الزيارة التي جعلت نتنياهو زيلينسكي آخر

نقلت مصادر عن صحيفة “يسرائيل هيوم” أن إسرائيل لم تكن تعلم مسبقًا بالاتفاق بين دونالد ترامب والإيرانيين بشأن مفاوضات بين الطرفين. وأن قرار استئناف المفاوضات شكّل صدمة برزت على وجوه الوفد الإسرائيلي في واشنطن.
وأكد الرئيس الأميركي ترامب، الإثنين 7 أبريل الجاري، أن بلاده ستجري “مباحثات مباشرة” مع إيران، متحدثًا عن “اجتماع على مستوى عال جدًا” عقد السبت 12 أبريل.
ورفض ترامب الإفصاح عن مكان عقد اللقاء، وشدد على أن إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًا، قائلًا إنه إذا “لم تنجح المحادثات مع إيران فأعتقد أنها ستكون في خطر كبير.” وبغض النظر عن لغة التهديد التي يستعملها ترامب تجاه طهران، والتي عبّر أكثر من مسؤول إيراني عن الامتعاض منها، ورغم الاختلاف بين الطرفين على كيفية تحديد شكل الحوار إن كان مباشرًا كما تريده الولايات المتحدة أم غير مباشر كما تتمناه إيران، إلا أن نية واشنطن السير في طريق المفاوضات مع طهران حول ملفها النووي تضمنت رسالة أطلقها ترامب في البيت الأبيض ووصلت مباشرة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مفادها “إنك لست أفضل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام المصالح الأميركية العليا.”
أجرى ترامب مباحثات مع نتنياهو يوم الاثنين 7 أبريل الجاري، متناولًا حرب غزة والملف النووي الإيراني والرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته. مهمة تلك المواضيع التي تناولها الجانبان، لكن الزيارة حملت الكثير من الدلالات استطاع الوفد المرافق لنتنياهو قراءتها، فتجنب وضع نتنياهو في موقف محرج أمام ترامب، كي لا يتم تكرار سيناريو زيلينسكي في اللقاء المشؤوم الذي حصل في أول مارس الماضي في البيت الأبيض.
في شكل الزيارة، يبدو أن نتنياهو تمّ استدعاؤه من قبل الإدارة الأميركية إلى واشنطن، حيث ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية الأحد 6 أبريل أن زيارة نتنياهو لم تكن مدرجة ضمن جدول أعماله الرسمي، بل حددت بصورة مفاجئة خلال مكالمة هاتفية قصيرة لمناقشة المواضيع المستجدة، هذا في الشكل فماذا عن مضمون الزيارة؟
إن الإعجاب الذي عبّر عنه ترامب للرئيس أردوغان أمام نتنياهو يحمل رضى أميركيا عن التمركز التركي في سوريا، وفي هذا أيضًا دعوة إلى نتنياهو للجم تدخلاته في سوريا
ليست طريقة الدعوة من شكلت المفاجأة لفريق عمل نتنياهو فقط، بل هي الخطوة التي أعلن عنها البيت الأبيض بإلغاء المؤتمر الصحفي المشترك الذي كان مقررًا بعد اللقاء، وذلك قبل فترة وجيزة من موعد انعقاده. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن نتنياهو لم يُستدع ليناقش مع ترامب القضايا، بل ليرسم له حدود التصرف في حربه التي يخوضها في الشرق الأوسط وعلى أكثر من جبهة.
سبقت لقاء البيت الأبيض زيارة قامت بها نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، والتي عقدت خلالها سلسلة من اللقاءات المكثفة مع مسؤولين سياسيين وأمنيين واقتصاديين لبنانيين. حيث حملت تلك الزيارة في مضمونها رسائل أميركية واضحة حيال مجمل الملفات اللبنانية، لاسيما تلك المتعلقة بالجنوب، وضرورة الحفاظ على الهدوء وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، إضافة إلى الملفات الإصلاحية الاقتصادية التي تشكل اليوم شرطًا محوريًا في أي تعاون دولي مع لبنان.
الزيارة هي الثانية لمورغان، حيث تمّ الإجماع على أنها كانت إيجابية وحملت في طياتها الكثير من رسائل الانفتاح الأميركي على لبنان، عكس الزيارة الأولى التي حملت إنذارات واضحة في ما خصّ تحديد آلية وفترة زمنية لتسليم حزب الله سلاحه.
هذه المرة كانت المبعوثة الأميركية أكثر إصغاءً وتفهمًا، خصوصًا في ما يرتبط بموضوع سحب السلاح، ورفض لبنان تشكيل لجان دبلوماسية مشتركة لحل أزمة ترسيم الحدود وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل. فهل حدث تعديل على الأجندة الأميركية في ما خصّ بعض القضايا في المنطقة، لهذا تمّ استدعاء نتنياهو بهذه الطريقة دون سابق إنذار؟
استنتج الإسرائيلي أن الواقع في لبنان ليس مطروحًا لتحقيق أحلام نتنياهو كما هو الحال في الساحة السورية، لاسيما بعد توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية في العمق السوري، مع شنها غارات جوية على مواقع ونقاط عسكرية في الفرقة الأولى محيط مدينة الكسوة بريف دمشق الغربي، واللواء 75 في بلدة المقيليبة بريف دمشق. إذ نفذت إسرائيل فجر الخميس 3 أبريل الجاري غارات جوية طالت موقعا إستراتيجيًا ومطارين عسكريين في أنحاء أخرى من البلاد، وأعقب القصف تقدم لقواتها لأول مرة في العمق السوري.
عقب هذا الهجوم الواسع لإسرائيل، والذي طال مطارات كان من المفترض تجهيزها بقواعد عسكرية تركية بعد التنسيق مع الجانب السوري، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في تصريح لوكالة رويترز على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسل، إن بلاده “لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا.”
الزيارة حملت الكثير من الدلالات استطاع الوفد المرافق لنتنياهو قراءتها، فتجنب وضع نتنياهو في موقف محرج أمام ترامب
الموقف التركي هذا تزامن مع ما كشفه الرئيس الأميركي الثلاثاء 8 أبريل، عن مجريات محادثة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سوريا خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض. وقال ترامب “أبلغت أردوغان تهانينا، لقد فعلت في سوريا ما عجز عنه الآخرون على مدى ألفي عام.”
إن الإعجاب الذي عبّر عنه ترامب للرئيس أردوغان أمام نتنياهو يحمل رضى أميركيا عن التمركز التركي في سوريا، وفي هذا أيضًا دعوة إلى نتنياهو للجم تدخلاته في سوريا. وإن الولايات المتحدة تتجنب التصعيد مع اللاعب التركي في المنطقة، لاعتبارات لها علاقة بتبريد الجبهة في الشرق الأوسط، لأنّ المعركة الحقيقية لواشنطن تبقى مع المد الصيني.
لا فرق بين نتنياهو وزيلينسكي أمام مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية، فالمعركة الرئيسية بالنسبة إليها هي مع الصعود الصيني الاقتصادي، لهذا فتح ترامب “حربه التجارية” باكرًا على الصين عبر فرض الرسوم الجمركية.
إن الموقف الذي وضع ترامب فيه زيلينسكي أمام الإعلام، في المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض، كاد يتكرر مع نتنياهو. فترامب من خلال الاستدعاء، أراد رسم خطوط حمراء لردع نتنياهو عن إدخال الجيش الأميركي في حرب في منطقة الشرق الأوسط هو اليوم في غنى عنها، أمام افتتاح ترامب عصر الحرب التجارية في النظام العالمي ليقوض من خلالها جهود الدول المنافسة لواشنطن، هل يستوعب نتنياهو مضمون رسائل استدعائه، ويتجنب أن يصبح زيلينسكي منطقة الشرق الأوسط، ويفرمل جموحه بعد تصريح ترامب الملفت بأن على حرب غزة أن تتوقف في المستقبل القريب؟.