الزراعة المغربية بين إكراه استنزاف المياه وإغراء إيراداتها

تحمل مآخذ المتابعين للزراعة المغربية حول عدم قدرة الحكومة على إيجاد توازن بين الحذر من استنزاف الموارد المائية الشحيحة للبلاد والعوائد المغرية للمنتجات التي تذهب للتصدير، في طياتها إشارات انتقاد للبطء في تطوير منظومة تتماشى وظروف الجفاف الذي يضغط بشدة على البلد.
الرباط - تدفع أوساط اقتصادية وحقوقية مغربية المسؤولين في السلطة إلى البحث عن حلول عملية وذات كفاءة لمشكلة الزراعات التي تستنزف الكثير من المياه عبر حث الخطى لاستخدام أدوات الري الحديثة في القطاع ببلد يعيش ضمن حدود الفقر المائي.
وآخر المنضمين للحملة مجلس حقوق الإنسان الذي طالب في دراسة حول “الحق في الماء” بإعادة النظر في النموذج المعتمد والموجه للتصدير، والبحث عن بدائل لبعض المحاصيل المستهلكة للمياه بكثرة وحصرها في قائمة لتقنين إنتاجها أو حظرها إذا لزم الأمر.
وحث المجلس على مراجعة السياسات الاقتصادية القائمة على إعطاء القطاع أهمية مركزية على حساب الأنشطة الصناعية والخدماتية الأقل استهلاكا للمياه.
وقال إنه “يجب دعم القطاعات الزراعية القادرة على التكيف مع السنوات الجافة، وكذا القطاعات الاقتصادية الأقل استنزافا للموارد المائية، لكونها تشكل حلا إستراتيجيا لمواجهة ظاهرة الإجهاد المائي”.
ويعيش المغرب منذ أربع سنوات عجزا مائيا كبيرا خففت منه الأمطار مؤخرا، والتي بلغ حجمها الإجمالي وفق نزار بركة وزير التجهيز والماء، خلال جلسة أمام البرلمان الاثنين الماضي 2.1 مليار متر مكعب، ما يشكل فائضا بنسبة 207 في المئة بمقارنة سنوية.
ويؤكد إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية بالرباط، أن الزراعة تواجه معادلة معقدة فعلا فمن جهة هناك رغبة في تطوير الصادرات لما لها من آثار على عائدات العملة الصعبة، ومن جهة أخرى الكلفة المائية العالية لهذه الصادرات الزراعية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن هناك مخططا يتم تفعيله تدريجيا لحل هذه المعضلة من خلال بناء سلسلة محطات تحلية مياه البحر على طول المحيط الأطلسي لتزويد المناطق الزراعية المسقية بالماء بكلفة منخفضة جدا.
وأوضح الفينة أن هناك 5 محطات في طور الدراسات التقنية، كمحطة الدار البيضاء وطانطان وملمين وتوسعة محطة أغادير ومحطة الصويرة ومحطة أسفي.
ولفت إلى أن المستثمرين بالقطاع الخاص الزراعي بدأوا بإنجاز محطات تحلية بأحجام صغيرة تتلاءم وحاجيات الضيعات المعنية مما يعطيها استقلالية كبيرة ونجاعة أكبر في الإنتاج.
وفي سبتمبر 2020، أظهرت دراسة أعدتها المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة حكومية، أن الزراعة تُعتبر القطاع الأكثر استهلاكا للمياه بالبلاد بنحو 9 مليارات متر مكعب سنويا، وهو ما يُمثل 87.8 في المئة من إجمالي استهلاك الماء سنويا.
ويبدو هذا المعدل مرتفعا كثيرا بالنسبة إلى عدد سكان المغرب البالغ نحو 37 مليون نسمة، قياسا ببلد مثل مصر، أكبر بلد عربي من حيث السكان، والذي تستهلك زراعته 80 في المئة من إجمالي استهلاك المياه كل عام.
وذكرت رئيسة مجلس حقوق الإنسان آمنة بوعياش بأن الأرقام ذات الصلة بانخفاض موارد المياه المتجددة لا تشكل “تحديا تقنيا فقط، ولا يمكن أن تكون ضمن إجراء، بل تتطلب إعادة النظر في الاختيارات الإستراتيجية”.
ودعت إلى اعتبار الجفاف معطى بنيويا وليس ظرفيا طارئا وتكييف السياسات العامة مع هذا المعطى الثابت وفق ما يؤكده كل الخبراء المختصين في مجال المناخ.
ويتفق المحلل الاقتصادي رشيد ساري مع بوعياش على أن الإجهاد المائي بالمغرب أصبح هيكليا وليس دوريا أو عابرا بسبب التقلبات المناخية التي جعلت مدة الجفاف تتمدد وتطول مع تعاقب السنين.
وقال لـ”العرب” إن “الوضع الحالي يجبرنا على تغيير سياستنا الزراعية لأننا وإلى حدود الساعة لا يمكن اعتبار المغرب بلدا زراعيا بسبب الظروف المناخية التي يعيشها”.
أما عن عائدات الصادرات الزراعية من العملة الصعبة وأهميتها فيعتقد أن هذه معلومة مجانبة للصواب لأنه، مثلا، ما تم تصديره من طماطم لأربع سنوات يعادل ما يتم استيراده من الحبوب في سنة واحدة خصوصا في هذه الظروف الصعبة.
وأثرت الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على تكاليف الإنتاج بالبلاد، كغيرها من دول العالم، كما رفعت المشكلة من مستوى مخصصات توريد المنتجات.
وتشير إحصائيات وزارة الفلاحة إلى ارتفاع صادرات المغرب من البطيخ الأحمر والأصفر بنسبة 18 في المئة، كما سجلت صادرات الحوامض حجما قياسيا خلال الموسم الماضي، بزيادة بنسبة 40 في المئة، على الرغم من السياق الدولي الصعب.
وتعالت أصوات الخبراء وفعاليات مدنية وسياسية مطالبة بمنع الزراعات التي تستنزف الطبقة المائية، ومنها زراعة البطيخ الأحمر والأصفر، في مناطق شحيحة الموارد، خاصة في الأقاليم الجنوبية، بعدما بات الأمر يثير يقلق السكان.
ونفى وزير الفلاحة محمد صديقي، في أبريل الماضي، تشجيع الدولة للزراعات المستنزفة للمياه، مشيرا إلى أن المساحات المزروعة بالأفوكادو لا تتعدى 7 آلاف هكتار، وأن زراعة البطيخ الأحمر لا تحصل على دعم مالي من الدولة.
وكان المستشار البرلماني عن اتحاد الشغل بمجلس المستشارين خالد السطي قد دعا الحكومة للتحول عن الزراعة التصديرية إلى التركيز على الزراعة الأساسية، مشيرا إلى أن زراعة فاكهتي البطيخ الأحمر والأفوكادو تمتصان حاجيات 3 ملايين مغربي من الماء.
ويرى الساري أن الحوكمة تتطلب من الحكومة تغيير منظومتها الزراعية بالتخلي عن المنتجات المستنزفة للماء وتشجيع زراعات مقتصدة لاستهلاك الماء حتى “يمكننا أن نصل ليكون المغرب دولة زراعية بامتياز”.

وأضاف أن “الحل يكمن في اعتماد تقنيات مقتصدة لاستعمال الماء وتحلية مياه البحر بأقل كلفة بالاعتماد على الطاقات المتجددة كما هو الحال بمدينة الداخلة الآن”.
وترجّح الحكومة ضمن ميزانية هذا العام بلوغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 4 في المئة، مراهنةً على أداء متوسط للقطاع الزراعي الذي يسهم بنحو 14 في المئة في الاقتصاد. في حين يتوقع صندوق النقد الدولي عدم تجاوز النمو ثلاثة في المئة هذا العام.
ويعتقد الفينة أن المنع لا يجد له مبررا عند تقنيين وخبراء بوزارة الفلاحة لأنهم يجدون أن كل أشكال المياه تتجدد وإن لم تستعمل ستفقد بشكل من الاشكال.
وأشار إلى أن كل هذه الحلول ستصبح مستقبلا هي القاعدة ما يعطي زخما جديد للقطاع وصادراته، كما أن الزراعة التصديرية ستتركز أكثر على مستوى الساحل الأطلسي وخصوصا نحو الجنوب الذي سيصبح أكبر مجال لذلك.