السعودية تراهن على علاقة قوية بتونس لمواجهة النفوذ التركي

تونس - حملت زيارة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، الخميس، إلى تونس إشارات قوية على أن السعودية لا تفكر بالتخلي عن تونس والاستمرار في دعمها بقطع النظر عن التحولات السياسية الداخلية التي تصاحب تجربة الانتقال الديمقراطي في البلاد. كما أنها لا تريد أن تجد نفسها غائبة عن المشهد التونسي، في الوقت الذي انطلق فيه سباق جديد على النفوذ في شمال أفريقيا بدخول العامل التركي.
وأعلن وزير الخارجية السعودية إثر لقائه الرئيس التونسي قيس سعيد في القصر الرئاسي بقرطاج، عن دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس قيس سعيد لزيارة الرياض. كما قام بتهنئته بمنصب الرئاسة.
ولم يحدد الوزير تاريخا للزيارة لكنه أشار “نأمل أن يتحقق ذلك قريبا نظرا للعلاقات الوطيدة التي تربط المملكة العربية السعودية وتونس”.
وقال الأمير فيصل “العلاقات وطيدة وثابتة لكن نأمل في تطويرها ورفعها إلى مستويات جديدة”.
ولم يقم سعيد بأيّ زيارة خارجية منذ دخوله القصر الرئاسي في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي إثر فوزه في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه نبيل القروي. لكن دعوة السعودية تعطي مؤشرا إيجابيا قد يساعد قيس سعيد على بناء دبلوماسية تعتمد على مؤسسة الرئاسة بدرجة أولى وعدم الخضوع لضغوط النهضة.
واعتبرت أوساط تونسية مطلعة أن زيارة الوزير السعودي جاءت في وقت مهم بالنسبة إلى تونس التي تعيش على وقع أزمة حكومية مستمرة لأكثر من شهرين، فضلا عن بوادر خلاف بين حزب حركة النهضة الإسلامي الذي يتولى مهمة تشكيل الحكومة والرئيس قيس سعيد، وأن الخلاف لا يتعلق بمسائل شخصية أو نزاع على القرار بل على توجهات كبرى، وخاصة ما تعلق بالعلاقة بتركيا.
وأظهرت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة، والتي جاءت بشكل مفاجئ وكأمر واقع، أن مؤسسة الرئاسة لا تقبل بالانسياق في سياسة المحاور، وخاصة مع تركيا التي تعتقد أن نفوذ الإسلاميين في البرلمان والحكومة قد يتيح لها التصرف مع تونس كدولة تابعة.
وشهد الموقف من الملف الليبي فرزا واضحا في الساحة السياسية وبان أن أغلبية التونسيين يرفضون الانحياز لتركيا ويبحثون عن حل في ليبيا تحت غطاء عربي، وهو ما يجعل الاهتمام السعودي بتونس وزيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان عنصرا داعما لخيار تكييف التوجهات السياسية الخارجية لتونس للعمق العربي.
إقرأ أيضاً في العمق:
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى تونس تهدف إلى بحث الملف الليبي.
وقال متابعون للشأن التونسي إن سيطرة النهضة على رئاسة البرلمان ووجود رئيس بمشروع سياسي “محايد” يترك الفرصة لمشروع الإسلام السياسي، الذي أصبح الآن مشروعا إقليميا تركيا أيضا، أن يستوطن في تونس، ما يستدعي موقفا عربيا أكثر فاعلية يتجاوز الزيارات السياسية والتصريحات المجاملة إلى دعم مالي واستثماري لتونس لإعطاء مشروعية للرهان على العمق العربي من جهة والمساعدة في التخلص من إغراءات مشاريع الإسلام السياسي والولاء لتركيا وقطر من جهة أخرى.
وتكشف زيارة الأمير فيصل بن فرحان أن السعودية تراهن على التعامل من خلال القنوات الرسمية لكي لا تتهم، أسوة بقطر، بأن لديها أجندتها المخفية، وأنها تنظر إلى علاقتها بتونس بصورة جدية ولم تهتم بالحملة التي قادتها النهضة ودوائر محسوبة على قطر حين زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تونس المرة الماضية.
ويعتقد المتابعون أن تونس يمكن أن تلعب دورا مهما في سياق الاستراتيجية العربية الهادفة إلى تحييد منطقة شمال أفريقيا عن التدخلات الخارجية، وخاصة الملف الليبي، في وقت لم تخف فيه السعودية انزعاجها من الدور التركي.
وكان مجلس الوزراء السعودي أكد في اجتماعه الأخير، الثلاثاء، أن “التدخل التركي في ليبيا يعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن ليبيا، ومخالفا للموقف العربي الذي تبناه مجلس جامعة الدول العربية في ديسمبر الماضي”، وأن التدخل “يقوض الجهود الأممية الرامية لحل الأزمة الليبية، ويشكل تهديداً للأمن الليبي والعربي والإقليمي”.
وأعطى هذا البيان إشارة قوية إلى أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه التدخل التركي ومحاولة خلق واقع جديد في الإقليم يتم فيه تهميش العمق العربي.