السجائر الإلكترونية مارد قاتل مثل التبغ

لا يزال الجدل مستمرا حول مخاطر السجائر الإلكترونية وإمكانية مساعدتها لمدمني التدخين للإقلاع عن هذه العادة القاتلة. ففي حين يؤكد خبراء الصحة أن لها أضرارا على الرئة والقلب وأنّ لا وجود لأدلة علمية طويلة المدى على سلامتها، يروّج منتجوها إلى أنها خير بديل للسجائر العادية والنيكوتين المحترق.
لندن – انكب خبراء في الصحة العامة ومتخصصون في صناعة التبغ خلال ندوة افتراضية حول الحد من أضرار التبغ نظمت الثلاثاء، على دراسة الاستنتاجات والبحوث العلمية المتعلقة باستخدام منتجات تحد من أضرار التدخين وخاصة السيجارة الإلكترونية “الفايب”.
وينظر الكثيرون إلى السجائر الإلكترونية على أنها أقل ضررا من السجائر العادية، لذلك زاد انتشارها بشكل كبير في أوساط الشباب، في حين تقر الدراسات الطبية، أن استخدام السجائر الإلكترونية يزيد بقوة من خطر إصابة الرئة والقلب بأمراض مزمنة مثل الربو أو التضخم، مضيفين أنه يجري الترويج للسجائر الإلكترونية على أنها غير مضرة ولكنها ليست كذلك.
وتشكك الدراسات العلمية في إمكانية مساعدة هذه السجائر مدمني التدخين على الإقلاع عن هذه العادة، معتبرة أن فرص من يستخدمون سجائر التبغ تبقى مساوية لفرص من يستخدمون السجائر الإلكترونية في الابتعاد عن التدخين.
ويرى الخبراء أن هذا الأمر يوضح أن منتجي السجائر الإلكترونية لا يعنيهم في المقام الأول تقديم “البديل الصحي للسجائر التقليدية” ولكن تقديم منتجات ترضي الأذواق المختلفة للمستهلك.
البديل يبقى تجاريا
سلط اللقاء الافتراضي، الذي نظمه المنتدى العالمي للتبغ والنيكوتين في دورته الـ11، الضوء على البدائل الجديدة التي اقترحها المصنعون لمساعدة مستهلكي مشتقات التبغ التقليدية على الانتقال إلى منتجات أخرى مبتكرة وأقل ضررا على الصحة من قبيل المنتجات الإلكترونية، وتلك القائمة على تبخير وتسخين التبغ وغيرها من المنتجات الخالية من الدخان.
وشكل هذا الاجتماع فرصة لإبراز المساهمة القيّمة للعلوم من حيث توفير بيانات محايدة، ويمكن التحقق منها لمساعدة المستهلكين على اتخاذ قرار متبصر وتشجيع صناعة التبغ على التحول إلى الحلول المبتكرة التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير دائم.
وفي هذا السياق، أعلن نيل مكيجاني مدير “مركز أبحاث استخدام المواد” في جامعة غلاسكو، عن إطلاق دراسة في المملكة المتحدة باستخدام عينة من 30 ألف متعاط للتدخين تبلغ أعمارهم 18 عاما وأكثر، بهدف فحص فعالية “الأنظمة الإلكترونية لتوزيع النيكوتين” في التحفيز على الإقلاع عن التدخين والحد من استهلاك التبغ.
وأوضح أن الدراسة التي سيتم تقاسم نتائجها مع المستهلكين والمصنعين وهيئات التقنين، ستساعد على استيعاب تأثير هذه التكنولوجيا على الصحة العامة بشكل أفضل.
مضار القلب والرئة
صممت السجائر الإلكترونية لتحاكي السجائر الحقيقية مع إضافة عنصر جذب هو دخان البخار الكثيف الذي يصدر عنها. ويوجد بها بطارية وعنصر تسخين إلى جانب عبوة بها نيكوتين وسوائل أخرى ومنكّهات مختلفة.
ولأن ما يجعل السجائر مضرة هو دخان التبغ، يمكن للسجائر الإلكترونية أن تكون أكثر أمانا لأنها لا تحرق التبغ، لكن رغم ذلك يسبب النيكوتين الموجود داخلها الإدمان بحسب خبراء الصحة.
ويعتبر الأطباء أن السجائر الإلكترونية مختلفة تماما عن المنتجات البديلة عن النيكوتين مثل العلكة واللصقات التي من المفترض أنها تساعد المدخنين على الإقلاع. وينصحون باستخدام بدائل النيكوتين هذه لمن يحاولون الإقلاع، ويعتبرونها من المنتجات الطبية.
ويرون أن رؤية الناس واضحة بخصوص السجائر الإلكترونية والغرض منها أو بشأن طريقة استخدامها الصحيحة لذلك لا يربطون بينها وبين الإقلاع بشكل مباشر مقارنة بالعلكة الطبية أو اللصقات.
ويرى البعض أن السجائر الإلكترونية هي بديل عن التدخين أكثر إرضاء، لكن آخرين لا يتبنون وجهة النظر هذه بل يرونها خطرا على من يحاولون الإقلاع عن التدخين أو من أقلعوا بالفعل.
والمعروف في الوسط الطبي، هو أن الاضطراب الصحي ينشأ مع مرور السنوات، في حين ما يزال تدخين السجائر الإلكترونية ظاهرة جديدة.
وينبه الباحث في كلية الطب بجامعة بوسطن أندرو ستوكس إلى هذا الأمر، فيشدد على أن تأثيرات السيجارة الإلكترونية على صحة القلب لم تتضح بعد حتى نزعم بأنها أقل ضررا بالمقارنة مع السيجارة التقليدية.
وقرر هذا الباحث وزملاؤه، أن يقوموا بقياس ورصد عدد من المؤشرات المرتبطة بمرض القلب لدى مجموعة من المدخنين. وشملت الدراسة فئة أولى من مدخنين عاديين، وفئة ثانية يدخنون السجائر التقليدية إلى جانب السجائر الإلكترونية.
وقام الباحثون بقياس مستويات بعض المواد في الدم، لأنها تعد بمثابة علامات على التهاب أو اضطراب أو تلف في الخلايا.
بعض الذين يدخنون السجائر العادية يستعملون السجائر الإلكترونية لتقليل نسب تدخينهم وغالبا ما يصبحون مدمنين مزدوجين
ومن مفاجآت هذه الدراسة، أن مستويات هذه المواد التي تعد مؤشرا على اضطراب صحة القلب، جاءت متساوية بين الفئتين، أي بين من يدخنون السجائر وبين من يدخنون السجائر العادية والسجائر الإلكترونية.
وحذر باحثون من جامعة كاليفورنيا، من أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على عناصر تسخين يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة للرئتين.
وأثناء إجراء التجارب، وجد هؤلاء الباحثون، أن الأشخاص الذين استخدموا السجائر الإلكترونية مع عناصر تسخين مصنوعة من سبائك النيكل والكروم تعرضوا لإصابة في الرئة.
وقال روبرت كلونر كبير مؤلفي الدراسة، “كانت النتائج مؤثرة للغاية، وشعرنا أنه من الضروري نشر النتائج الأولية في وقت مبكر حتى يمكن تحذير مستخدمي السجائر الإلكترونية في وقت أقرب، لاسيما بالنظر إلى أن مستخدمي السجائر الإلكترونية معرضون لخطر متزايد من كورونا”.
وقال مايكل كلاينمان الباحث المشارك في الدراسة، “في غضون ساعة من بدء التجربة، لاحظنا أدلة على ضائقة تنفسية حادة، بما في ذلك صعوبة التنفس والصفير واللهاث”.
وأضاف أنه “بعد تحليل أنسجة الرئتين لدى المشاركين في الدراسة، وجدنا أنها معرضة للخطر بشدة ولاحظنا تغيرات خطيرة أخرى مثل آفات الرئة، واحتقان خلايا الدم الحمراء، ومحو الفراغات السنخية، والتهاب الرئة في بعض الحالات”. ويأمل الباحثون أن تؤدي النتائج إلى إجراء دراسات إضافية حول تأثيرات السجائر الإلكترونية على الرئتين.
دفاع شرس
انتقد ريكاردو بولوسا أستاذ الطب الباطني بجامعة كاتانيا (إيطاليا) خلال مداخلته في هذا اللقاء الافتراضي، البحث العلمي الذي يربط بين استخدام السجائر الإلكترونية والإصابة بأمراض الانسداد الرئوي المزمن والربو.
وأوضح، أن الاستخدام المتقطع ليس هو الحل الأمثل لتقييم التأثير الضار المفترض للسجائر الإلكترونية، خاصة وأن مثل هذه الدراسات تستبعد السوابق المتعلقة بالتدخين في العينة موضوع الدراسة.
واعتبر البروفيسور بولوسا، وهو أيضا مؤسس لمركز التميز للحد من المخاطر، أن هذه النتائج تترك المستهلكين في حيرة من أمرهم بشأن استخدام هذه البدائل أو التخلي عنها، موصيا باعتماد نهج علمي أكثر صرامة يكون خاضعا للمراقبة وذلك من أجل تحقيق نتائج ملموسة.
من جانبه، استعرض البروفيسور ديفيد أبرامز الأستاذ في قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة نيويورك، العديد من الدراسات التي أجريت على عينات من البالغين والمراهقين.
وأشار أبرامز إلى دراسة شملت مليون و297 ألفا و362 مراهقا أميركيا بين سنتي 2011 و2019، والتي أظهرت زيادة في استخدام السجائر الإلكترونية وانخفاض معدل انتشار السجائر القابلة للاحتراق والتبغ عديم الدخان خلال نفس الفترة مقارنة بالسنوات السابقة.
واعتبر أبرامز، أن هذه الدراسة تقدم دليلا قاطعا على أن السيجارة الإلكترونية يمكن أن تساعد في التغلب على الإدمان على التدخين.
وفي هذا الإطار، أكد مارك كيهايا رئيس أم.في هولدينغ وهي إحدى الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية أن غالبية الدراسات التي نشرت مؤخرا تدعم فكرة أن النيكوتين الاصطناعي، على غرار السجائر الإلكترونية ذات النكهة، يشجع على الإقلاع عن التدخين وكذلك الحد من السلوك الإدماني لدى المدخنين.
أما ساليدة ماريا غوغوفا نائبة رئيس “ألتريا غروب” إحدى الشركات العملاقة للسجائر وتمتلك حصة في شركة “غول لابس” لإنتاج السجائر الإلكترونية، فدعت إلى تسريع تسويق المنتجات غير القابلة للاحتراق من خلال توسيع نطاق الخيارات المتاحة للبالغين لتشمل أجهزة جديدة مثل لاصقات النيكوتين والتدخين الإلكتروني.
وقد شدد المشاركون في هذا اللقاء الدولي على ضرورة إجراء دراسات شاملة ومتعددة التخصصات تستند إلى بيانات علمية دقيقة تقدمها مراكز علم السموم لتوفير إطار تنظيمي قائم على الأدلة العلمية لا على التصورات الخاطئة.
خطر الجمع بين السيجارتين
قد يعتقد الكثير من المدخنين أن الجمع بين السجائر العادية والإلكترونية أقل ضررًا من تدخين سجائر التبغ لوحدها، إلا أن دراسة أميركية تحذر من ذلك، مؤكدة أن الجمع بين النوعين لا يقلل من خطر الإصابة بالأمراض.
وكشفت الدراسة الحديثة التي أجراها باحثون في جامعة بوسطن الأميركية أن الجمع بين السجائر الإلكترونية والعادية لا يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة، مقارنة بتدخين سجائر التبغ لوحدها، كما ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وقالت الصحيفة إن الخبراء حللوا بيانات أكثر من 7 آلاف مدخن، شاركوا في الدراسة، مع التركيز على تأثير السجائر العادية والإلكترونية على صحة القلب والرئة. وكان 10 في المئة من المشاركين يدخنون السجائر العادية والإلكترونية معا.
ورغم أن الدراسة وجدت أن خطر الإصابة بأمراض القلب كانت أقل لدى الذين استخدموا السجائر الإلكترونية لوحدها، توصل الخبراء إلى أن خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة بالنسبة إلى الذين جمعوا بين السجائر العادية والإلكترونية كانت مماثلة للذين يدخنون سجائر التبغ لوحدها.
وقال خبير الصحة العامة أندرو ستوكس المشارك في إعداد الدراسة، “بعض الأشخاص الذين يدخنون السجائر العادية يلتقطون السجائر الإلكترونية لتقليل تكرار تدخينهم، لكنهم غالبًا ما يصبحون مستخدمين مزدوجين لكلا المنتجين بدلًا من التبديل كليًا من أحدهما للأخر”.
ويضيف، “إذا تم استخدام السجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع عن التدخين، فيجب ترك تدخين السجائر العادية تمامًا ووضع خطة للتحرر من جميع منتجات التبغ في النهاية”.
الفايب وكورونا

مع تفشي وباء كورونا عمل باحثون على كشف الخطر المتعلق بتدخين السجائر الإلكترونية ليكتشفوا أن المصابين بالفايروس يزيدون من احتمال انتشار الوباء بنسبة تصل إلى 17 في المئة لأنهم ينفثون الفايروسات عند نفث الدخان.
ويقول الخبراء إن نفث البخار من الفايب يمكن أن يدفع الآلاف من الفايروسات نحو الناس في المنطقة المحيطة بمدخن هذا النوع من السجائر.
ويمكن للقطرات المحملة بـفايروس كورونا أن تنتقل أكثر من مترين في الجو، وهو الحد الأبعد لقواعد التباعد الاجتماعي في بريطانيا والكثير من دول العالم.
ودعا الخبراء مدخني الفايب إلى عدم استخدام أجهزتهم الإلكترونية أثناء التواجد في طوابير الانتظار وغيرها من الأماكن المزدحمة، كما ذكرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية.
قال باحثون من المكسيك وإيطاليا ونيوزيلندا، إن الطلب من الناس التوقف عن تدخين السجائر الإلكترونية في المنازل يعد “أمرا تطفليا للغاية، لكن قد يكون من المعقول حظره في الأماكن العامة مثل المطاعم ومحطات القطار”.
غير أن الباحثين أوضحوا أن الخطر الذي يشكله تدخين السجائر الإلكترونية يظل “أقل” من خطر التحدث أو السعال أثناء الاقتراب من شخص ما.
ووضع العلماء نموذجا لمقدار الفايروس الذي يمكن أن تحمله السحب الإلكترونية منخفضة الكثافة، أي عندما يتم احتجازه في الفم قبل سحبه إلى الرئتين ثم نفثه إلى الخارج، و”شديد الكثافة”، عندما يتم استنشاقه مباشرة إلى الرئتين ثم نفثه بقوة إلى الخارج.
ووجدوا أن نفث الهواء منخفض الكثافة من الأفراد المصابين أدى إلى “خطر عدوى إضافي ضئيل”، مما يزيد من فرصة إصابة المارة بالفايروس بنسبة 1 في المئة. لكن نفث الدخان “شديد الكثافة”، زاد من مخاطر نشر الفايروسات بنسبة تتراوح بين 5 و17 في المئة، وفقا لنتائج الدراسة.
وقال فريق العلماء بقيادة روبرتو سوسمان من جامعة المكسيك الوطنية، إن المواد الكيميائية الموجودة في البخار من غير المرجح أن تقتل الفايروس.