السلطة الفلسطينية تقطع الرواتب لابتزاز أنصار خصومها

اضطر العديد من الموظفين الحكوميين في الأراضي الفلسطينية إلى تدويل قضية تعليق رواتبهم بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية الاستجابة لمناشداتهم وللقرارات القضائية الصادرة لفائدتهم، متهمين السلطة باستخدام سلاح قطع الرواتب لمعاقبتهم على مواقفهم السياسية.
رام الله - تشن السلطة الفلسطينية حملة على خصومها السياسيين ولاسيما التيار الإصلاحي الذي يتزعمه القيادي محمد دحلان، تراوحت بين المداهمات والاعتقالات لكوادر وأنصار التيار الذين ينشطون خاصة في المخيمات بالضفة الغربية المحتلة، وبين قطع الرواتب على الموظفين الحكوميين الموالين له.
وقد اضطر العشرات من موظفي السلطة الفلسطينية للجوء إلى الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية الأخرى لمناشدتها التدخل لاستعادة رواتبهم المعلقة منذ سنوات، متهمين السلطة بمعاقبتهم لدوافع سياسية.
وقال القيادي في حركة فتح سفيان أبوزايدة الأربعاء “يجب على رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية ووزير المالية أن يشعروا بالخجل وهم يتحدثون عن سلطة القانون وعن محاربة الفساد والشفافية والنزاهة”.
وأضاف أبوزايدة في تغريدة له عبر موقعه على “فيسبوك” “عندما تدوس السلطة بنعالها قرارات المحاكم الفلسطينية ليس هناك خيار أمام من تم الاعتداء على حقوقه سوى التوجه للمؤسسات الحقوقية الدولية لإجبار السلطة التنفيذية على احترام قرارات محاكمها”.
وأكد “أنه لا يوجد فساد أكبر من عدم احترام قرارات المحاكم، ولا يوجد فساد أكثر من الاعتداء على حقوق الناس”.
وكانت مجموعة من الموظفين توجهوا بمطالبهم إلى بعثة الشرطة الأوروبية، ومقرها رام الله، بعد أن ضاقت بهم السبل في ظل رفض الحكومة الفلسطينية إعادة رواتبهم، رغم صدور قرارات قضائية في هذا الشأن.
ووجود بعثة الشرطة الأوروبية يهدف بالأساس إلى مساعدة السلطة الفلسطينية في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية في مجالات الشرطة والعدالة الجنائية.
وقال المحامي الفرنسي سيفاج توروسيان، الذي يمثل 165 موظفا مدنيا وأمنيا في السلطة الفلسطينية، إنّ رواتب موكليه قد تم تعليقها بشكل غير قانوني من قبل وزير المالية في السلطة الفلسطينية.
وأشار توروسيان إلى أن محكمة العدل العليا الفلسطينية نصت في 17 حكما مختلفا من العام 2018 إلى 2020 على أن رواتب الموظفين وموظفي الخدمة العامة لا يمكن تعليقها بسبب مثل هذه القرارات غير القانونية.
وأوضح المحامي الذي يعمل لدى المحكمة الجنائية الدولية “استنتجت المحكمة العليا في كل مرة أن الرواتب هي حقوق أساسية للموظفين وأن إيقافها يعد انتهاكا للقانون”.
ويرى فلسطينيون أن ما تقوم به سلطة الرئيس محمود عباس هو ابتزاز وترهيب لكوادر وأنصار التيار الإصلاحي، الذي اشتدت في الأشهر الأخيرة الاستهدافات الموجهة ضده وهو ما ترجم في الحملة الأمنية التي تعرضت لها كوادره وأنصاره في مخيم بلاطة تحت شعار التصدي للجريمة وانتشار السلاح.
وقال المحلل السياسي الفلسطيني عماد عمر إن قيادة السلطة قطعت منذ عام 2015 رواتب 600 موظف من أبناء حركة فتح، واستهدفت الضغط على هؤلاء للاستقالة من تيار الإصلاح، بل وذهبت إلى ضرورة عدم تأييدهم لأي أفكار صادرة عن التيار أو عن قائده محمد دحلان، بما يخالف جميع الأعراف والمواثيق الدولية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن عددا من الموظفين لجأوا إلى المحاكم الفلسطينية في قطاع غزة وحصلوا على أحكام واجبة النفاذ بأحقيتهم في العودة إلى أعمالهم مجددا، غير أن الحكومة الفلسطينية لم تنفذ هذه الأحكام حتى الآن، وهو ما دفع إلى تصعيد الموقف دوليا، عبر اللجوء إلى بعض المحاكم المعنية، وعلى ذلك سوف تأخذ الأزمة طريقها للتصعيد خلال الأيام المقبلة.
ويرى متابعون أن التصعيد الجاري ضد التيار الإصلاحي يعكس حالة من القلق المتنامي لدى المجموعة الضيقة المتحكمة بالقيادة الفلسطينية، التي تخشى من تنامي نفوذ دحلان في الداخل بما يعزز من فرصه لخلافة عباس (85 عاما).
وكانت تلك المجموعة قد حرصت على استبعاد دحلان من حركة فتح، ما اضطره في الأخير إلى المغادرة والإقامة في الإمارات العربية المتحدة.
ويشير المتابعون إلى أن ذات المجموعة سعت لاستغلال اتفاقيات السلام التي جرت بين دول عربية وإسرائيل بإقحام اسم القيادي الفلسطيني بها، في محاولة لضرب صورته في الداخل.
ويرجح هؤلاء أن تتصاعد الحملة على التيار الإصلاحي في الفترة المقبلة، الأمر الذي يخشى من إثارة ردات فعل وإن أكد التيار على التزامه بسياسة ضبط النفس ضد كل ما يتعرض له وأنصاره من هرسلة.
ويقول نشطاء فلسطينيون إن قطع الرواتب يتجاوز مسألة استهداف أطراف بعينها إلى تغول للسلطة التنفيذية على باقي السلطات التشريعية والقضائية، وهذا أمر خطير يعكس وجود أزمة مؤسسات.
وأوضح القيادي بتيار الإصلاح داخل حركة فتح، أيمن الرقب، أن 186 شخصا ممن تضرروا لقطع رواتبهم لجأوا فعلا إلى القضاء الدولي، وهناك تواصل بين المحامين الفرنسيين الذين يتولون هذه القضايا والسلطة الفلسطينية بشأن إمكانية التوصل إلى حل قبل الاستمرار في الإجراءات القضائية، وثمة مفاوضات حول إمكانية استعادة الرواتب بأثر رجعي.
وأكد لـ”العرب” أن تغول جميع السلطات على بعضها البعض في الضفة الغربية يدفع إلى تدويل الأزمة، بجانب أن الحكومة الحالية تنفذ بعض الأحكام الصادرة بصورة شكلية، وقامت في مرات عديدة بإعادة المتقاعدين ماليا إلى وظائفهم لمدة يوم واحد، قبل أن تقوم بإحالتهم مجددا إلى التقاعد.
ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية تشدد قيودها الرقابية على الموظفين، وتصل إلى حد متابعة آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وبات ذلك يستخدم كأداة اتهام بالانتماء إلى هذا الفصيل أو ذاك، وبعدها يفاجأ بعض الموظفين بقطع رواتبهم من دون مقدمات.
ويأتي تعليق السلطة لرواتب العشرات من الموظفين في وقت يواجه فيه معظم الشعب الفلسطيني أوضاعا اجتماعية صعبة ازدادت تعقيدا مع تفشي جائحة فايروس كورونا، وتجد النسبة الكبيرة من الأسر الفلسطينية نفسها أسيرة مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا التي تكابد هي الأخرى للحصول على الدعم الدولي.
وحذر المحلل الاقتصادي ماجد أبودية من “أن الفقر بدأ يتفشى بشكل كبير بالمجتمع الفلسطيني، من جراء سياسة قطع الرواتب والخصومات والتقليصات”.
وكانت السلطة الفلسطينية اقتصرت في الأشهر الماضية على دفع نصف رواتب للموظفين بعد وقف إسرائيل لأموال المقاصة (الضرائب)، وفي ظل أزمة مالية خانقة تعصف بها، ومع حل الأزمة مع تل أبيب استأنفت السلطة الشهر الماضي تسديد الرواتب كاملة للموظفين إلا “المغضوب عليهم” بسبب مواقفهم السياسية.