الرواية السعودية لها دور كبير في الانفتاح الحالي بالمملكة

الناقد شوقي عبدالحميد يحيى لـ"العرب": الرواية فن قادر على التغيير بالتراكم.
الاثنين 2024/07/15
الأدب والسياسة مواجهة ممتدة

الأدب والفن بإمكانهما التغيير، ربما ليس بشكل مباشر وإنما عبر تغيير الوعي الذي بدوره سيؤدي إلى التغيير في الواقع، ومن هنا نفهم أهمية الإبداع من جهة ومن جهة أخرى أهمية النقد الذي يساهم في أن يكون الإبداع مؤثرا عبر شرحه وتوجيهه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الناقد المصري شوقي عبدالحميد يحيى حول الأدب والنقد وأدوارهما.

القاهرة - في مجتمعاتنا العربية، تتدخل السياسة في كل شيء تقريبا، بما في ذلك الإبداع بمختلف أشكاله وفنونه، لاسيما الأدب، تؤثر فيه وتتأثر أيضا به، في علاقة جدلية بين طرفين يبدوان دوما كمتناقضيْن، متواجهيْن، تدور مواجهاتهما في ساحة قد يعتبرها المبدع مساحة للمناورة، والمداورة، الكر والفر، حتى يستطيع أن يقول ما يريد، وإن يكن بالإشارة والرمز.

ولأن عملية الإبداع لا تكتمل إلا بالنقد، يعد المدخل السياسي في تحليل الأدب ونقده من المشارب التي اهتم بها نقاد أجلاء، سعوا دائمًا إلى فك رموز الأدب، وكشف الإشارات السياسية التي تزخر بها بعض الروايات والقصص، بما فيها تلك التي تبدو بعيدة للغاية عن السياسة.

الناقد الأدبي المصري شوقي عبدالحميد، أتم هذا العام ربع قرن من الكتابة النقدية والإبداعية، منذ نشر دراسته النقدية الأولى بعنوان “البواكير في القصة القصيرة” عام 1999 تبعتها 12 دراسة وثلاث مجموعات قصصية ورواية.

من المشارب التي اهتم بها نقاد أجلاء
من المشارب التي اهتم بها نقاد أجلاء

ركز الكاتب المصري بصره على الدوام خلال رحلته على الزاوية السياسية في التحليل الأدبي، وجاءت كلمة “السياسة” ومشتقاتها ثابتة في عناوين دراساته النقدية الثلاث الأخيرة، وهي “القراءة السياسية للقصة المصرية القصيرة”، و”المدخل السياسي لقراءة الرواية العربية”، وأخيرا صدرت له الشهر الماضي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب دراسة بعنوان “الهم السياسي في رواية المرأة العربية”.

يقول شوقي عبدالحميد في حديث لـ“العرب” إن الاهتمام بالهم السياسي كعنصر رئيس في كل ما كتبه في الرواية أو القصة القصيرة، يرجع إلى إيمان كامل بأن السياسة هي المسيطرة على حياة الإنسان، خاصة العربي، الذي يعتبر الرئيس أو الملك كأنه ظل الله على الأرض، فالسياسة هي المسيطرة على الاقتصاد ونظمه المختلفة، سواء الاشتراكي أو الرأسمالي، وهما جناحان يتأرجح بينهما الاقتصاد العربي، ويختلف باختلاف الزعيم.

بين السياسة والإبداع

يمتد تأثير السياسة بالطبع في الحياة الاجتماعية التي تتأثر بالضرورة بالتغيرات الاقتصادية، وقد رأينا خلال فترة الاشتراكية التي عاشتها مصر في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كيف كانت النسبة الغالبة من المجتمع تعتنق اليسار منهجا، وبعد التحول نحو الرأسمالية، اختفت الظاهرة.

الإبداع عامة، في رأي الناقد المصري، يستقي مادته من المجتمع، من البيئة الضيقة أولا، وهي الأسرة، ثم البيئة الأوسع وهي البلدة، ثم تتسع الدائرة وتصبح الوطن، ثم العالم أجمع. فما يحدث في شمال البلاد ينعكس على سلوك وتصرفات الفرد في جنوبها، مثلما حدث بظهور الإنترنت، وانعكاسه الجوهري على الإنسان العربي، رغم أنه لم يخترعه. هكذا تنعكس السياسة على كل رؤى الإنسان، خاصة المبدع.

اللحظتان التاريخيتان المهمتان اللتان مرتا بمصر عقب حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973، تناول شوقي عبدالحميد تأثيرهما في الأدب، من خلال دراستين نقديتين، الأولى بعنوان “يونيو 67 وأثره في الرواية المصرية” وصدرت عام 2000، والثانية بعنوان “الرواية في أكتوبر 73” وصدرت عام 2017.

يستعير الكاتب المصري مقولة أرسطو، في أبسط صورة، وتفيد بأنه طالما وُجد مجتمع من الناس تُوجد جماعتان أو طبقتان، ويُوجد الاختلاف بينهما، ولابد أن تملك إحداهما أكثر مما تملكه الجماعة الأخرى. تمثل الأولى الطبقة الحاكمة، والأخرى الطبقة المحكومة.

السياسة هي المسيطرة على حياة الإنسان
السياسة هي المسيطرة على حياة الإنسان

ينقل عن الشاعر المصري الراحل صلاح عبدالصبور قوله في إحدى مسرحياته إن “كل الناس خصوم للجالس فوق القمة”، أي أن هناك قمة وهناك قاعا، فينشأ الصراع بينهما، على أن الصراع ليس القوة في كل الأحيان، وإنما صراع الأفكار، فمن يملك أن يطبق أفكاره يكون في طرف، ومن لا يملك في الطرف الآخر، وهذه هي السياسة بمعناها العام.

يراهن الناقد المصري على دور الأدب في المجتمع وإمكانية التغيير، قائلا: “إن الهدف من العمل الإبداعي هو تحريك المشاعر، أو إثارة العاطفة، وبالتراكم يتعاظم إحساس المجموع، فيقوم المجتمع بالتغيير. وعندما سُئلت بعد صدور كتابي (دور الرواية العربية في الربيع العربي) عما إذا كان للرواية من دور، أجبت بنعم، فالدور الذي تقوم به الرواية ليس وقتيا، وليس سريعا، إنما بحكم التراكم والاستمرار يتحرك المجتمع نحو التغيير.

وصدرت للناقد شوقي عبدالحميد في عامي 2018 و2019 دراستان، الأولى بعنوان “مصر بين ثورتين.. مسيرة روائية”، والثانية بعنوان “25 يناير في الرواية المصرية”.

يجزم الناقد المصري في حديثه مع “العرب” بأن الروايات التي صدرت في المملكة العربية السعودية في أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحالي، كان لها تأثير ودور كبيرين فيما يحدث الآن من انفتاح، وإعطاء المرأة الكثير مما كانت محرومة منه.

وعبر عدد كبير من مبدعي الرواية (على رأسهم نجيب محفوظ) بأعمال تتناول أثر المقدمات التي حدثت في الحياة السياسية في مصر على وقوع أكبر هزيمة عام 1967، وقدمت ثلاثية محفوظ (قصر الشوق وبين القصرين والسكرية) في إطار اجتماعي رؤية تعبر عن ديكتاتورية الرجل في وجه المرأة التي ترى فيه “سي السيد”، لكنها في الوقت نفسه تدفعنا للنظر فيما هو أبعد لنجد ديكتاتورية الحكم، واستسلام الشعب وانسياقه، في فترة الخمسينيات والستينيات.

ماذا يريد الكاتب

قلت للناقد المصري شوقي عبدالحميد إن هناك مدارس نقدية تؤيد ما يعرف بالأدب الملتزم الذي يدافع عن قضية ما ويتبناها، وهناك مدارس أخرى مثل “الفن للفن” تُعلي شأن النظر إلى جماليات الإبداع فقط، وتعتبر الأدب إذا حمل قضية يصبح ضعيفا من الناحية الفنية، فأين يقف هو؟

دراسة نقدية
دراسة نقدية

ليرد بأن الالتزام يُقيد حركة المبدع، فالمبدع الحق لا يستطيع أن يكتب كتابة جيدة إلا حرا، يكتب ما يراه هو وليس ما يُفرض عليه. أما الفن للفن وغيرها من النظريات النقدية التي تنظر للعمل الإبداعي من الداخل فقط، كالبنيوية والتفكيكية، أو ما تسمى بالنظريات الحداثية التي تهمل التأثيرات الخارجية في العمل الأدبي انتهت سريعا، وأراها تسعى إلى الاختلاف فقط، أو البحث عن جديد، ولذلك لم تصمد أمام متغيرات الحياة، وأمام حقيقة أن مصدر الإبداع هو المجتمع.

ويوضح لـ“العرب” أن تأثيرات البيئة الخارجية على إنتاج النص الأدبي أولاها النقد ما قبل الحداثي كل الاهتمام، مثل النقد التاريخي، والاجتماعي، والنفسي، فالمتعة هي أحد العناصر المهمة للإبداع، لكنها ليست الوحيدة التي تدفع القارئ أو المتلقي الذي يقف أمام أي عمل إبداعي ويسأل: ماذا يعني المبدع أو الفنان؟ أي أنه يتساءل عن الغاية من العمل وماذا يريد المبدع أن يقول، وما الذي يمكن الخروج به من العمل.

يحسم الناقد المصري قائلا “قناعتي أن الأدب أو الفن ليسا إلا رسالة، طرفاها المبدع من جانب والمتلقي من الجانب الآخر، وبينهما الرسالة التي يرسلها الأول للثاني، وكي يتقبل الثاني الرسالة ويقرأها بتمعن أو بشغف لابد أن تصاغ بصورة يتقبلها هذا الآخر، لذا فالأساليب أو التقنيات المستخدمة في الكتابة وسيلة يصل بها الأول إلى الثاني، ويُحدث فيه أثره”.

يعكف شوقي عبدالحميد في الوقت الحالي على إعداد كتاب جديد حول جائزة البوكر العربية، قارب على الانتهاء منه، ويبحث عن ناشر له، ويتناول فيه ما يثار دائما حول الجائزة، وتأثير السياسة فيها، وابتعادها عن المعايير الفنية، ويتعرض بالبحث النقدي للروايات الفائزة خلال السنوات الفائتة، مع استخلاص السمة المشتركة بينها، ما دفع المحكمين إلى اختيارها، بما يفيد الكُتاب الساعين إلى الفوز بها مستقبلا.

ويقدم الكتاب بحثا إحصائيا لعدد الدول التي فازت بجائزة البوكر، وأعداد الفائزين من كل دولة، ومحاولة استخلاص النتائج، فضلا عن الوقوف على إنتاج المناطق غير المعروفة إبداعيا نسبيا، لنصبح وطنا عربيا بالفعل، كما يقول الناقد المصري، من الناحية الإبداعية على الأقل.

13