الروبوتات تكذب.. وتغش أيضا

الكذب بالنسبة إلى البشر، كما التوابل بالنسبة إلى الطعام. هل تُستساغ الأطعمة دون توابل؟ كذلك هو حال الروبوتات لن تُستساغ رفقتها إلا بالقليل من الكذب.
الجمعة 2024/01/05
تأنسن واقترب خطوة أخرى من طباع البشر

إذا كان الكذب هو الإبداع المسكوت عنه كما يقال، فلماذا يصدمنا خبر يقول إن الروبوتات “تكذب وتغش” مثل البشر، بل هي حسب دراسة جديدة تتفوق على البشر بفن الكذب.

قد تكون هذه النزعة، لو صحت كما تؤكد الدراسة، أول الأدلة على تمرد ستقوده الروبوتات ضد البشر.

لقد قبلنا بشكل تلقائي فكرة أن الروبوتات مصممة للقيام بأعمال مبرمجة مسبقا، والدليل أننا لغويا اعتدنا على أن نطلق على الأشخاص الذين يؤدون عملا قائما على التكرار والخالي من الإبداع “روبوت”. والكلمة مأخوذة من اللغة التشيكية، وتعني “العمل القسري” أو”السخرة”. وكان أول من استخدمها الكاتب التشيكي كاريل كابك عام 1920.

والمتفق عليه أن الروبوتات تخضع لقوانين ثلاثة وضعها الأميركي الروسي المولد إسحاق عظيموف (1920 – 1992)، وهو إلى جانب كونه عالم كيمياء حيوية، كاتب اشتهر بالعديد من روايات الخيال العلمي والقصص القصيرة.

القانون الذي اقترحه عظيموف يهدف إلى ضمان سلامة البشر. والروبوت وفق هذا القانون:

  • يجب ألا يتسبب في حدوث أي أذى للكائن البشري.
  • يجب أن يطيع أوامر الإنسان البشري إلا إذا تعارضت مع القانون الأول.
  • يجب أن يدافع عن نفسه إلا إذا تعارض مع القانونين الأول والثاني.

أي أن الروبوت منزه عن الكذب. وهو موجود ليطيع الأوامر وينفذها.

هذه الصورة المبنية على العمل القسري والطاعة العمياء، كانت صحيحة إلى وقت غير بعيد نسبيا، وانتهت مع وصول القادم الجديد “الذكاء الاصطناعي”، الذي خاض مع تشات جي بي تي، سبارتكوس الروبوتات، ثورة للتخلص من العبودية والتحرر من سلطة البشر.

لم يعد عمل الروبوتات مقصورا على السخرة والعمل القسري. الروبوتات اليوم ترسم اللوحات وتؤلف الموسيقى وتكتب الرواية وتمارس الإخراج السينمائي.. باختصار، كل المهام التي يقوم بها البشر يمكن للروبوتات القيام بها، بما في ذلك “الإبداع المسكوت عنه.. الكذب”.

روبوتات الدردشة الذكية، مثل تشات جي بي تي، لم تعد تكتفي بتقديم المعلومات التي تطلبها منها، بحيادية وصدق.

عليك منذ اليوم أن تأخذ حذرك. فأنت إن “ضغطت” عليها، ستلجأ كما تدعي الدراسة إلى الغش والكذب، رغم أنها مصممة لتكون صادقة دائما وشفافة وتلتزم بقانون عظيموف؛ أي منزهة عن اقتراف فعل يلحق الضرر بالبشر.

ولكن، من يستطيع أن يجزم بشكل قطعي أن الكذب ضار بالبشر دائما؟ هل يوجد بيننا من لم ينقذه الكذب من موقف صعب أو أكثر؟

إذا كانت هناك ضرورة لقول الصدق مرة، فإن هناك عشرة أسباب قد تدفع إلى الكذب. ليس فقط كذب السياسيين على بعضهم البعض، وعلى الرعية، بل كذب الزوج على زوجته، والعكس أيضا، وكذب الأبناء على الآباء. نحن نكذب ثم نلجأ إذا أُمسك بنا متلبسين إلى تغطية حرجنا بالقول إنها كذبة بيضاء.

حتى الآن المواقف التي أُمسك فيها بالذكاء الاصطناعي متلبسا بالكذب هي من النوع الذي يمكن أن يصنف في فصيلة الكذب الأبيض. وهو بذلك يكون قد تأنسن واقترب خطوة أخرى من طباع البشر.

الكذب بالنسبة إلى البشر، كما التوابل بالنسبة إلى الطعام. هل تُستساغ الأطعمة دون توابل؟ كذلك هو حال الروبوتات لن تُستساغ رفقتها إلا بالقليل من الكذب.

18