الروائية المصرية نورا ناجي: كل الكتابات لها جانب نسوي

أوجاع النساء في حاجة لحكايات غير مكررة.
السبت 2021/01/30
الأدب يعبر عن الحياة أفضل من الواقع

تحفل المدونة الأدبية العربية بالكثير من المؤلفات النسوية، والتي كتب أغلبها بأقلام نساء حاولن تسليط الضوء على ما تعانيه المرأة العربية من تهميش وظلم ونظرة دونية وعنف يصل حد الإلغاء والقتل. لكن هذه الكتابات على أهمية القضية ومحوريتها التي تطرحها كانت مكررة في أغلبها، إذ لم تنجح في إثارة القضية بالشكل المطلوب. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الروائية المصرية نورا ناجي حول مميزات الكتابة النسوية المثلى وقضايا أدبية أخرى.

اعتادت روائيات عربيات حكي الحكاية ذاتها كل مرة. تُعاني المرأة تحرشا ونظرات انتقاص وتواجه ازدراء وتجافيا. فالأنثى، في معظم الكتابات النسوية العربية مهضومة الحقوق، مُضطهدة، ومُحاصرة بُمجتمع شديد الذكورية، حاد التنمر معها، كأنها نصف كائن، وفتافيت إنسان.

لا يلفت ذلك الطرح نظر أحد ولا تجذب هذه الحكاية ألباب جمهور الثقافة، فالناس ملت من تكرار حكاية “نحن لا نزرع الشوك” التي كتبها الأديب الراحل يوسف السباعي، واعتبرتها الكثير من الكاتبات دليلا ونموذجا للكتابة عن معاناة المرأة العربية.

قليلات من الجيل الأحدث حاولن الاختلاف، وقليلات مَن سعين إلى رسم خطوط أخرى، والإفلات من موجات المظلومية المباشرة، ربما ثقة في الإبداع ذاته، وانتصارا له، وسعيا للقصة أولا بعيدا عن الترميز المعتاد والمُكرر. منهن الروائية المصرية نورا ناجي التي تحاول تعبيد مسار جديد يُغاير فكرة الكتابة النسوية التي لا تتطور من خلال إدماج الفكرة في حكاية مثيرة مشوقة يجتهد القارئ في البحث عن إجابات لتساؤلاتها المبدئية.

واقع يجب مقاومته

طرح مختلف يرتدي عباءة الحكاية المثيرة الغامضة
طرح مختلف يرتدي عباءة الحكاية المثيرة الغامضة

في روايتها الأحدث “أطياف كاميليا”، تقدم نورا ناجي حكاية سيدة تختفي فجأة لتثار الأسئلة المتنوعة من كافة المحيطين بها حول تفسير ذلك الاختفاء لنصل إلى طروحات السيدة المختفية ذاتها بشأن الاختفاء، فهو قرين التهميش الممارس من المجتمع، لكنه طرح مختلف يرتدي عباءة الحكاية المثيرة الغامضة والمُدهشة بتساؤلاتها.

دفعها ذلك للقول في حوارها مع “العرب”، إن اعتمادها على نسق الحكاية الغامضة جاء تهربا من الشكوى المباشرة، وحاولت رسم اختفاء كاميليا كأمر مدهش، فكيف يمكن لامرأة ما أن تترك كل شيء وتذهب دون خبر، أن تترك حقائبها وتفاصيلها الصغيرة وأدوات تجميلها وملابسها وتختفي؟

وتضيف ناجي أن مثل هذا الحدث ليس عاديا، بل هو شديد الإثارة، وله دلالات تقود في النهاية إلى فكرة الاختفاء الرمزي للمرأة، فتهميشها والتعامل معها باعتبارها مجرد شيء يمكن الاستغناء عنه، هو ذاته اختفاء مفاجئ.

تتساءل الكاتبة المصرية في حوارها مع “العرب”، لماذا تعتبر المرأة هامشية رغم أنها أساس أي بيت؟ وتتابع قائلة “هذا بالفعل ما عجزت عن فهمه وقتها، ويبدو أنني كتبت الرواية كلها لأفهم، ولا يجب أن تكون الرواية عن حكاية رجل يضطهد امرأة، فيمكن أن تكون عن امرأة تبحث عن الحب والاستقرار، وتحقيق نفسها، امرأة تتقاطع حياتها مع حيوات أخرى إلخ…”.

نورا ناجي روائية مصرية من جيل الشباب من مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية شمال القاهرة، في فبراير1987، والتحقت بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتخرجت فيها عام 2008، ثم تنقلت بين عدة دول كان أبرزها كوريا الجنوبية والإمارات، وصدرت لها أربع روايات هي “باتا” عام 2015، و”الجدار” 2016، و”بنات الباشا” سنة 2017، والتي وصلت للقائمة القصيرة للرواية بجائزة ساويرس الثقافية بمصر، ثم رواية “أطياف كاميليا” العام الماضي، فضلا عن كتاب نقدي بعنوان “الكاتبات والوحدة”.

وتؤكد ناجي أن التقليل من شأن المرأة أمر طبيعي في كثير من المجتمعات العربية، وهو واقع نعيشه منذ قرون، ولا يمكن مجابهة ذلك سوى بالكتابة، فهي الأقدر على طرح الأسئلة دون ضجيج أو تكرار.

وترى أن المرأة العربية عموما مهمشة ومظلومة، وليس أيسر للتأكد من ذلك من فتح صفحات الحوادث في الصحف كل يوم لمعرفة أن معظم الجرائم تخلف نساء معذبات، في قضايا الشرف، قضايا التحرش، الاغتصاب، الحرمان من الميراث، أو الأطفال، والزواج القهري أو زواج القاصرات.

وتقول إنه “من المضحك والمبكي في الوقت ذاته أن هناك فعلا من يلقي بزوجته من الشرفة، لأنها مريضة أو لأنه منزعج منها، وهذه ليست حكايات في كتب، وإنما حوادث حقيقية، والسر يكمن في طريقة التربية للإناث قبل الذكور في الأسر العربية”.

وتشير الأديبة المصرية إلى أن المواجهة تستلزم صبرا طويلا، وتغييرا في طرق التربية والتعليم، وتطويرا في التعامل مع الأفراد في جميع المؤسسات، وعلى المفكرين مسؤولية كبيرة للإصلاح وبث الرسائل الإيجابية عبر الفن والإبداع، والأدب، تحديدا فن الرواية، هو الوعاء الأمثل لطرح مثل هذه القضايا.

الأدب أداة طرح

توضح ناجي أنها لا تدعي إيجاد إجابات بقدر ما تريد إحداث تأثير من خلال طرح الأسئلة، فهي لا تحب تصنيف الكتابات نسوية وذكورية، فكل الكتابات لها جانب نسوي على حد وصفها، وتساءلت: هل هناك رواية تخلو من التحدث عن قضية تخص المرأة سواء لكاتب أو كاتبة؟

وتذكر أنها تفهم أن يكون الكاتب رجلا أو امرأة، فيختلف السرد ووجهات النظر لاختلاف رؤية الرجل عن المرأة، وطريقة الرجل في رؤية الأشياء والتفاصيل عن المرأة، لكن لا تعتقد أن الكتابة يمكن أن تصنف تصنيفا جندريا.

وكل كاتب يكتب عما يعرفه، عما يشعر به ويراه، لذلك من الطبيعي أن تصف الكاتبة مشهد غروب الشمس مثلا بشكل يختلف عن وصف الكاتب له، هذا فقط ما يتغير طبقا للمفهوم الجيني، أما تناول القضايا نفسها فيبدو متشابها، ويعتمد على رفض المبدع لفكرة الظلم بشكل عام.

وفي تصورها، يمكن طرح جميع القضايا عبر الأدب وليس القضايا النسائية فقط، فالأدب يعبر عن الحياة بشكل أفضل مما يفعله الواقع، وهو الذي يدعو الناس إلى إعادة اكتشاف العالم، والبحث عن التفاصيل الصغيرة.

الحكايات التي تتميز بتعدد الجوانب والأصوات وزوايا النظر تسمح لنا بإدراك الآخر كما توفر لنا مساحة لتقبله

وأي حكاية أو رواية أو كتاب، سيطرح قضية بشكل أو بآخر حتى لو كان هدفه المتعة فقط، هدف مشروع، وأي قضية تحتوي على أكثر من وجهة نظر، قضايا نسوية أو ذكورية لا فارق، المهم هو ما يفعله الأدب في العالم، فأثره سيكون كبيرا جدا، أكبر مما يعتقد البعض.

وتذكر أن فكرة الحكم على الآخر هي فكرة أبدية لن تنتهي، فنحن جميعا نقع فيها حتى لو ادعينا عكس ذلك، أو حتى لو بذلنا جهدا لمنع أنفسنا من فعل ذلك، والأفضل هنا أن نقتنع بأن لكل حكاية بالفعل جوانب عدة، فنحن بشر، ولن نتمكن أبدا من قراءة الأفكار أو التخمين الصحيح لنعرف تفاصيل ما حدث أو يحدث. معظم الناس يأخذون الأمور من على السطح، والحقيقة أننا نخسر الكثير عندما نفعل ذلك.

وتشدد الكاتبة على أن قبول الآخر بالفعل يتماس مع فكرة التعددية، فعندما ندرك على الأقل أن لكل حكاية جوانب عدة، حتى لو لم نتمكن من اكتشافها، سنترك لأنفسنا مساحة لتقبل الآخر، وتقبل أفعاله التي نراها غير مقبولة ولا مناسبة، ونتفهم ونتصالح. فالحقيقة أن التفهم ينفع صاحبه قبل أن ينفع الطرف الآخر، لأنه يعلمه طريقة العيش بسلام وتسامح.

وتلفت ناجي إلى أن تفضيلاتها للكتاب تختلف من فترة إلى أخرى، لكنّ هناك كتابا أعلاما عالميين تُتيم بهم مثل ماركيز، سوزان سونتاج، جومبا لاهيري، أليس مونرو، وهان كانغ، ومن المصريين نجيب محفوظ، رضوى عاشور، عادل عصمت، عزت القمحاوي، منى الشيمي وإيمان مرسال.

والكاتبة ممن يرون أن أفضل ما يحوزه الكاتب أن يجد أناسا يعرفونه من بلدان مختلفة بسبب ما يكتبه، فتقدير الجمهور أهم وأبقى من كل تقدير.

وتعتقد أن الانتشار السريع ودخول ما يكتبه الكاتب ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعا له جانب مقلق، يكمن في الحرص على عدم خذلان جمهور القراء في الأعمال التالية، وهو ما تحرص عليه بشكل كبير.

وفي رأيها، أن الجوائز الثقافية لعبت دورا محوريا وهاما في تشجيع الكتاب، خاصة من جيل الشباب، على المثابرة والتميز، وهو ما أدى إلى فورة ثقافية واضحة في مختلف مجالات الثقافة، وفي مجال الرواية بشكل خاص.

13