السودانيون يتطلعون بشغف إلى إبداعات الأفارقة والعرب

يشهد السودان طفرة نوعية في الكتابات الروائية، تعزز مكانته كبلد منتج لأسماء مهمة في عالم السرد، وخاصة الرواية. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع الكاتبة والمترجمة السودانية ملكة الفاضل، في حديث حول تجربتها التي تنقلت بين الشعر والرواية والترجمة كذلك، لتلقي الضوء على جوانب مهمة في تجربتها.
الثلاثاء 2018/06/05
النشر حافز معنوي يشجع المتردد

تحتفي الكاتبة السودانية ملكة الفاضل عمر، الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، بالواقع وتستمد منه أفكارها الأساسية لمختلف إبداعاتها سواء في الشعر، أو القصة القصيرة أو الرواية، فرواياتها الثلاث “الجدران القاسية” و”في مكان ما” وأخيرا الرواية الفائزة “الشاعرة والمغني” تشتبك مع الواقع في أفكارها ورؤاها، لتحمل تجليات تناقضاته وانعكاسها على الإنسان والمكان.

الواقع والخيال

حول بداية تجربتها مع الكتابة تقول الفاضل “جائزتي الكبرى تمثلت في الصمود والاستمرارية في عالم الأدب منذ دخلت إليه. نظمت الشعر بالفصحى والعامية ومازلت أحتفظ بقصائد البدايات، وربما تجد طريقها إلى النشر قريبا. النشر يمثل حافزا معنويا يشجع المتردد والمتوجس إلى الدفع بما جادت به قريحته وملكاته إلى القراء. نشرت لي جريدة الخرطوم قصتي القصيرة ‘العريس‘ ثم قصيدة ‘يمة‘ وبعدها توالى النشر في صحف مختلفة. والتحول الحقيقي حدث عندما كتبت روايتي الأولى ‘الجدران القاسية‘ التي استغرقت ثلاثة أعوام، ثم رواية ‘في مكان ما‘ وأخيرا ‘الشاعرة والمغني‘ التي نالت المركز الثالث في مسابقة الطيب صالح للإبداع الكتابي في دورتها الثامنة”.

الفكرة الأساسية لرواية “الجدران القاسية” عالجت قضية التعذيب في السجون، وتشير الفاضل إلى أن فكرة الرواية جاءتها من خلال عودتها إلى وطنها من الغربة، حيث كانت تحيط بها حكايات الاعتقال والتعذيب، فترة عجيبة، كانت تستحوذ فيها أحاديث المعتقلات على نصيب كبير من جلسات الأنس العادية واللقاءات، وكانت الحكايات تجعل الحاكي والمستمع يضحكان أو يأسفان من شر البلية.

الكاتبة لم تتعرض للسجن ولا للتعذيب، لكنها اعتمدت الخيال مع حكايات الواقع في كتابة أحداث رواية حول عوالم الاعتقال

وتتابع الكاتبة “رواية ‘الجدران القاسية‘ تحكي عن معاناة معتقل سياسي، وفكرتها جاءت عندما صدمت بينما أقرأ مجلة المجلة العربية عن مواطن عذب حتى أصيبت ساقه وهددت بالبتر. ذهلت ولم أعد أفكر إلا في هذا الشاب وما حدث له، وكيف ولماذا؟ وأسئلة أخرى طرحتها في مراحل مختلفة من الرواية وضمنتها قصيدة ‘يمة‘ التي سبقت الرواية وتقول في مطلعها ‘ولدك لا قنع لا راح‘. ومع ذلك فلا أحسب أن الرواية ترمي إلى تجريم فترة ما أو نظام بعينه، وإنما ممارسة تتكرر على مر العصور، وعلى الرغم من التطور الذي حققته البشرية في نواح مختلفة إلا أن النزعة لإلحاق الأذى الجسماني بالآخرين بمبررات شتى مازالت كما هي، تتكرر بأشكال مختلفة وتلحق بالجسد والروح جراحا غائرة تصعب مداواتها”.

وأضافت الفاضل “لم أتعرض للسجن ولا للتعذيب، ولم أخف الفشل أو بالأصح لم أفكر فيه، ولم يكن ضمن هواجسي المعتادة. لقد أعملت ملكة الخيال مع حكايات الواقع ورواياته في كتابة أحداث الرواية، وكل ما كنت أفكر فيه أن تخرج ‘الجدران القاسية‘ للناس. وهذا ما حدث”.

وحول روايتها الفائزة بجائزة الطيب صالح للرواية “الشاعرة والمغني” والتي تتشكل رؤيتها حول علاقة حب بين شاعرة ومغن، وترصد الواقع الاجتماعي لسكان منطقة مهمشة، تؤكد الفاضل أن “الشاعرة والمغني” تأتي كعنوان يشكل عتبة لأحداث الرواية التي تتمدد وتتطور على نحو لم يكن في حسبان الكاتبة نفسها كما تعتقد.

وتقول “العناوين حسب تجربتي في الشعر والنثر تفرض نفسها وقد يتمرد عليها الكاتب أو الكاتبة ويعمل على تغييرها في النهاية على الرغم من أنه سيظل مرتبكا إزاء العنوان الأول. لم أعد أقيد نفسي بالعنوان، فعنوان روايتي الأولى كان جزءا من فقرة في أحد فصول الرواية. وعنوان روايتي الثانية كان أيضا جزءا من فقرة في منتصف الرواية، وقد أطاح بالعنوان الأول الذي اخترته. كما ذكرت لا أتقيد بالعنوان ولا بالبطولة المطلقة والبطل الواحد أو الشخصية الرئيسية، فلكل شخصية دورها الذي إن طمس تأثرت الرواية”.

وتلفت الفاضل إلى أن تصريحها بأن أعمالها تعتمد على الجمع بين الواقع والخيال لا يعني خشية ردود الفعل، وتجريم الواقع الاجتماعي لأفكار تكشف متناقضاته، وتقول “الواقع محتشد بصور قد يراها البعض نوعا من الخيال. الكثير من من مشاهد رواياتي رأيتها بعيني، الخيال يأتي مع بعض التفاصيل الصغيرة ويتمدد بين الأحداث وتسلسلها والأمكنة ووصفها ثم الشخصيات وظروفها. مثلا في رواية ‘في مكان ما‘ كتبت عن أماكن من وحي الخيال وأعطيتها أسماء من عندي، وقد ربط بعض قراء الرواية بينها وبين دارفور على الرغم من أنني لم أذهب الى دارفور حتى الآن. الإشارة الوحيدة كانت بعبارة ‘في مكان ما من أفريقيا‘ لأن الرواية تحكي في بعض فصولها عن ‘الطفل المفقود‘ الذي ينتزع من بيئته، ويعود إليها غريب اللسان فيما يمثل جزءا من متاعب هذه القارة وربما غيرها. وردا على سؤالك أنا لا أخشى الواقع ولا أعمل على تجريم شخص أو كيان أو نظام، إنما أتناول ممارسة أجدها مستفزة بما يكفي لمعالجتها في رواية”.

المشهد السوداني

توضح الفاضل أنها كتبت الشعر بالفصحى والعامية، وتقول “بداياتي كانت مع الشعر ثم القصة القصيرة والمقال فالرواية”، وتضيف “لدي العديد من القصائد بالفصحى والعامية، ولكن دعني أستعير تعليق أستاذنا الكبير الشاعر فضيلي جماع الذي قرأ مسودة رواية ‘الجدران القاسية‘ وأدين له بالفضل في حسم ترددي والدفع بها للنشر، وكان تعليقه إن ‘هذا أسلوب شاعر‘. ولم يكن يعرف أنني أكتب الشعر”.

وتؤكد الفاضل “أن الرواية السودانية تمضي الآن حثيثا في ماراثون السرد في العالم العربي، وتسجل حضورا مشهودا أفريقيا وعربيا، ومثلما انطلقت عالميا من قبل بروايات الطيب صالح وقائمة المئة، ها نحن الآن نشاهد الحضور المتوالي لعدد من الأسماء السودانية مثل أمير تاج السر في القائمة القصيرة للبوكر العربية وزيادة حمور ومسابقة نجيب محفوظ وهناك علي الرفاعي وجائزة كتارا، وبشرى الفاضل والبوكر الأفريقية، وبركة ساكن، وبعيدا عن الجوائز والمسابقات هناك كتاب سودانيون سجلوا حضورا قويا في مجال الرواية ويقودون الطفرة الرائعة التي تشهدها الرواية السودانية، وإذا ما توفرت لأعمالهم الترجمة والإعلام المناسب فهم بلا شك سيضيفون الكثير للمكتبة العالمية”.

الرواية السودانية تمضي الآن حثيثا في ماراثون السرد في العالم العربي، وتسجل حضورا مشهودا أفريقيا وعربيا وعالميا

وتقول الفاضل إن “المشهد الثقافي في السودان يشهد أيضا حركة دؤوبة في إثراء القراءة وقد شهدت عن كثب جهود نادي الكتاب السوداني بقيادة مشاعر شريف الذي يؤمه قراء وقارئات الرواية المحلية والعالمية، ويقرأ كل شهر رواية واحدة، ثم يتناولها الأعضاء بالتحليل والنقد والنقاش. إنها مبادرة جميلة أتمنى وأتوقع لها الاستمرارية والنجاح، حيث جعلت الخرطوم تلتقي بأسماء رائدة في مجال الأدب والسرد. وأتمنى أن نشهد قريبا فعالية تجمعنا بمبدعي أفريقيا والعالم أجمع، فليس مثل الرواية ما يجعلك تتخطى المسافات لتتعرف على الشعوب الأخرى”.

وكشفت الفاضل أنها تجد نفسها في الترجمة فهي مجال ممتع وإن لم يخل من مشقة، وتقول “عندما أضع قلم الكتابة ألتقط قلم الترجمة. والترجمة الجيدة تضع المترجم في مصاف المبدعين. فعملية الترجمة تستدعي إلماما كافيا بلغة النص الأصلي وبيئته وظروفه، ثم الإلمام الكافي باللغة المترجم إليها وثقافة وبيئة الهدف، ودون ذلك وأكثر سترتكب أكبر خيانة في عالم الترجمة وهي خيانة النص”.

15