السعودية تطوق التصعيد بين الانتقالي الجنوبي وإخوان الشرعية

عدن - كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” عن تراجع المجلس الانتقالي الجنوبي عن قراره تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض التي تجري في العاصمة السعودية الرياض بين الحكومة اليمنية ووفد من المجلس.
ووفقا للمصادر فقد جاء هذا القرار بعد إطلاق قوات أمنية في محافظة شبوة سراح قيادات تابعة للمجلس الانتقالي تم احتجازها، بعد تدخل مباشر من قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية التي ترعى “اتفاق الرياض”.
وكان المجلس قد اتخذ قرار تعليق مشاركته ردا على اختطاف عدد من قياداته في محافظة شبوة التي تسيطر عليها الشرعية، أثناء عودتهم من عدن إلى محافظة حضرموت، بحسب الناطق الرسمي باسم الانتقالي علي الكثيري، متهما ما أسماها ميليشيات الإخوان المسلمين في محافظة شبوة “باختطافهم واقتيادهم من الحاجز العسكري بمنطقة الخبية ببئر علي في محافظة شبوة إلى جهة غير معلومة في تعدِّ صارخ على الحقوق السياسية والمدنية”.
واعتبر نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي منصور صالح أن موقف المجلس تعليق مشاركته في مفاوضات استكمال تنفيذ اتفاق الرياض كان أمرا طبيعيا، ردا على ما وصفه بـ”حالة الاستهتار والاستفزاز التي تمارسها جماعة الإخوان المختطفة لقرار الشرعية اليمنية”.
وأضاف صالح في تصريح لـ”العرب” أنه “من غير المعقول أن يواصل المجلس التزامه بالمشاورات في ظل اختطاف قياداته في عمل إرهابي لا تقدم عليه سوى الجماعات الإرهابية وهي عملية تتكرر باستمرار بالإضافة إلى أعمال الاغتيالات والاختطافات شبه اليومية لمنتسبي النخبة الشبوانية”.
وشهدت الأيام القليلة الماضية عودة التوتر بين المجلس الانتقالي وأطراف في الحكومة اليمنية تعمل -بحسب اتهامات المجلس- على إفشال “اتفاق الرياض”.
واعتبر ماجد المذحجي المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن الاختناق السياسي الداخلي في اليمن وصل إلى أشده، في الوقت الذي لا تضغط فيه السعودية بالجهد الكافي لتصريف الانسداد السياسي بين الطرفين.
وقال المذحجي في تصريح لـ”العرب” إن الرياض تدرك أن هناك شيئا رئيسيا يمكن أن تساهم به ألا وهو حل الملف الاقتصادي الذي يحتاج إلى دفعات مالية كبيرة للبدء بإرخاء الوضع وضمان تحسين الوضع الخدمي في مدينة عدن.
ولاحظ أنه حين عادت الحكومة اليمنية إلى عدن أدى عدم قيام الرياض بتنفيذ وعودها المالية إلى الاختناق الحاصل الآن، وبالتالي إلى تصعيد التوتر.

وتوقع أن يسير اتفاق الرياض باتجاه التجميد وليس إعلانا للفشل لأنه لا أحد يريد تحمل مسؤولية إعلان ذلك، لكن حذّر من أن الاختناق هذه المرة أكبر من أيّ مرة أخرى ويحتاج إلى جهد حقيقي لحل هذا الوضع.
واتهم المجلس جناح الإخوان المسلمين في الشرعية باستخدام ورقة القاعدة لاستهداف قوات الانتقالي، تعليقا على مقتل عدد من عناصر الحزام الأمني في محافظة أبين في عمليات أعلنت القاعدة مسؤوليتها عنها وتوعدت بشن المزيد منها.
وامتدت جهود الحراك الدولي والأممي حول الملف اليمني في الآونة الأخيرة لتشمل دعم تنفيذ “اتفاق الرياض” باعتباره خطوة أساسية نحو توحيد الواجهات السياسية المتعددة في معسكر المناوئين للحوثي، الأمر الذي يساهم في دعم مشاورات الحل النهائي للأزمة اليمنية المنتظرة.
وتضمنت اللقاءات التي أجراها في الرياض المبعوثان الأميركي تيم ليندركينغ والأممي مارتن غريفيث إلى اليمن مع مسؤولين يمنيين وسعوديين التأكيد على دعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة لمساعي استكمال تنفيذ اتفاق الرياض ونزع فتيل التوتر الذي يهدد بعودة المواجهات العسكرية، في ظل معلومات عن تحشيد الأطراف الموقّعة على الاتفاق في مناطق من محافظتي أبين ولحج.
وفيما تتبادل الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الاتهامات حول عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض والمسؤولية عن مغادرة الحكومة للعاصمة المؤقتة عدن تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن نقاط الخلاف الحقيقية تدور حول رغبة كل طرف في الاحتفاظ بمكاسبه على الأرض والامتناع عن تنفيذ أيّ جزء من الاتفاق -وخصوصا الشق العسكري- يمكن أن يجتزئ من تلك المكاسب التي راكمتها الأطراف عبر جولات من الصراع السياسي والعسكري.
وترفض أطراف في الحكومة تفسيرات الانتقالي لتنفيذ الشق العسكري الذي يتضمن انسحاب قوات الشرعية من محافظتيْ شبوة وحضرموت إلى مناطق التماس مع الحوثيين، بينما يتحفّظ الانتقالي على المقترحات التي تتضمن عودة أيّ مظهر من مظاهر النفوذ العسكري للشرعية إلى العاصمة عدن، أو إفراغ المدينة من ملامح القوة التي عزّزها الانتقالي في أعقاب المواجهات التي خاضها ضد القوات الحكومية في أغسطس 2019.
ويذهب خبراء في الشأن اليمني إلى أن تعقيدات تنفيذ جوهر اتفاق الرياض بكامل بنوده أمر لا يمكن تطبيقه في ظل حالة التوازن العسكري الحالية بين طرفي الاتفاق، إضافة إلى عدم تلاشي آمال القوة لدى تلك الأطراف التي ما زالت تواصل استعداداتها لجولات قادمة من المواجهة في حال تهيأت الأوضاع الموضوعية يمنيًّا وإقليميا وعسكريا لتلك المواجهات.
ويسهم الدعم الذي تقدمه دول إقليمية لبعض أطراف الشرعية الرافضة لاتفاق الرياض في تأجيج حالة التوتر وتعميق الشعور بعدم الثقة بين الأطراف واستمرار حالة التحشيد العسكري التي تجعل فتيل الصراع مشتعلا بالرغم من التوقيع على الاتفاق وتنفيذ أهمّ بنود شقه السياسي المتمثلة في تشكيل حكومة شارك فيها الانتقالي لأول مرة، قبل أن تتسبب مغادرتها العاصمة المؤقتة عدن في عودة شبح التوتر السياسي والعسكري.
وينظر الانتقالي إلى الشرعية ومؤسّساتها المختلفة كواجهة لنفوذ حزب الإصلاح الإخواني الذي يجمعه به تاريخ من العداء السياسي والأيديولوجي، فيما يعتبر القيادات الجنوبية التي تتصدّر قيادة الشرعية مجرد أدوات استغل الإخوان خلافاتها مع المجلس وقاموا بتوظيفها في صراعهم الهادف إلى إضعاف المجلس وتحجيمه سياسيا وشعبيا.
وتعمل أطراف نافذة في الشرعية، بشقيها الإخواني والجنوبي المعادي للانتقالي، على نقل صراع الاستحواذ جنوبا إلى مناطق خارج مثلث نفوذ الانتقالي في عدن والضالع ولحج من خلال تكريس وجودها تحت لافتة الحكومة في محافظتيْ حضرموت والمهرة.