الرواية العمانية قطعت مشوارا كبيرا على المستويين العالمي والعربي

جاء فوز الرواية العمانية في السنوات الأخيرة بالعديد من الجوائز العربية والعالمية كاشفا عن ثراء مشهدها وغنى أساليبها وتقنياتها ومضامينها، فأثبتت حضورها من جائزة مان بوكر و“سيدات القمر” لجوخة الحارثي، مرورا بـ“دلشاد” بشرى خلفان وجائزة كتارا للرواية العربية، وصولا إلى الفوز الذي حققته “تغريبة القافر” لزهران القاسمي في الجائزة العالمية للرواية العربية. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الناقد العماني إسماعيل بن مبارك بن سالم العجمي حول الحركة الروائية في سلطنة عمان.
كتاب “اتجاهات الرواية العمانية” للناقد إسماعيل بن مبارك بن سالم العجمي، يعد الأول في مجاله حيث لم يكتف بتحليل ونقد تجليات الرواية العمانية بين عامي 1981 وحتى عام 2020، بل قدم فهرسا للروايات العمانية حسب سنة النشر، وفهرسا للروائيين العمانيين حسب أول نشر.
انطلاقا من كتابه ومشهد الرواية العمانية، تحاور “العرب” الناقد المتحصل على شهادة الدكتوراه تخصص اللغة العربية وآدابها من جامعة الجنان بلبنان، والذي عمل سابقا محاضرا في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالمصنعة، ونشر عددا من البحوث والدراسات النقدية في مجلات ثقافية وعلمية متخصصة.
مراحل الرواية
بداية يقول العجمي “مرت الرواية العمانية في تاريخها بعدد من المحطات والمراحل لتصل إلى الفن الروائي العماني الحديث، تشير أغلب الدراسات إلى أن أقدم نص روائي عماني هو مخطوط نشر في صحيفة الفلق العمانية بزنجبار بعنوان ‘الأحلام’ لكاتب مجهول عام 1939، إلا أننا نعتبر صاحب الريادة في كتابة الرواية العمانية الكاتب عبدالله بن محمد الطائي من خلال روايته التاريخية ‘ملائكة الجبل الأخضر’ وقد نشرت في مطابع الوفاء ببيروت عام 1963، وبعدها رواية ‘الشراع الكبير’ عام 1981 وهي أول رواية عمانية تطبع في سلطنة عمان، وهي ذات بعد تاريخي أيضا. وقد قام أبناء الروائي عبدالله الطائي بنشرها لأنه توفي عام 1973”.
ويضيف “لا نجد روايات عمانية من بعد رواية ‘الشراع الكبير’ 1981 إلى عام 1988، نظرا إلى افتقار عمان إلى المظاهر الثقافية والفكرية والإعلامية قبل النهضة، فكان التعليم النظامي محصورا في ثلاث مدارس، وكان أغلب الشباب العماني المتعلم والمثقف يعيش خارج السلطنة، بالإضافة إلى ذلك اهتم الكتاب بفن القصة والشعر. ثم بدأ الظهور التدريجي للرواية من عام 1988. ومن أبرز هؤلاء الروائيين في تلك الفترة سيف السعدي وسعود المظفر وحمد الناصري ومبارك العامري. فلقد ظهرت أول رواية نسائية عمانية بعنوان ‘قيثارة الأحزان’ للروائية سناء البهلاني عام 1994، إلا أنها غير مشهورة ولم تكن معروفة بسبب قلة النسخ المنشورة وعدم بقائها في الساحة الثقافية، تلتها رواية ‘الطواف حيث الجمر’ لبدرية الشحي عام 1999 كانت أكثر نضجا فنيا وبعدها بدأ التطور في الإنتاج الروائي العماني”.
ويشير العجمي إلى أن هناك عددا من الدراسات التي أشارت إلى المراحل التي قطعتها الرواية العمانية، إلا أنه يجد من خلال نشأة الرواية العمانية ثلاث مراحل مع تسمية كل مرحلة، وحصر عدد الروايات لكل مرحلة. المرحلة الأولى: مرحلة النشأة والتأسيس، منذ بداية الرواية العمانية إلى 1998. عدد الروايات في هذه المرحلة واحد وعشرون رواية، كل الروايات كتبها روائيون ما عدا واحدة كتبتها روائية. المرحلة الثانية: مرحلة التطور والتجديد، وهي مرحلة استمرار الرواية العمانية بأصوات متعلمة ومثقفة (1999 – 2011). بلغ عدد الروايات العمانية فيها واحدا وأربعين رواية. المرحلة الثالثة: الانفجار الكمي للروايات العمانية، وهي مرحلة الازدهار والتنوع والتعدد والانفتاح في الخطاب الروائي وتعدد المضامين ووفرة وكثرة الإنتاج الروائي (2012 – 2020). تجاوز عدد روايات هذه المرحلة المئة، ونجد عدم النضج الروائي بصورته الواضحة عند كل الروائيين.
وفي ما يتعلق بوجود تراكم كتابي لدى الروائيين والروائيات في عمان، يقول العجمي “حسب حصر الروايات في الفترة الزمنية 1981 – 2020، إن التراكم الكمي في الأعمال الروائية نجده لدى مجموعة محدودة من الروائيين العمانيين كسعود المظفر وخليل خميس ومحمد سيف الرحبي. وأما بالنسبة للروائيات العمانيات فنجد التراكم الكمي لدى غالية آل سعيد وزوينة الكلباني وهدى حمد وجوخة الحارثي وفوزية البدواوي، ولكن الإبداع لا يقاس بعدد الروايات”.
ويؤكد أن الرواية العمانية حققت نجاحات باهرة في الآونة الأخيرة على المستويين العالمي والعربي، ومنها فوز رواية “سيدات القمر” للروائية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية عام 2019، ورواية “الأشياء ليست في أماكنها” لهدى حمد التي حصدت جائزة الشارقة للإبداع الروائي عام 2009، واختار اتحاد الكتاب العرب رواية “همس الجسور” للروائي الراحل علي المعمري، لتكون ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية، كما رشحت رواية ” تبكي الأرض.. يضحك زحل” للكاتب الراحل عبدالعزيز الفارسي للقائمة الطويلة للبوكر العربية في دورتها الأولى عام 2008.
كما حققت الرواية العمانية في الآوانة الأخيرة العديد من الإنجازات ومنها: فازت رواية “دلشاد: سيرة الجوع والشبع” للروائية بشرى خلفان بجائزة كتارا للرواية العربية في فئة الروايات العربية المنشورة في دورتها الثامنة. وحازت رواية “تغريبة القافر” للروائي زهران القاسمي على الجائزة العالمية العربية في دورتها السادسة عشرة لعام 2023. كما فازت رواية “الحرب” للكاتب محمد اليحيائي بجائزة كتارا للرواية العربية فئة الروايات المنشورة في دورتها التاسعة عام 2023. وتأهلت رواية “لا يذكرون في مجاز” للكاتبة هدى حمد للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2023.
وحول ما قطعته الرواية العمانية منذ نشأتها حتى الآن وهل استطاعت أن تشكل ملامح مميزة لها، يرى العجمي أن الرواية العمانية قطعت مشوارا رائعا وخاصة في الفترة الأخيرة من خلال الإنجازات التي حققتها، وخاصة على المستويين العالمي والعربي وقد استفاد الكتاب من الروايات العالمية والعربية والخليجية، واستطاع الروائي العماني أن يرسم خطا واضحا للرواية العمانية وخاصة الاستفادة من البيئة العمانية والواقع الاجتماعي والظروف السياسية ولهذا يحتاج كاتب الرواية إلى الدعم بجميع أنواعه للاستمرار في العطاء، ومن خلال حصر الروايات العمانية منذ نشأتها حتى عام 2022 اتضحت من خلال كتاب اتجاهات الرواية العمانية أوجه عدد من الاتجاهات التي شكلتها الروايات العمانية وهي: الاتجاه التاريخي والاتجاه السياسي والاتجاه النفسي والاتجاه الواقعي الاجتماعي والاتجاه العلمي.
ويرى العجمي أن عندما تحدد اتجاهات الرواية، فلا بد من دراستها بصورة عامة، هذا ما يقصده من كلمة “اتجاه”، أي دراسة المضمون العام والغالب للرواية، فالأبعاد المختلفة كالاجتماعية والتاريخية والنفسية والسياسية، وغيرها، تتداخل في الرواية الواحدة، ولكن عادة ما يطغى جانب دون الجوانب الأخرى في الرواية، وبذلك يمكن القول: إن هذه الرواية اتجهت إلى البعد التاريخي، وإن تلك الرواية تحمل اتجاها نفسيا.
ويلفت إلى تعدد الأهداف والمقاصد في توظيف الرواية، وتعدد أيديولوجيات الروائيين الذين يسعون إلى تمريرها من خلال رواياتهم إلى المتلقين، فالبعض يمتلك خلفيات تاريخية ويسعى إلى كشف الستار عن حقائق لم تصل بعد إلى المهتمين بالتاريخ، فيوظف هذه الحقائق والخلفيات التاريخية في روايته، كما يستعين ببعض الجوانب الأخرى كالجانب النفسي، أو الاجتماعي، أو العلمي، لإخراج روايته التاريخية بشكل أكثر إبداعا، وهذا الأمر نجم عنه وجود اتجاهات متعددة للرواية.
الحركة النقدية
يلاحظ العجمي أن الحركة النقدية العمانية ما زالت تحتاج إلى الكثير رغم وجود عدد من الدراسات في الآونة الأخيرة حول الرواية العمانية، وخاصة أثناء دراسته حول اتجاهات الرواية العمانية وجد عدة دراسات اهتمت بالرواية العمانية وأغلبها أكاديمية، إلا أن هذه الدراسات لم تسلط الضوء إلا على عدد بسيط من الروايات كعينة الدراسة، ولهذا سعى إلى إظهار أغلب الأعمال الروائية من أجل الاطلاع عليها وقراءتها، فالعديد من الروائيين بحاجة إلى التوجيه لتكون إصداراتهم القادمة أفضل، وهذا لا يأتي إلا من خلال النقد البناء. وهنا يوجه كل من يهتم بدراسة الجانب الروائي إلى عدم الوقوف على أعمال معينة، لأن الإنتاج الروائي العماني متنوع المجالات والاتجاهات.
يوضح العجمي أبرز الأطروحات والدراسات التي أنجزها ومشروعه النقدي من خلال كتابه “اتجاهات الرواية العمانية”، يقول “هناك عدد من البحوث والدراسات التي نشرتها في مجلات علمية حول الرواية العمانية ومنها بحث بعنوان ‘أنماط المونولوج في رواية همس الجسور’ للروائي علي المعمري، في مجلة ابتكارات للدراسات الإنسانية والاجتماعية بماليزيا، وبحث بمجلة مخبر الأبحاث الأدبية والنقدية بالجزائر بعنوان ‘مستوى لغة الحوار لدى شخصيات رواية الأشياء ليست في أماكنها’ لهدى الجهوري، وبحث منشور في مجلة المهارة وهي مجلة بحثية سنوية محكمة بالهند بعنوان ‘الصمت في رواية الأشياء ليست في أماكنها’ لهدى الجهوري”.
ويذكر كذلك بحثا منشورا في دورية محكمة تصدر عن مركز البصيرة بالجزائر بعنوان “الحوار والشخصية في الرواية العمانية”. وهناك بحثان تمت الموافقة عليهما للنشر في الفترة القادمة خلال هذا العام وهما بحث “نشأة الرواية في الدول العربية” في مجلة ابتكارات للدراسات الإنسانية والاجتماعية بماليزيا، وبحث “دراسة عناصر السرد في رواية الوخز لحسين العبري” في مجلة تسنيم الدولية.
ويتابع “سعيت في رسالة الماجستير بعنوان ‘الحوار في الرواية العمانية’ بجامعة نزوى إلى توضيح تقنية الحوار مع عناصر السرد الروائي في أربع روايات عمانية، بينما في كتاب ‘اتجاهات الرواية العمانية’ أشرت إلى العديد من النقاط ومنها: نشأة الرواية العمانية ومراحلها، حصر جميع الروايات العمانية وذلك لتشجيع الروائيين والروائيات على الاستمرار في العطاء وكذلك لتقديم مادة دسمة أمام النقاد والباحثين في مجال الرواية العمانية والكشف عن الأسماء التي لم يسلط الضوء عليها وكتابة نبذة مختصرة عنها، وفهارس تحتوي على أسماء الروائيين والروائيات مع ذكر مؤلفاتهم الروائية وتوضيح ترتيبهم حسب أول إصدار لكل روائي وروائية”.
ويلفت إلى أنه في أثناء تحديد اتجاهات الرواية وضح نبذة مختصرة عن كل عمل روائي. إلا أنه أشار إلى الرواية العالمية والعربية التي تناولت نفس الاتجاه، وقد سجل مجموعة من التوصيات والمقترحات الهامة التي تفيد الجميع (الروائيون ودور النشر والمؤسسات الثقافية والجامعية والإعلام) من أجل تطوير المجال الروائي العماني.
ويختم العجمي مؤكدا “طموحي لا يتوقف، وأتمنى في قادم الأيام نشر قراءات حول جميع الروايات العمانية التي لم يسلط الضوء عليها، وهناك فكرة تهتم بالدراسات التي تناولت المجال الروائي العماني، وسأسعى إلى تحقيق هذه الفكرة من خلال بحث أو كتاب”.