السلع التركية تعزز المصالحة بين المصريين وأنقرة

دوائر سياسية تضع التبادل التجاري بوابة للتقارب الشعبي.
السبت 2024/11/23
حريّ بالمواطن أن يدقق في المنتوج: تركي أم مصري

القاهرة - يتزايد حضور المنسوجات والسلع التركية المختلفة في مصر مع تنامي التعاون الاقتصادي بين البلدين، وجاء قرار الحكومة المصرية أخيرا استيراد البيض التركي خطوة لمواجهة التجار المحليين، ترتب عليها انخفاض أسعار البيض المصري بشكل ملحوظ، ليمنح التبادل التجاري ثقة، فالختم التركي المدون على السلع والمنتجات بدأ يتحول إلى أداة سلام.

وتواصل وزارة التموين بمصر توزيع بيض المائدة التركي على المجمعات الاستهلاكية التابعة لها، بعد وصول كميات كبيرة منه عالية الجودة، ويباع بسعر أقل بنحو 30 في المئة من البيض المنتج محليا في مصر.

وشهدت السوق المصرية ارتفاعات متتالية في سعر بيض المائدة خلال الفترة الماضية، حيث وصل ثمن الكرتونة إلى 200 جنيه في بعض الأوقات (الدولار= 49.5 جنيه)، ما أدى إلى حالة من التذمر بسبب ارتفاع أسعار أحد أبرز أنواع البروتين التي تعتمد عليها فئة كبيرة من المصريين، عقب تراجع القدرة الشرائية للكثير من المصريين، وهو ما حال دون تمكنهم من شراء اللحوم.

وتعبر الاستجابة السريعة من أنقرة لطلب القاهرة عن أن نظام الرئيس رجب طيب أردوغان يسعى للظهور أمام المصريين بصورة مغايرة لتلك التي اعتادوا عليها بعد أن عادى نظام الدولة، عقب ابتعاد تنظيم الإخوان عن السلطة عام 2013، وفتح أبوابه لاستقبال قياديي الإخوان الهاربين.

أحمد سلطان: العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا كانت جيدة في أوج التأزم السياسي
أحمد سلطان: العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا كانت جيدة في أوج التأزم السياسي

ويوحي إعطاء الأولوية للملف الاقتصادي بإدراك أنقرة أنه وسيلة سريعة لتعزيز العلاقات بين البلدين كمدخل لتطويرها سياسيا وأمنيا عندما تتهيأ الظروف.

ورغم محدودية تأثير البيض التركي على مجمل الإنتاج المحلي من البيض في مصر، والذي يصل سنويا إلى 14 مليار بيضة، جرى التعامل مع الصفقة من منظور سياسي على نحو أكبر من جانب وسائل إعلام تركية، وظهر في بعض الأدبيات ما يوصف بـ”دبلوماسية البيض”، في إشارة إلى أن السلع التركية يمكن أن تحل جزءا من الأزمة الاقتصادية في مصر، ما يؤشر على أن التبادل التجاري عملية مهمة  للتقارب بين النظام التركي والمصريين.

وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين كانت جيدة في أوج التأزم السياسي، وإن المستثمرين الأتراك ظلوا يتنقلون بين القاهرة وأنقرة بلا عوائق، والكثير منهم اتجه إلى إنشاء مشاريع مختلفة في مصر والاستفادة من انخفاض كلفة اليد العاملة، كما أن العملة المصرية لم تنهر بنفس وتيرة انهيار الليرة التركية، وترتبت على ذلك زيادة مصانع المنسوجات التركية في مصر.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التجار الأتراك نجحوا في تجاوز التضييق على حركة تحويل الأموال التي كانت تفرضها مصر خشية توظفيها في تمويل تنظيم الإخوان المصنف “إرهابيا”، عبر وسطاء أو تجار أو بنوك وسيطة، ولم يؤثر ذلك على المسار الاقتصادي، ومع قوة الدفع السياسية الحالية عقب تبادل الزيارات بين رئيسيْ الدولتين، سوف تبقى حركة التجارة  في الصدارة.

وتسعى مصر وتركيا إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار سنويا، مقارنة بحجم تبادل تجاري سنوي يبلغ 9.5 مليار دولار حاليا، وبدأت أنقرة خطوات إنشاء منطقتين صناعيتين جديدتين في العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) ومدينة 6 أكتوبر (جنوب غرب)، وفق إفادة رسمية لسفارة تركيا في القاهرة.

ومن المتوقع أن تضم الأولى 500 مصنع، وتوفر فرص عمل لنحو 25 ألف شخص في غضون ثلاث سنوات، وتعمل المصانع خلال فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات. وذكر أحمد سلطان في حديثه لـ”العرب” أن توظيف الاستثمار في مصالحة الشعب المصري يأتي في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الأهداف التركية التي ينصب اهتمامها على إذابة الجليد بين أنقرة والنظام المصري، وتدرك أنقرة أن ذلك سيحدث تلقائيا بالتبعية.

وشدد على أن صانع القرار التركي مقتنع بأن المراهنة على تنظيم الإخوان وجماعات الإسلام السياسي بوجه عام مقامرة خاسرة، وأن التحالف مع هذا التيار قاد إلى معاداة الشعب المصري لأنقرة.

◙ إعطاء الأولوية للملف الاقتصادي يظهر إدراك أنقرة أنه وسيلة سريعة لتعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها

وتسير تركيا في ملف المصالحة الشعبية عبر عدة اتجاهات، من بينها تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إلى مصر عبر وسائل الإعلام، وفرض المزيد من المحاذير عليها بشأن الحديث عن القضايا التي تخص القاهرة، وإبعاد غالبية القنوات التابعة للإخوان من أراضيها، باستثناء تلفزيون “الوطن” والإبقاء على مكتب لقناة “الشرق”.

وأوضح رئيس وحدة الدراسات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل أن الملفات الاقتصادية تخدم مصالح البلدين وتخلق فرصا كبيرة لتحسين أوضاع الشعبين، ما يزيد من الثقة المتبادلة بين الحكومتين، ويظهر ذلك في تقارب القيادتين السياسيتين في الآونة الأخيرة، مع اضطراب الأوضاع في المنطقة، ولدى البلدان رؤية مشتركة بشأن استعادة الأمن والاستقرار الإقليمي.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الوقت الراهن يشهد إحدى أفضل مراحل العلاقة بين البلدين منذ عقود، وأن ملفات التعاون طالت التفاهم لتذويب الخلافات في الملف الليبي والاقتراب من تعيين الحدود البحرية، والاتجاه نحو تسوية الخلاف بين تركيا واليونان وقبرص كمقدمة لتسوية الخلافات بشكل نهائي والسماح لشركات الغاز التركية بالتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط بلا مضايقات.

وتظهر أبعاد سعي تركيا للتقارب الشعبي مع المصريين عبر حضورها الثقافي والتعليمي في القاهرة، وهو ما بدا واضحا من خلال جولات ولقاءات سفير أنقرة صالح موطلو، ومشاركته مؤخرا في حفل تسليم شهادات لأكاديميين أكملوا “برنامج تطوير القدرات لأقسام اللغة التركية في الجامعات المصرية” بمعهد يونس أمرة.

وحضر السفير التركي فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي منذ نحو شهر، وأعلن عزم بلاده المشاركة في الدورة المقبلة من المهرجان، قائلا “هناك أكثر من ألف عام من التاريخ المشترك والثقافة السينمائية المشتركة بين تركيا ومصر… هذا كنز ثقافي.”

1