السودان يستعيد السيطرة على كامل الحدود مع إثيوبيا بقوة السلاح

أديس أبابا تهدد بهجوم مضاد بعد طرد ميليشياتها من الأراضي الزراعية في الفشقة.
الجمعة 2021/01/01
السودان يفوض السلاح لحسم الخلافات

لجأ السودان إلى قوة السلاح لبسط سيطرته على الحدود مع إثيوبيا، بعد أن نقضت ميليشيات مدعومة من أديس أبابا إعلان البلدين التوصل إلى حلّ سلمي وصيغة نهائية لتجاوز الخلافات الحدودية. لكن الخطوة تنطوي حسب مراقبين على مغامرة بعد أن هددت إثيوبيا بهجوم مضاد ما لم يعد السودان أدراجه.

الخرطوم – أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمرالدين الخميس، أن القوات المسلحة السودانية استعادت السيطرة على كل أراضي البلاد المحاذية للحدود مع إثيوبيا، فيما هددت أديس أبابا بهجوم مضاد قد يدخل البلدين اللذين يواجهان أزمات داخلية حادة في مواجهة عسكرية تهدد أمن المنطقة الهش.

وتقول الخرطوم إن عصابات إثيوبية تستولي على أراضي مزارعين سودانيين في منطقة الفشقة، متهمة الجيش الإثيوبي بدعم تلك العصابات، وهو ما تنفيه أديس أبابا.

ووقعت اشتباكات في الأيام القليلة الماضية على الأراضي الزراعية في الفشقة، التي تقع ضمن الحدود الدولية للسودان، لكن يستوطنها مزارعون إثيوبيون منذ فترة طويلة.

وقال قمرالدين في مؤتمر صحافي بالخرطوم “القوات المسلحة السودانية استعادت السيطرة على كامل التراب السوداني في الحدود مع إثيوبيا”.

وأكد أن “الحدود بين البلدين مرسمة بالفعل مسبقا، وما يتبقى في المحادثات هو زيادة علامات الترسيم على الحدود”.

ويعود تاريخ اتفاق ترسيم الحدود إلى مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، لكن ما زالت هناك ثغرات في بعض النقاط، ما يتسبب بانتظام في وقوع حوادث مع المزارعين الإثيوبيين، الذين يأتون للعمل في أراض يؤكد السودان أنها تقع ضمن حدوده.

وحذرت الحكومة الإثيوبية الثلاثاء، الخرطوم من هجوم مضاد، عقب ورود تقارير تتحدث عن عبور الجيش السوداني الحدود وسيطرته على منطقة الفشقة، ما يفند دعم الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا للميليشيات على الحدود.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي “ما لم يتوقف السودان عن التوسع في الأراضي الإثيوبية، فإن أديس أبابا ستضطر حينها إلى إطلاق هجوم مضاد”.

وأضاف مفتي أنه “ينبغي للسودان ألا يفهم صمت إثيوبيا على أنه ضعف”، مؤكدا “قواتنا على أهبة الاستعداد على مدار الساعة وجاهزة للدفاع عن سيادتها”.

واتهم طرفا ثالثا (لم يسمه) بدفع السودان إلى التوغل في الأراضي الإثيوبية، في تلميح مبطن لمصر، التي تجمعها علاقات متوترة مع أديس أبابا بسبب سد النهضة.

دينا مفتي: على السودان ألا يفهم صمت إثيوبيا ضعفا
دينا مفتي: على السودان ألا يفهم صمت إثيوبيا ضعفا

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت القوات المسلحة السودانية أن قوة تابعة لها تعرضت لكمين داخل الأراضي السودانية في منطقة أبوطوير شرق ولاية القضارف، متهمة “القوات والميليشيات الإثيوبية” بتنفيذه.

ومذاك، نشر السودان قوات في المنطقة الحدودية وبدأ مباحثات تتناول هذه القضية. لكن أديس بابا قللت من أهمية الكمين، الذي تعرض له الجنود السودانيون، وأكد رئيس وزرائها آبي أحمد قوة العلاقات “التاريخية” بين البلدين.

وليست هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها الميليشيات الإثيوبية الجيش السوداني. وفي مايو من العام الجاري، هاجمت عصابات الفشقة التابعة لقبائل الأمهرا، القرى المحيطة بمدينة القضارف السودانية، ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وجرح عدد من العسكريين السودانيين.

والأسبوع الماضي، توصل الخرطوم وأديس أبابا إلى اتفاق على حل نهائي وسلمي للقضايا الحدودية بينهما، في خطوة شكك مراقبون في مصداقيتها، واعتبروا أنها خطوة للتنفيس عن الأزمة الداخلية التي تعيشها أديس أبابا في إقليم تيغراي.

وبرزت أصوات سودانية تدعو إلى استثمار حرب تيغراي من أجل الضغط على الحكومة الإثيوبية للتخلي عن مماطلتها في قضية ترسيم الحدود.

ويقول هؤلاء إن أديس أبابا بحاجة إلى دعم السودان في حربها على تيغراي، على مستوى تأمين الحدود وضمان عدم فرار قوات تيغراي وإعادة تمركزها في عمق الأراضي السودانية، حيث يعد السودان المنفذ الدولي الوحيد لقوات تيغراي، باستثناء إريتريا، التي تؤيد إثيوبيا في هذا الصراع.

ويشير هؤلاء إلى أن موقع السودان الآن يسمح بالمزيد من الضغط على إثيوبيا، ليس لأن نزاعا حدوديا قد نشأ بين البلدين، بل لأن أديس أبابا بحاجة الآن إلى الخرطوم، ما يمكن السودان من ممارسة ضغط لإحداث تغيير في الموقف الإثيوبي.

وحول عملية ترسيم الحدود، يقول المحلل السياسي السوداني ربيع عبدالعاطي، إنها “مسألة مطروحة من قبل وليست جديدة، وهي ليست عملية إجرائية تتم بين يوم وليلة، هناك خرائط ونقاط اتفاق وطبيعة تلك الحدود والخطوط التي تحكم تلك الحدود بين البلدين، لأن هناك تداخلات قبلية وأخرى في المناطق الزراعية، النقاش حول موضوع الترسيم مطروح منذ فترة لكن التطبيق على الأرض لا أعتقد أن يكون قريبا”.

ويشير مراقبون إلى أن تحالف آبي أحمد مع قومية الأمهرا، التي تسعى للحفاظ على نفوذها بالسيطرة على جزء من الأراضي السودانية، في مواجهة قادة إقليم تيغراي المتمرد يضعه أمام خيارات خارجية صعبة وعلى رأسها تسوية الخلافات الحدودية مع الخرطوم على حساب حلفائه في الداخل.

واستبعد هؤلاء استجابة آبي أحمد للجهود التي يقودها السودان في ظل تعقيدات المشهد على الحدود، لأن قومية الأمهرا التي تعد من الحلفاء الرئيسيين له في الصراع الحالي ضد تيغراي، تسعى للحفاظ على نفوذها بالسيطرة على جزء من الأراضي السودانية، بعد أن ظل قادتها داخل الجيش يستفيدون من الموارد الطبيعية في منطقة الفشقة الحدودية على مدار سنوات طويلة.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أطلق في 4 نوفمبر عملية عسكرية ضد جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم في شمال إثيوبيا، بعد أشهر من التوتر، وأعلن في 28 من الشهر نفسه السيطرة على ميكيلي العاصمة الإقليمية، ونهاية المعارك.

ومنذ ذلك الحين تدفق حوالي خمسين ألف لاجئ الى السودان، يعيشون حاليا في مخيمات متفرقة على طول الحدود السودانية مع إقليم تيغراي.

5