السودان يخفض قيمة العملة لتسهيل الإعفاء من الدين

خطوة لتسريع برنامج المانحين لدعم الأسر الفقيرة.
الاثنين 2021/02/22
إجراء صحي ذو تكلفة اجتماعية

بدأ السودان خفض قيمة العملة المحلية لتلبية شروط المانحين بهدف تسهيل الحصول على إعفاء من الدين وتنفيذ شروط برنامج دعم الأسر الذي يشترط توحيد سعر الصرف، في ظل تعثر الإصلاحات وضغوط نقص الوقود والخبز.

الخرطوم - خفّض بنك السودان المركزي قيمة العملة المحلية بشكل حاد معلنا عن نظام جديد “لتوحيد” سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء في مسعى لتجاوز أزمة اقتصادية مُعقدة والحصول على إعفاء دولي من الدين.

والإجراء إصلاحي بالأساس يطلبه المانحون الأجانب وصندوق النقد الدولي، لكنه تأجل لشهور في ظل نقص السلع الأساسية وتضخم متسارع مما عقَّد انتقالا سياسيا هشا.

وقالت عدة مصادر مصرفية من القطاع الخاص إن البنك المركزي حدد سعر الصرف الاسترشادي عند 375 جنيها سودانيا للدولار، من سعر الصرف الرسمي السابق البالغ 55 جنيها.

وكان الدولار متداولا في الآونة الأخيرة بين 350 و400 جنيه سوداني في السوق السوداء.

وأعلن بيان أُرسل إلى البنوك إن البنك المركزي سيحدد سعرا استرشاديا يوميا “بانتهاج نظام سعر الصرف المرن المدار”. والبنوك ومكاتب الصرافة ملزمة بالتداول في نطاق يزيد خمسة في المئة أوينقصها عن ذلك السعر.وحدد البيان هامش الربح بين سعري البيع والشراء بما لا يزيد على 0.5 في المئة.

وأكد محافظ البنك المركزي محمد الفاتح زين العابدين للصحافيين أن “السلطات لن تتحكم في سعر الصرف، لكن وزير المالية جبريل إبراهيم قال إن أموالا من الخارج، لم يحدد مصدرها، في طريقها إلى السودان وإن بمقدور البنك المركزي التدخل إذا اقتضت الضرورة”.

محمد الفاتح زين العابدين: خفض الجنيه ليس تعويما ولكنه يمثل سياسة المرن المدار
محمد الفاتح زين العابدين: خفض الجنيه ليس تعويما ولكنه يمثل سياسة المرن المدار

واعتبر زين العابدين “القرار ليس تعويما ولكن يمثل سياسة المرن المدار”.

ولفت البنك المركزي إلى أنه قرر أيضا “تحويل الموارد من السوق الموازي إلى السوق الرسمي واستقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية”، مؤكدا أنه يريد “الحد من تهريب السلع والعملات وسد الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي”.

واعتمدت الحكومة برنامجا لتقديم دعم شهري إلى 80 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 42 مليون نسمة للتكيف مع إصلاحاتها الاقتصادية. ويتم تمويل هذا البرنامج عبر عدد من المانحين منهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

واشار البنك المركزي في بيانه إلى أنه فرض قيودا على حركة العملات الأجنبية عبر السماح للمسافرين إلى خارج البلاد بحمل مبلغ ألف دولار فقط.

ويأمل البنك المركزي بذلك “تحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص.. واستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي وتطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات والمساعدة في العمل علي إعفاء ديون السودان الخارجية بالاستفادة من مبادرة تجاه الدول الفقيرة المثقلة بالديون”.

وأوضح مسؤولون أن خطوات اتخذت من أجل تحقيق انسياب السلع الاستراتيجية والحد من استيراد السلع غير الضرورية قبيل خفض قيمة العملة.

كانت خطوة سعر الصرف متوقعة أواخر العام الماضي في إطار برنامج خاص بالسودان يتابعه خبراء صندوق النقد، كان من الممكن أن يؤدي إلى إعفاء الخرطوم من ديون خارجية تقدر بستين مليار دولار، لكن تأجل بسبب الضبابية السياسية.

وقال البنك المركزي في بيانه إنه إضافة إلى أن خفض قيمة العملة يمهد الطريق نحو الإعفاء من الديون، فإنه سيساعد أيضا في تحقيق استقرار العملة والحد من التهريب والمضاربة وجذب تحويلات السودانيين العاملين في الخارج.

تأتي الخطوة بعد أسبوعين من تعيين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حكومة جديدة لتضم جماعات متمردة وقعت اتفاق سلام في أكتوبر، من أعضائها جبريل إبراهيم.

يعمل حمدوك تحت مظلة مجلس مدني عسكري مشترك تولى السلطة عقب الإطاحة بحكم عمر البشير في أبريل 2019. ونجاح العملية الانتقالية ضروري لتحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة بينما يخرج السودان من عقود من العزلة الدولية.

ورفعت الحكومة العام الماضي معظم الدعم عن الوقود تلبية لمطلب رئيسي آخر للمقرضين، وحذفت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب بعد موافقة قادته نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ولكن الأزمة الاقتصادية التي أشعلت فتيل الاحتجاجات الحاشدة ضد البشير مازالت مستمرة، ومن أبرز سماتها شح الوقود والخبز وانقطاع الكهرباء. وتسارع التضخم السنوي إلى أكثر من 300 في المئة، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

واندلعت احتجاجات عنيفة على غير المعتاد هذا الشهر في عدة مناطق بالبلاد واتهمت السلطات فلول النظام السابق بالمسؤولية عنها.

60

مليار دولار قيمة الديون الخارجية للسودان الذي يسعى للحصول على إعفاء منها

وتأجل بسبب فجوة سعر الصرف برنامج لدعم الأسر ممول من المانحين، يهدف إلى تخفيف وقع تخفيضات الدعم، لكن زين العابدين قال إن الأموال الي ستُنفق على أساس سعر الصرف الجديد ستُصرف لوزارة المالية بداية من الاثنين.

وقال بعض الاقتصاديين إنهم يتوقعون أن يكون تأثير خفض قيمة العملة محدودا على التضخم لأن معظم المعاملات تجري بالفعل بسعر السوق السوداء.

وخلال الاشهر الماضية شطبت الولايات المتحدة السودان من لائحة للدول المتهمة برعاية الإرهاب. وأملت الحكومة أن تساعدها هذه الخطوة على استقطاب استثمارات أجنبية ومعالجة ديونها الخارجية.

ولفت محافظ البنك المركزي إلى أن السودان سيعتمد نظاما مصرفيا مزدوجا من خلال استمرار النظام الاسلامي الذي تعمل به البنوك وشركات التأمين منذ عام 1984 مع إعطاء البنوك الحرية في أن تعمل بنظام غير إسلامي.

وقال زين العابدين إن “النظام المصرفي المزدوج سيفتح الباب أمام البنوك الاجنبية لتعمل في السودان”.

في عام 1983 أعلن الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية التي استمرت في ظل عمر البشير. ووفق النظام الإسلامي لا تقدم البنوك أرباحا للمودعين.

ويأتي التحول في سياسة البنك المركزي وسط مخاوف من اقتراب مستوى ما يملكه السودان من العملات الأجنبية من النضوب، من دون أن تكشف الحكومة عما لديها.

وقال خبير الاقتصاد السوداني محمد الناير إن “النقص الأخير في الخبز والوقود يشير إلى احتمال نقص شديد في الاحتياطيات الأجنبية”.

وأضاف أنه “إذا كان للبنك المركزي أن ينجح في سحب المعاملات من السوق السوداء، فيجب أن تبلغ الاحتياطيات حوالي 5 مليارات دولار”.

وسقط نظام البشير قبل نحو عامين بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه الاستبدادي فجرتها ضائقة مالية أدت إلى زيادة أسعار الخبز بثلاثة أضعاف.

وفي الشهر الماضي، وافقت الحكومة على ميزانية هذا العام وهي تهدف إلى خفض التضخم إلى 95 في المئة بنهاية العام الحالي.

11