السلاح المنفلت يهدد الانتخابات البرلمانية العراقية

يعيش العراق على وقع شدّ وتنافس سياسي وانتخابي يسبق إجراء الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل، الأمر الذي يدفع ميليشيات مسلحة للدفع بمرشحيها إلى الواجهة باستخدام طرق الترهيب والضغط على الناخبين، في وقت تعهدت الحكومة العراقية بحماية عملية التصويت وسلامة الناخبين.
بغداد- ارتفع منسوب القلق بين أوساط شعبية وقوى سياسية ومرشحين مستقلين من خطورة زج السلاح في العملية الانتخابية، بعد احتدام المنافسة مع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من أكتوبر المقبل.
وعبرت تلك الأوساط عن مخاوفها من أن تقوم ميليشيات وقوى سياسية وطائفية بالضغط على الناخبين بقوة السلاح والتهديد للتصويت لها.
يذكر أن ائتلاف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري يجمع الميليشيات المقربة من إيران في قائمة انتخابية كبيرة، كما أن التيار الصدري المدعوم من جيش المهدي المسلح يدفع باتجاه تحقيق نصر انتخابي كبير يعد له منذ أشهر.

مصطفى سالم: الانتخابات ستفاقم الفساد وإفلات الميليشيات من العقاب
ويقود ائتلاف دولة القانون برئاسة زعيم حزب الدعوة الإسلامي نوري المالكي حملة انتخابية أنفق عليها مبالغ طائلة استثمرت لإغراء العشائر بالأموال والأسلحة من أجل التصويت لمرشحي الائتلاف.
وكان المالكي قد حذر من أن تقود أي عملية تزوير في الانتخابات التي يراقبها المئات من المشرفين الدوليين إلى حرب أهلية في العراق.
ودعا ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي القوى السياسية ولاسيما تلك التي تمتلك السلاح، إلى توقيع “ميثاق شرف” بعدم زج السلاح في العملية الانتخابية.
ولا تخفي منظمات مراقبة الانتخابات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مخاوفها من تأثير السلاح المنفلت على خيارات الناخبين في عدد من المحافظات العراقية.
ولا يقتصر وجود السلاح المنفلت لدى الفصائل التي يشارك أغلبها في الانتخابات البرلمانية في ائتلاف الفتح والتيار الصدري وائتلاف دولة القانون، بل إن غالبية العشائر العراقية مسلحة وهي تعمل على مساندة مرشحين والتأثير على قناعات الناخب يوم الاقتراع.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد دفعا قادة الكتل الانتخابية إلى التوقيع على مدونة سلوك انتخابي بغية تأمين الفرص المتكافئة للمرشحين والمحافظة على سلمية الانتخابات البرلمانية ونزاهتها.
واشترك جميع قادة الكتل والتحالفات في التوقيع على المدونة الأسبوع الماضي بحضور رئيس وأعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت.
إلا أن ذلك لم يخفف المخاوف من تحول الانتخابات المقبلة في العراق إلى صراع بين الكتل والأحزاب المتنافسة واللجوء إلى عمليات تصويت غير مشروعة، ومن ثم الاختلاف بعد إعلان نتائجها.
وعبر الكاتب السياسي العراقي مصطفى سالم عن تشاؤمه ممّا يجري بالقول “دعنا نعترف أن مشكلة الانتخابات تكمن في أن الحكومة والمفوضية والقضاء والمرشحين والمراقبين ومن سيشارك بها، كلهم في معسكر واحد”.

آيات المظفر: طلبنا من القوى السياسية عدم زج السلاح في العملية الانتخابية
وقال سالم في تصريح لـ”العرب” إن “مقاطعة الجمهور للانتخابات غير كافية ومن لم يستطع التأثير بإسقاطها عليه الجلوس في البيت، لأن الجلوس هو تصويت خجول لصالح العراق”.
إلا أن الناطقة باسم ائتلاف النصر آيات المظفر عوّلت على وعي الناخب والقوات الأمنية في ضمان الانتخابات المقبلة.
وأضافت المظفر في تصريح لشبكة رووداو “طلبنا أن يكون هنالك نوع من ميثاق الشرف بين القوى السياسية، خاصة التي تمتلك السلاح، تتعهد فيها بعدم زج السلاح في العملية السياسية، لأن أي خرق قد يحدث ستتحمل نتائجه وعواقبه”.
وتعهدت الحكومة العراقية باستنفار قواتها الأمنية والتعاون مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لضمان سلامة وشفافية إجراء عملية التصويت.
ووضعت الحكومة العراقية خطة أمنية في داخل محطات الاقتراع تتضمن تشكيل خلية مشتركة من المخابرات والاستخبارات، إضافة إلى الخطة الأمنية التي تكون خارج محطات الاقتراع.
وذكر بيان لخلية الإعلام الأمني أن “قيادة عمليات بغداد لتأمين الانتخابات وضعت خطة أمنية خاصة لضمان إجراء الممارسة الانتخابية في وضع هادئ ومستقر”.
وذكر عضو لجنة المراقبين الدوليين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الحسن قبس أن عدد المراقبين الدوليين في البلاد يبلغ أكثر من 240 من عدة سفارات ومنظمات مهتمة بالشأن الانتخابي، سيراقبون العملية الانتخابية في العراق، موضحاً أن “عددهم في تزايد بشكل عام”.
وقامت المفوضية بتحديث 17 مليون بطاقة انتخابية إضافة إلى البطاقات الإلكترونية التي سيتم سحبها بعد التصويت، في إجراءات تحول دون حدوث محاولات تزوير خلال التصويت.
مع ذلك تتواصل الخروقات في الدعاية الانتخابية واستخدام “المال القذر” في شراء الأصوات وتمزيق صور وإعلانات القوى المنافسة.

إحسان الشمري: لا جديد سوى صور لمرشحي قوى الفساد تعتلي المباني المتهالكة
وأكد عضو ومرشح ائتلاف النصر في محافظة البصرة مناضل عبد خنجر أن السلاح المنفلت له تأثير على خيارات الناخبين، مشيرا إلى قيام جهات بحرق وتمزيق صور مرشحين في منطقة القبلة الدائرة الأولى.
وأعلنت السلطات العراقية الاثنين إلقاء القبض على متهمين اثنين بتمزيق الدعايات الانتخابية في العاصمة بغداد.
كما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن فقدان أحد موظفيها وبحوزته بيانات انتخابية في بغداد.
وأكدت وثيقة صادرة من المفوضية فقدان الموظف علي أحمد حسين المنتسب إلى مركز انتخابات منطقة اليوسفية جنوب بغداد وبحوزته أجهزة الذاكرة الخاصة بالمركز.
وتدفع تصريحات المسؤولين في المفوضية إلى طمأنة الناخبين العراقيين والوثوق بشفافية الانتخابات، لكنها تثير المزيد من الأسئلة لدى المراقبين السياسيين.
وأكد رئيس لجنة المحاكاة ومدير التدريب في المفوضية العليا للانتخابات داود سلمان خضير أن نتائج الانتخابات ستعلن بعد 24 ساعة من يوم الاقتراع.
وقال خضير إنه “تم نصب عدد من الشاشات في عدة محافظات ستكون مخصصة لغرض الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات”.
إلا أن إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي والأستاذ في جامعة بغداد استبعد أي تغيير يمكن أن يثمر عن الانتخابات العراقية.
وقال “لا جديد في بغداد سوى صور لمرشحي قوى الفساد تعتلي مبانيها المتهالكة”.
واعتبر الشمري عدم وجود قيمة حقيقية للمشاركة الواسعة في الانتخابات ما لم تقترن باختيار منهج وعقل جديدين.
وقال مصطفى سالم “عندما لم تنجح احتجاجات تشرين في التحول إلى ثورة أحدثت إنعاشا سياسيا لقوى الفساد والميليشيات الإيرانية الولائية. ولهذا ستسفر الانتخابات المقبلة عن زيادة وحشية النظام لأنه سيصل إلى أعلى درجات الفساد والإفلات من العقاب”.
وأضاف سالم في تصريح لـ”العرب” أن ما يحدث بعد الانتخابات وبسبب غياب تأثير الشارع وتلاشي فرص الثورة، سيرسخ سلطة الميليشيات الإيرانية، وهو ما سيقود تدريجيا إلى نهاية الدولة العراقية، لأن فرص التعايش التي تحتضر أصلا، ستصل إلى الصفر بسبب إجرام هذه الميليشيات وبسبب تضخم روح الانتقام والرفض للبقاء ضمن كتلة وطنية واحدة.
اقرأ أيضا: