجتمع الدولي.
وكانت الحكومة قد رفعت الدعم عن الوقود نهائيا في الصيف الماضي. وقبل ذلك بعدة أشهر وتحديدا في فبراير 2021 قامت بتعويم العملة المحلية جزئيا، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل تحرير سعر صرف الجنيه، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية.

محمد الناير: السودان نفذ وصفة صندوق النقد ولا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء
وتبع التعويم تحرير سعر الدولار الجمركي، وهو العملة الأميركية التي يبيعها البنك المركزي السوداني للتجار بغرض استيراد السلع.
غير أن الأمور الآن ستتعقد بشكل كبير إذا ظلت الضبابية تسود الأوضاع السياسية في البلاد، فالمستثمرون العرب والأجانب لا يرغبون في خوض مغامرة محفوفة بالمطبات قد تعود عليهم بالخسائر.وبعد تنفيذ كل تلك الخطوات بات السودان أحدث دول العالم التي تدخل إلى مجال رؤية المستثمرين في الأسواق الناشئة الذين يبحثون عن فرص في أماكن تنفتح فقط على رأس المال الأجنبي، وهو ما كان يعني أن احتمال الحد من مستوى البطالة المرتفع كبير.
ويقبع السودان في المراكز الخلفية في مؤشر سهولة الأعمال لعام 2020 والصادر عن البنك الدولي، حيث يأتي في المرتبة 171 من أصل 180 بلدا حول العالم.
ولدى المحلل الاقتصادي محمد الناير قناعة بأن المسؤولين السودانيين يرون أن بلدهم لا يرغب في العودة مجددا إلى العزلة الدولية بسبب ما يحدث على الصعيد السياسي.
وقال إن “توجهات المجتمع الدولي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، لاسيما في مشكلة الديون الخارجية، لكن الحكومة حققت 90 في المئة من وصفة صندوق النقد، ولا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء”.
وأضاف أن “أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء”، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي لم يف بوعوده تجاه السودان حتى الآن.