"السرب" فيلم يستعرض بطولات الجيش المصري في مقاومة الإرهاب

حقق فيلم “السرب” مشاهدات عالية لكنه في المقابل تعرض لانتقادات حادة، حيث بدا وكأنه استعراض سينمائي لبطولات الجيش المصري في مقاومة الإرهاب، استعراض جاء بسيناريو ضعيف وأداء تمثيلي غير متزن أفقد الفيلم فرصة أن يكون تحفة سينمائية خالدة ضمن ما يعرف بسينما الحرب.
تدور أحداث فيلم “السرب” للمخرج المصري أحمد نادر جلال حول مواجهة الجهات الأمنية المصرية للمنظمات والكيانات الإرهابية، يستعرض من خلالها وقائع حقيقية أبرزها ذبح 21 مصريا في ليبيا وقيام الجيش المصري بعمليات حاسمة للتصدي للجماعات الجهادية.
الفيلم من سيناريو عمر عبدالحليم وبطولة كل من أحمد السقا وشريف منير ومصطفى فهمي ومحمد ممدوح وعمرو عبدالجليل ودياب.
يتسم السيناريو بفكرة محورية قوية تستند إلى واقع مؤلم، إلا أن تنفيذه عانى من ضعف التماسك في بعض المشاهد وطريقة ترتيب الأحداث، حيث بدت بعض المشاهد غامضة وغير مترابطة مع الخط الرئيسي للفيلم، ما أحدث فجوة في متابعة تطور القصة وتصعيدها الدرامي، مثل المشهد الذي يبين علي المصري وهو على متن سفينة ويستمع إلى موسيقى بوب مارلي، حيث تم إدراجها دون توضيح ارتباطها بالسياق الزمني أو المكاني وهذا ما جعلها تبدو منفصلة عن البنية السردية العامة.
مشاهد الفيلم تبرز بأسلوب استعراضي يركز بشكل مفرط على إبراز القوة العسكرية على حساب تطوير اللغة السينمائية
وأثر الغموض الذي شاب ترتيب بعض المشاهد سلبا على انسيابية السرد، حيث بدت بعض المشاهد الانتقالية كأنها تعيق التدفق الدرامي بدلا من أن تدعمه وجعل الانتقال بين المواقف مفاجئا وغير مبرر في أحيان كثيرة، وكان لهذا التشويش تأثير سلبي على توضيح الدوافع وتطور الشخصيات، خصوصا في المشاهد المرتبطة بحياة المختطفين من قبل دخولهم إلى ليبيا وسبب وجودهم هناك، فلم تُمنح هذه الشخصيات عمقا كافيا يعكس أبعاد مأساتهم بشكل متسق مع خط القصة.
ويحمل الفيلم فكرة مركزية قوية ويقدم لحظات درامية مشوقة، إلا أن السيناريو وقع في فخ التفاوت بين جودة بعض المشاهد وتماسكها مع الفكرة الأساسية خاصة ظهور علي المصري وعلاقته بالقبائل الليبية والمخابرات وتنظيم داعش، وهذا التفاوت جعل العمل يبدو متذبذبا في بعض أجزائه، حيث تبرز مشاهد معينة بمستوى عال من الجودة الفنية كتكوين اللقطات الذي يظهر الجيش المصري وهو يقصف المرتزقة وتجار الأسلحة، بينما تفتقر مشاهد أخرى إلى الانسجام كعلاقة الصحفية خديجة بأبو أسعد الحمراوي، وهنا تبرز حالة من التناقض أضعفت التأثير الذي خلفته مأساة ذبح الجنود.
ويعتمد العمل على تقديم مشاهد استعراضية ضخمة متكلفة تتمثل في استعراض الطائرات الحربية والسفن والأسلحة، بالإضافة إلى التصوير في فضاءات واسعة بين مصر وليبيا، لكن جاء هذا التوجه البصري الطاغي على حساب التعمق الدرامي الذي كان يجب أن يشكل نواة العمل، فبالرغم من أن القصة مبنية على أحداث حقيقية تحمل ثقلا دراميا كبيرا، فإن الفيلم لم ينجح في استثمار ذلك بعمق درامي يناسب موضوعا حساسا مثل مأساة ذبح الأقباط المصريين على يد عناصر من تنظيم داعش، حيث افتقرت الحبكة إلى تطوير الشخصيات وربطها بمأساة الحدث الحقيقي، وهذا ما جعل الدراما السينمائية تبدو باهتة مقارنة بالضخامة الإنتاجية.
واستخدم المخرج كاميرا الدرون في تصوير العديد من المشاهد ذات الزواية العالية والتي أضفت بعدا بصريا واسعا وجذابا على المشاهد العامة، خاصة تلك التي توثق معاقل داعش والقصف الجوي، إذ تنوعت الزوايا المستخدمة بين الزوايا العالية التي سلطت الضوء على هيمنة القصف وقوة الجيش المصري والزوايا المنخفضة التي أضافت شعورا بالرهبة والخطر من الجماعات الإرهابية، لكن الإصرار على هذا البذخ في التصوير أضعف الحبكة الدرامية الأساسية.
وبدلا من أن تساعد تلك اللقطات في تعزيز البنية الدرامية، جاءت كاستعراض بصري طغى على الجوهر السردي، وكان يمكن الاعتماد على التصوير من الأعلى أن يكون أداة قوية لدعم السرد لو وظف بطريقة جيدة، لكنه أضر بتدفق الأحداث وأضعف الترابط بين الشخصيات وقصتها مع المشاهد، والنتيجة كانت فيلما أكثر اهتماما بالمظهر البصري على حساب تعمق الجمهور في مأساة الحدث وإحساسه بالدراما الإنسانية التي تشكل قلب القصة.
وتم اختيار طاقم خطأ يتكون من كبار النجوم الذين لهم بصمة واضحة في السينما المصرية، مثل أحمد السقا وشريف منير ومصطفى فهمي وغيرهم الذين يعتبرون من أبرز الأسماء في السينما والدراما، إلا أن تكديسهم في فيلم واحد لم يأت بثماره كما كان متوقعا، فهذا الاختيار التمثيلي جعل شخصياتهم تبدو باهتة، وافتقدت إلى القوة التي كانت يجب أن تظهر في مثل هذا العمل الذي يتناول قضية مصيرية، فالمخرج الذكي يختار طاقم عمل يتسم بالتنوع في الخبرات والقدرات التمثيلية ليوفر توازنا أفضل بين الأداء والموضوع.
وأدى الممثل محمد ممدوح دور أبوأسعد الحمراوي بشكل مقنع، حيث استطاع أن يجسد شخصية الرجل المتورط في علاقات مع تنظيمات إرهابية مع تركيزه على إبراز التوتر الداخلي لشخصيته بطريقة غير مبالغ فيها، حيث أظهر صراعا داخليا بين ولائه للجماعات الإرهابية وعلاقاته الشخصية، والدور كان يحمل بعدا نفسيا معقدا نجح الممثل في نقله دون إطالة أو تصنع، وهذا ما جعل أداؤه متناغما مع الأحداث لكنه لم يرتق إلى مستوى الأداء المتميز الذي قد يحقق تأثيرا عاطفيا أكبر على الجمهور.
أما الممثل عمرو عبدالجليل فقد قدم أداء مقنعا أيضا في دور عم محمد، حيث تجسد شخصيته على أنها عنصر مهم ضمن السياق العاطفي والإنساني للفيلم رغم أن الدور كان محدودا لكن استطاع أن يبرز من خلال الأداء الذي يُظهر التزامه تجاه قضية وطنية، وإن كان تطور الشخصية لم يضف الكثير إلى الحبكة الرئيسية للفيلم، وحافظ على توازن جيد بين الشخصية المستسلمة للواقع والمؤمنة بالقضية التي تقاتل من أجلها.
وظهر أداء أحمد السقا في دور علي المصري باهتا ولم يكن مقنعا كدور ضابط مخابرات متخف رغم أن الشخصية كانت تحمل أبعادا معقدة تتعلق بالذكاء والحنكة المخابراتية، إلا أن السقا فشل في تجسيد تلك الأبعاد، بدلا من أن تبرز شخصيته كخبير في التعامل مع المواقف الصعبة ويعكس قدراته في التحليل الإستراتيجي والتخطيط. بدا أداء السقا سطحيا ولم يظهر أي عمق أو قدرة على الإقناع في حركاته، وكان من المتوقع أن تُظهر الشخصية مهارات عالية في التمويه والاحترافية، إلا أن الممثل لم يتمكن من إيصال هذه الحنكة المخابراتية بشكل يتناسب مع طبيعة الدور، وهذا ما جعل الأداء يبدو متسرعا وعاديا دون أن يعكس الشخصية المحورية التي كان ينبغي أن تكون في قلب العمل الدرامي.
وتبرز معظم مشاهد الفيلم بأسلوب استعراضي يركز بشكل مفرط على إبراز القوة العسكرية والعتاد الحربي للجيش المصري على حساب تطوير اللغة السينمائية التي من المفترض أن تكون أداة لخلق تأثير درامي، فيبالغ في استعراض الطائرات الحربية والأسلحة والمعدات العسكرية، وهذا يجعل المشاهد وكأنها مشاهد دعائية تروج للقوة العسكرية أكثر من كونها جزءا من السرد الدرامي، وهذه المشاهد الاستعراضية رغم قوتها البصرية تفتقر إلى التناغم مع الأبعاد الإنسانية التي يتناولها الفيلم، وهذا يضعف من تأثيره العاطفي على الجمهور، حيث يبدو هناك تغاض كبير عن بناء الشخصيات وخلق ارتباط عاطفي بالجمهور، لتحل محل ذلك مشاهد حربية تُظهر القوة العسكرية دون أن تكون مشفوعة بعمق درامي أو سردي.
وكان من الممكن أن يكون فيلم “السرب” المستوحى من أحداث حقيقية تجسيدا حيا لسيرة ذاتية لأحداث درامية قوية، حيث تعكس تلك الأفلام الحقيقة بتفاصيلها الدقيقة وتروي لنا القصص الإنسانية التي تشكل أساس الواقع، لكن المخرج اختار أن ينحرف بالفيلم إلى مسار مختلف محولا تركيزه إلى الجانب العسكري الاستعراضي، متجاهلا بذلك الأبعاد الإنسانية التي كان من الممكن أن تضفي على الفيلم عمقا أكبر وتأثيرا أوسع، بينما الاغتيال الذي تعرض له المصريون على يد داعش كان لحظة فارقة في تاريخ مصر، وكل تفصيل فيها كان يحمل قصصا مؤلمة لكن بدلا من أن يقدم الفيلم صورة إنسانية غنية للمأساة، جاء ليعرض صورة محايدة تفتقر إلى التعاطف، وهذا من الممكن أن يجعل الكثيرين يشعرون بأن الفيلم قد أهمل أحد أهم عناصر القصة الذي كان من شأنه أن يمنحها القوة والمصداقية.