الرياض تستعد لمواجهة نفطية طويلة بخفض الإنفاق

تزايدت المؤشرات على أن الحكومة السعودية تستعد لمعركة نفطية طويلة بعد تسريبات تؤكد أنها بدأت بالتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة باتخاذ إجراءات تقشف شديدة، في وقت تبدو فيه متشائمة بشأن أي محادثات محتملة مع روسيا لإنقاذ أسعار النفط.
الرياض - كشفت مصادر مطلعة إن السعودية طلبت من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقلّ عن 20 في المئة في خطوات تقشف جديدة لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
وأكدت أن الطلب أُرسل قبل أكثر من أسبوع بسبب المخاوف بشأن تأثير فايروس كورونا على أسواق الخام، وقبل انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك وحلفائها الجمعة.
ونسبت وكالة رويترز إلى أحد المصادر تأكيده أن المسؤولين السعوديين كانوا عند إرسال الطلبات الخاصة بخفض إنفاق المؤسسات الحكومية، يتوقعون مفاوضات صعبة مع روسيا بخصوص الحاجة لتعميق تخفيضات الإنتاج من أجل استقرار الأسواق.
وتحققت مخاوفهم بالفعل حين رفضت موسكو الاقتراح لتشتعل حرب أسعار في سوق النفط بين البلدين وتهوي أسعار الخام، حيث بلغ سعر مزيج برنت عند إغلاق الأسواق الأوروبية أمس نحو 36 دولارا للبرميل.
وقال مصدر مطلع أن سوق النفط كانت منخفضة بالفعل بسبب تأثير فايروس كورونا على الطلب في الصين، حين كانت الاتصالات تجري بين الرياض وموسكو ولم يكن الروس إيجابيين.
وأرسلت وزارة المالية السعودية توجيهات للإدارات الحكومية بتقديم مقترحات لخفض إنفاقها بما يتراوح بين 20 إلى 30 في المئة في ميزانياتها للعام الحالي.
وأكد أحد المصادر أن وزارة الخارجية نفّذت بالفعل خفضا بنسبة 20 في المئة، مضيفا أن التخفيضات لن تؤثر على الأجور بل على المشروعات التي يمكن تأجيلها والعقود التي لم تتم ترسيتها بعد.
وذكرت وكالة رويترز أن وزارة الخارجية أحالت طلبا للتعقيب إلى وزارة المالية التي لم تردّ.
ولا تزال السعودية، أكبر دولة مصدر للنفط في العالم، تعتمد بشكل كبير على إيرادات صادرات النفط، رغم جهودها الواسعة لتنويع الاقتصاد.
ويقول صندوق النقد الدولي أن الرياض تحتاج إلى سعر 80 دولارا للبرميل لضبط ميزانية السنة المالية الحالية، التي يبلغ العجز المقدر فيها 187 مليار ريال (50 مليار دولار).
ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع العجز في ميزانية السعودية من 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى نسبة في خانة العشرات هذا العام، بعد أن كانت الرياض ترجّح في ديسمبر الماضي أن يبلغ نحو 6.4 في لمئة.
أما مؤسسة كابيتال إيكونوميكس فقد رجّحت في مذكرة الثلاثاء أن “تحتاج السعودية لسعر 85 دولارا لبرميل النفط لضبط ميزانية الحكومة. لكنها ذكرت أن ضبط ميزان المعاملات الجارية يحتاج إلى 50 دولارا فقط.
وتوقّعت أن تسجّل الميزانية الحالية عجزا أكبر بكثير من عجز ميزان المعاملات الجارية، وأن يصل إلى نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول محللون إن السعودية يمكن أن تتحمل أسعار النفط المنخفضة إذا استمرت المواجهة مع روسيا بفضل احتياطياتها الأجنبية الضخمة، لكنها قد تحتاج لزيادة الاقتراض إلى جانب خفض الإنفاق.
وحتى قبل التوجيهات الجديدة بخفض الإنفاق، كانت موازنة 2020 قد قلّصت ميلها لزيادة الإنفاق بغية تحفيز النمو. وتبنّت إجراءات لتضييق العجز من خلال تنويع الإيرادات عبر الضرائب والإصلاح الاقتصادي.
وتواصل السعودية تسجيل عجز في الميزانية منذ تهاوي أسعار النفط في عام 2014 حين تخلّت عن استراتيجية دعم الأسعار من أجل تعزيز حصصها في الأسواق، لكن الأسعار واصلت التراجع واضطرت بعد ذلك للاتفاق مع منتجي أوبك وحلف أوبك+.
وصعدت الرياض المواجهة مع موسكو أمس بالإعلان أنها تخطط لزيادة طاقة إنتاج النفط للمرة الأولى في ما يزيد على عشر سنوات، بعد يوم من إعلانها زيادة قياسية لإمدادات الخام.
قال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية في بيان أمس إن الشركة تلقت تكليفا من وزارة الطاقة بزيادة قدرة إنتاج النفط لديها إلى 13 مليون برميل يوميا من 12 مليون برميل يوميا حاليا.
وأضاف أن الشركة تبذل أقصى جهد لتنفيذ ذلك التوجيه بأسرع ما يمكن. ولم يذكر جدولا زمنيا للخطة التي تتطلب استثمار مليارات الدولارات لزيادة القدرة على ضخ مزيد من النفط.
20 في المئة على الأقل نسبة خفض الإنفاق التي طلبتها الرياض من مؤسساتها الحكومية
وكانت السعودية قد أعلنت الثلاثاء إنها ستزيد إمداداتها النفطية إلى مستوى قياسي مرتفع في أبريل، في تصعيد للمواجهة مع روسيا ورفض عملي لمقترح موسكو إجراء محادثات جديدة.
وتكتسب السعودية معظم نفوذها على الساحة الدولية من دور يوصف عادة بأنه يضارع دور البنك المركزي في سوق النفط، حيث تملك معظم الطاقة الفائضة في العالم، والتي تسمح لها بتعزيز الإنتاج لتغطية أي عجز من دول أخرى.
وقالت أرامكو المدعومة من الدولة إنها ستزيد معروض النفط الخام في أبريل إلى 12.3 مليون برميل يوميا، بما يزيد 300 ألف برميل يوميا فوق طاقتها الإنتاجية القصوى.
وانهارت محادثات الأسبوع الماضي بين أعضاء أوبك+، وهو تحالف غير رسمي يضم دول أوبك وروسيا ومنتجين آخرين، والذي ظل يدعم الأسعار منذ 2016.
ورفضت روسيا دعوة أوبك لتعميق تخفيضات المعروض القائمة، لترد المنظمة بإلغاء قيود الإنتاج وتقول روسيا بدورها إنها ستعزز الإنتاج هي الأخرى.
وأثار صدام عملاقيْ النفط السعودية وروسيا شرارة تراجع حاد بلغ 25 في المئة في أسعار الخام الاثنين، وأطلق عمليات بيع بدافع الهلع في أسواق المال العالمية وسط أضرار واقعة عليها بالفعل من جرّاء تفشي فايروس كورونا.
وكانت السعودية تضخ حوالي 9.7 مليون برميل يوميا في الأشهر القليلة الماضية، لكن لديها طاقة إنتاجية إضافية بوسعها تعبئتها، فضلا عن ملايين البراميل من الخام المخزون.