السعودية تخيّر قطر بين تغيير سياستها الخليجية أو البقاء في العزلة

الدوحة تراهن على الابتزاز الإعلامي للرياض عبر قناة الجزيرة دون تقديم أي تنازلات.
الأربعاء 2020/02/12
أمن دول الخليج فوق كل اعتبار

الرياض – راهنت قطر على الابتزاز الإعلامي للسعودية في مسعى للخروج من عزلتها بعد أن أرسلت الرياض إشارات مشجّعة على السماح بإعادة فتح قنوات التواصل مع السلطات القطرية وإعطائها الفرصة لإظهار الرغبة والجدية في القطع مع السلوك الذي أغضب جيرانها.

وخيرت الرياض الدوحة بين تغيير علاقاتها الخارجية المناوئة لدول المجلس، وخاصة علاقتها بتركيا وإيران، أو الاستمرار في العزلة، خلال مباحثات عرضية سبقت القمة الخليجية التي عقدت في الرياض في ديسمبر الماضي.

وقالت ستة مصادر إن المحادثات بين السعودية وقطر التي كانت محدودة وعلى مستوى غير رفيع انهارت عقب بدئها ليستمر سريان مقاطعة سياسية وحظر تجاري على الدوحة، وسط اتهامات لقطر بأنها كانت تسعى للحصول على تنازلات مجانية من دول المقاطعة مقابل إطلاق وعود غامضة وتعهدات تعمل مع الوقت على إفراغها من أيّ التزام عملي.

ونقلت وكالة رويترز عن أربعة دبلوماسيين غربيين في الخليج ومصدرين مطّلعين على التفكير القطري إن الأولوية لدى قطر في المباحثات كانت إعادة حرية انتقال مواطنيها إلى الدول الأخرى وفتح المجال الجوي بهذه الدول أمام طائراتها وإعادة فتح حدود قطر البرية الوحيدة وهي مع السعودية.

غير أن ثلاثة من الدبلوماسيين قالوا إن الرياض أرادت أن تبدي قطر أولا تغييرا جوهريا في مسلكها ولاسيما في سياستها الخارجية التي أيّدت فيها الدوحة أطرافا مناوئة في عدة صراعات إقليمية.

وقال دبلوماسي إن السعودية أرادت ترتيبا جديدا مع قطر يتضمن التزام الدوحة بتعهدات جديدة على نفسها.

وقال مصدران خليجيان آخران مطلعان على تطورات المحادثات إن السعودية، التي تمثل بقية الدول المقاطعة لقطر، أنهت المحادثات عقب القمة الخليجية السنوية التي عقدت في الرياض في ديسمبر ولم يشارك فيها أمير قطر، في موقف عكس عدم جدية الدوحة في الارتقاء بالوعود التي تقدّمها عبر الوسطاء إلى التزام رسمي وعلى أعلى مستوى.

اشتراط السعودية تغييرا جوهريا في العلاقات الخارجية لقطر، يضيّق الخناق على الدوحة ويفقدها هامش المناورة

وذكر أحد المصدرين أن الجانب القطري “لم يكن جادا فيما يبدو”. وكشف مصدر مطّلع على التفكير السعودي أن الرياض كانت تأمل أن تنجح المحادثات لكن الأمور الآن “عادت إلى سيرتها الأولى”.

وكانت دول المقاطعة الأربع قدمت للدوحة في 2017 قائمة تتضمن 13 مطلبا من بينها إغلاق شبكة الجزيرة التلفزيونية وإغلاق قاعدة تركية ووقف الدعم لجماعة الإخوان المسلمين وتخفيض مستوى العلاقات مع إيران.

وفي الـ14 من ديسمبر الماضي، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي زار السعودية لإجراء محادثات، إن “تقدما بسيطا” حدث دون أن يذكر تفاصيل.

وترى أوساط خليجية أن السعودية كانت واعية منذ البداية بأن قطر ستلجأ إلى المناورة، وأن هدفها كان الحصول على تنازل من الطرف الآخر من خلال فتح قنوات التواصل وعقد اجتماعات ولو محدودة لتسويقها على أنها مكسب يظهر مدى رغبة دول المقاطعة في إجراء الحوار وإعادة العلاقات إلى مجراها، والإيحاء بأن قطر لم تطلب ذلك وأنها فرضت حوارا “دون شروط مسبقة”.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن قطر لم تحصل على “الانفتاح السعودي المشروط والحازم” إلا بعد وساطة جهات مختلفة ولأشهر طويلة حملت تعهدات بأن الدوحة تغيرت وأنها جادة في استعادة ثقة دول المقاطعة، واستعدادها للبدء بتحقيق الشروط المطلوبة، لكنها أفشلت تلك الوساطات ووضعت الجهات الوسيطة في إحراج شديد مع القيادة السعودية، وزادت في منسوب تمسّك المملكة بأن على قطر أن تنفّذ كل الشروط الثلاثة عشر المطلوبة منها قبل أيّ حوار.

وضيّق اشتراط السعودية تغييرا جوهريا في العلاقات الخارجية لقطر، الخناق على الدوحة التي لم يكن من الممكن أن تناور بإطلاق تصريحات أو وعود قد تزعج تركيا بالدرجة الأولى التي بات نفوذها قويا ومحددا في القرار القطري، فضلا عن تخوفها من غضب إيران وسعيها بكل السبل لاسترضائها مثلما جرى بعد مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، وكيف أنها أرسلت وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على وجه السرعة للتبرؤ من الهجوم وسط تقارير عن أنه انطلق من قاعدة العديد على أراضيها.

لا مجال للمناورة
لا مجال للمناورة

واعتبر متابعون للشأن الخليجي أن تمسّك السعودية بأن تحدث قطر تغييرات جذرية في علاقاتها الخارجية، هدف إلى وضع الدوحة أمام اختبار حقيقي ترى نتائجه سريعا عكس تعهداتها بالقطع مع الإرهاب ووقف دعمها المالي للجماعات المتشددة الذي يمكن أن تطلق فيه الوعود وتسوّق له دون أن تنفذها، لافتين إلى أن تعديل السياسة الخارجية القطرية بما يراعي أمن دول مجلس التعاون لا يحتاج إلى وساطات وتدخلات ولعب على الوقت، وقد نجحت السعودية في إظهار أن قطر تقدم علاقاتها بتركيا وإيران على الأمن القومي لدول المجلس الذي مازالت تنتمي إليه وتستمر بحضور بعض فعالياته ولجانه وتصادق على لوائحه.

وأمام فشل خيار الخديعة ورفض السعودية تقديم تنازلات مجانية، راهنت قطر على الابتزاز الإعلامي للمملكة وتحويل نشرات قناة الجزيرة إلى خبر سعودي مطوّل يتمّ فيه التقاط كل ما يكتب أو يقال عن السعودية في وسائل إعلام غربية وأغلبه مدفوع الأجر ومفتعل ويتم تضخيمه بهدف الإساءة إلى المملكة ومؤسساتها، وهي حملة قال المتابعون إنها تكشف حجم الخيبة القطرية من تحقيق مكاسب دون تنازلات، وفشلها في الاحتيال على حسن النوايا السعودية التي ظهرت خلال القمة الخليجية، والتي أظهر فيها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ترفّعا عن الخلافات عندما استقبل بحفاوة رئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، الذي استقال لاحقا، لأسباب بينها معارضته لقطع حبل الود مع العمق الخليجي ورهن القرار القطري في المقابل لتركيا وإيران.

1