السلوك المتبع في عالم الرياضة الدولي يكرس التحيز الجنسي ضد الرياضيات

أطلقت خلال الألعاب الأولمبية في طوكيو دعوات تنادي بضرورة تغيير السلوك المتبع في عالم الرياضة الدولي الذكوري والمحافظ، وذلك لأنه يكرس التحيز الجنسي ضد المرأة الرياضية، وفق العديد من المتابعين. ويرى المتابعون للشأن الرياضي الدولي أن فرض زي معين على اللاعبات يشجع على التعامل معهن كصور جذابة لا على أنهنّ رياضيات محترفات.
أوسلو- لم يكن الجدل في الأحداث الضخمة التي عرفتها الساحة الرياضية الدولية هذا العام مقترنا بمدى مهارة اللاعبات وقدرتهن على إدارة الأعناق من خلال لياقتهن البدنية، بقدرما كان مقترنا بأزيائهن التي جاءت لمحاربة أي طابع جنسي يميز رياضة الأجساد الرشيقة والأوزان الخفيفة.
ومن الأزياء التي اعتبرت محتشمة للاعبات الألمانيات خلال الألعاب الأولمبية بطوكيو إلى الزي الرياضي للاعبات منتخب النرويج للكرة الشاطئية خلال البطولة الأوروبية لكرة اليد الشاطئية، تتالت الدعوات بأن يكون للرياضيات الحق في اختيار الزي الذي يشعرن فيه بالراحة خلال اللعب.
ثقافة نسائية مختلفة

قد رفعت اللاعبات الألمانيات راية التغيير وإحلال ثقافة نسائية مختلفة تناشد بإتاحة حرية ارتداء الملابس التي تناسب كل سيدة وفقا لثقافتها ومعتقداتها ورغبتها.
وقررت سيدات ألمانيا للجمباز ارتداء ملابس تغطي الجسم بالكامل في ظهورهن بتصفيات اللعبة خلال أولمبياد طوكيو، في خطوة قالت عنها عضوات الفريق إنها جاءت لتوجيه رسالة بضرورة تعزيز حرية الاختيار وتشجيع السيدات على ارتداء ما يجعلهن يشعرن بالراحة.
ونقلت وكالة رويترز عن واحدة من اللاعبات قولها “أردنا أن نظهر أن كل امرأة وكل شخص يجب أن يقرر ماذا يرتدي”. وأصرت لاعبات الجمباز الألمانيات على موقفهن الرافض لإضفاء طابع جنسي على رياضتهن.
وكان عدد منهنّ قد ارتدين ملابس مماثلة في بطولة أوروبا في وقت سابق من هذا العام، وقالت اللاعبة سارة فوس إنها وزميلاتها يردن جعل الفتيات الأصغر سنا يشعرن بالأمان عند ممارسة هذه الرياضة. وتتحدى هذه البدلات التقاليد المتبعة، حيث تختار معظم لاعبات الجمباز ثوبا راقصا وهناك من تختار تغطية الساقين في المنافسة الدولية لأسباب دينية.
وكان الفريق النسائي الألماني قد ارتدى بدلات كاملة في بطولة أوروبا في أبريل الماضي، وسط دعوات بتغيير القوانين التي تتحكم في ملابس اللاعبات، وأن يكون لهن الحق في اختيار الزي الذي يشعرن فيه بالراحة خلال اللعب.
كما فجر الزي الرياضي للاعبات منتخب النرويج للكرة الشاطئية خلال البطولة الأوروبية لكرة اليد الشاطئية جدلا حول زي اللاعبات في عدد من الرياضات. وبرزت تساؤلات حول حق اللاعبات في اختيار الزي الرياضي الأنسب لهن وقواعد اختياره.
وما زاد من احتدام الجدل هو أنه بإمكان لاعبي كرة اليد الشاطئية الذكور ارتداء قمصان رياضية طويلة وفضفاضة مع سراويل تغطي جزءا كبيرا من عضلات الفخذ، في حين لا تستطيع النساء ارتداء زي مشابه، ما يجعل السلوك المتبع في عالم الرياضة الدولي يكرس التحيز الجنسي ضد الرياضيات. وتساءل كثيرون لماذا يقع التمييز بين الجنسين في طريقة اللباس؟
ويرى داعمو تغيير قواعد الزي الرياضي للنساء أن هناك تمييزا واضحا بين خيارات اللاعبين الذكور واللاعبات الإناث في الزي الرياضي، ففي الوقت الذي يحدد فيه القانون لباس اللاعبات بالسنتيمترات، فإنه يترك الحرية للاعب في ارتداء سروال حسب راحته، طالما لم يتعد طوله مستوى الركبة.
وكان الاتحاد الأوروبي لكرة اليد قد غرم فريق كرة اليد الشاطئية النسائي النرويجي 1500 يورو، بعد أن رفضت لاعبات الفريق ارتداء البكيني خلال البطولة الأوروبية لكرة اليد الشاطئية وفضلن ارتداء السراويل القصيرة (الشورت).

للرياضيات الحق في اختيار الزي الذي يشعرن فيه بالراحة خلال اللعب
ودعم الاتحاد النرويجي لكرة اليد اختيار اللاعبات، وأعلن أنه سيدفع الغرامة ولن تتحملها أي لاعبة من الفريق. كما أعلن الاتحاد دعمه الكامل لكل اختيارات اللاعبات وما يعزز شعورهن بالراحة.
وجاء في البيان الصادر عنه “سنواصل النضال معا من أجل تغيير القواعد التي تحكم الثياب، بحيث يتمكن اللاعبون من ممارسة الرياضة مرتدين الملابس التي تشعرهم بالراحة”.
واشتكت لاعبات فريق كرة اليد الشاطئية النرويجي من أن السراويل التي طُلب منهن ارتداؤها في منافساتهن الأخيرة كانت مقيدة جدا للحركة، وأضفت طابعا جنسيا عليهنّ، كما أنها كانت غير مريحة.
لذلك اخترن ارتداء الشورتات عندما واجهن فريق إسبانيا من أجل الحصول على ميدالية برونزية. وقبل انطلاق البطولة، اتصلت النرويج بالاتحاد الدولي لكرة اليد وطلبت الإذن للاعبات لارتداء التبابين (الشورتات). ولم يرفض الطلب فحسب، بل تم تذكير الفريق بأن انتهاك القواعد أمر يتوجب العقاب، وبالفعل عندما اختار الفريق ارتداء التبابين غرمت كل لاعبة بما يعادل 177 دولارا.
وعبر كيه ري جير ليو رئيس الاتحاد النرويجي لكرة اليد عن دعمه للرياضيات ووافق على دفع الغرامة. وقال إن “أهم شيء هو أن تكون لديك معدات يشعر الرياضيون بالراحة فيها”.
كما شدد إيريك سوردال رئيس الاتحاد النرويجي للكرة الطائرة على ضرورة ألا يتسبب مثل هذا الأمر بمشكلة. وكتب وزير الثقافة والرياضة أبيد راجا على تويتر “إنه لأمر سخيف للغاية، لا بد من تغيير السلوك المتبع في عالم الرياضة الدولي الذكوري والمحافظ”. وقالت ريناتا ميندونكا الصحافية الرياضية “إن كل رياضة تحتاج إلى قواعد، ولكن عندما تكون لدينا مجموعة من القواعد خاصة بالنساء فقط، عندها تكون لدينا مشكلة”.
تحيز جنسي
كما اعتبرت توفا لاي صانعة المحتوى الرقمي والمحامية السابقة أن ذلك يعد تحيزا جنسيا ضد المرأة في أوضح أشكاله. مشيرة إلى أن التمييز الجنسي في الرياضة كثيرا ما يحدث كما أن له دورا هائلا في انسحاب العديد من الرياضيات اللامعات من مجالهن.
وأضافت أن القضية ليست قضية شورت أو بكيني، بقدر ما هي قضية تحيز. ولفتت إلى أنه لا يزال يقال للنساء ما الذي يمكنهن ارتداؤه وما لا يمكنهنّ ارتداؤه لأنه لا يزال ينظر لأجسادهن على أنها أشياء وللرجل الحق في التعليق عليها ووضع مطالبه بخصوصها وإبداء رأي عنها. وتابعت “لا تؤخذ النساء في الرياضة على محمل الجد، ويتم التعامل معهن كصور جذابة لا على أنهنّ رياضيات محترفات”.
بدورها أشارت ميندونكا إلى أنه لا يوجد تبرير معقول لارتداء البكيني. وإنه لن تتغير الرياضة أبدا إذا سُمح للنساء باللعب مرتديات الشورتات، بل على العكس سيشعرهن ذلك براحة أكبر.
وشاركت ميندونكا في تأسيس منصة رقمية وتهدف إلى زيادة إظهار النساء في الرياضة، وتسليط الضوء عليهنّ، كما تقول، لأنه غالبا لا يحصلن على هذا في الشبكات الرئيسية. وأكدت أن المسابقات الرياضية صممت للرجال، كما يتبين ذلك عند حدوث مثل هذا النوع من المواقف.
وأوضحت أن الأشخاص الذين يديرون المنظمات الرياضية، وهم عادة رجال بيض البشرة، ينظرون إلى اللاعبات على أنهن زينة، وأن دورهن إرضاء الرجال. وأضافت أنه يجب أن يكون الأمر متروكا للنساء لتقرير أفضل لباس لهن، لكن لا يتم سماع أصواتهن لأن وجود النساء في المنظمات الرياضية قليل.
كما تحدثت البريطانية أوليفيا برين، الفائزة ببطولة العالم في الوثب العالي والجري في الألعاب البارالمبية عامي 2015 و2017 (أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة) عن تعليق مسؤول بألعاب القوى على زيها بعد مشاركتها في مسابقة للوثب العالي في بيدفورد، حين قال لها إن السروال الذي ترتديه قصير جدا وفاضح.
وقالت برين “لقد جعلني تعليقه أشعر بالغضب حقا وهو أمر غير لائق بتاتا”. وأضافت أنه من المعلوم لا يحق لهم التعليق على ما يمكننا وما لا يمكننا ارتداؤه، مؤكدة أن السروال الذي ترتديه يشبه البكيني عالي الخصر.
سيدات ألمانيا للجمباز قررن ارتداء ملابس تغطي الجسم بالكامل في ظهورهن لتوجيه رسالة بضرورة تعزيز حرية الاختيار
وذكرت برين أنها ترتدي نفس النموذج من الملابس المقدمة لها من قبل راعيها في جميع المسابقات التي شاركت فيها خلال مسيرتها المهنية. وقالت إنها بعد حديثها عن الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي اكتشفت أن رياضيات كثيرات حدث لهن نفس الشيء معربة عن اعتقادها بأن الرياضيين الذكور لا يواجهون تدقيقا أو انتقادات مماثلة.
وأضافت أنها لم تشعر من قبل بأي إحراج، لكن ما حدث جعلها تشعر بالغضب الشديد، مشيرة إلى أنها تلقت عديد الردود على صفحتيها على موقعي إنستغرام وتويتر ما جعلها تعتقد أن نفس الأمر قد حدث للكثير من الفتيات والرياضيات اليافعات. وقالت “يجب أن يتغير هذا الأمر”.
وليس الجدل حول ملابس الرياضيات بالجديد ففي العام 2016 أثارت صورة للاعبتين إحداهما محجبة جدلا واسعا حول الزي الرياضي، وذلك عندما انتشرت على نحو واسع صورة من أولمبياد ريو تظهر لاعبتي كرة طائرة على الشاطئ، إحداهما مصرية والثانية ألمانيّة. وتسببت الصورة بكثير من الكلام والتعليقات ليس بسبب مهاراتهما الرياضية ولكن بسبب أزيائهما المتناقضة كما بدت، حتى أن بعض الصحف علّقت بأن الصورة تمثل “صراعا ثقافيا”، في حين قال كثيرون إن الصورة أظهرت في الواقع القوة الموحدة للرياضة.
وكانت المصريّة دعاء الغباشي أول لاعبة كرة طائرة شاطئية أولمبية ترتدي الحجاب. وقالت الغباشي “ارتديت الحجاب لمدة 10 سنوات. ولم يبعدني عن الأشياء التي أحب القيام بها، وكرة الطائرة الشاطئية واحدة من الأشياء التي أحبها”.
وقد فجرت هذه الصورة مشكلة أكبر بالنسبة إلى كثيرين، حتى أن الصحافية البريطانية هانا سميث كتبت في ذلك الوقت إنه “لا يزال يُنظر إلى أجساد النساء وطريقة ارتداء الملابس على أنها ملكية عامة أو بشكل أكثر دقة لا تزال تعتبر من ملكية للنظام الأبوي”. وأضافت أنه بغض النظر عما ترتديه المرأة عند ممارسة الرياضة، فسيحكم عليها دائما من قبل الرجال الذين يشاهدونها.
وأشار خبراء إلى أنه من غير المرجح أن تختفي قصص انتقاد ثياب اللاعبات من عناوين الأخبار في المستقبل، لكن المحامية السابقة لاي تقول إن “هناك ما يمكننا فعله جميعا للمساعدة وهو الحديث عن هذا الموضوع كلما مر أمامنا. لماذا؟ لأنه علينا أن نظهر للفتيات، منذ صغرهنّ، أنه من الطبيعي وجود المرأة في عالم الرياضة”.

يجب أن لا تكون النساء رهينات لزي رياضي معين